شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
يحلمون في الهجرة إلى أوروبا فينتهون في حضن داعش والنصرة

يحلمون في الهجرة إلى أوروبا فينتهون في حضن داعش والنصرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 20 نوفمبر 201606:51 م

في صيف العام 2014، تلقت عائلة الشاب التونسي ناصر ونيس (28 عاماً) خبر مقتل ابنها في اتصال هاتفي من العراق حيث كان يقاتل في صفوف داعش. كان ناصر قد هاجر إلى إيطاليا ربيع العام 2011 في قارب صغير ثم تسلل إلى فرنسا، ومع اندلاع الأزمة السورية قرر الالتحاق بتنظيم جبهة النصرة، لينتقل لاحقاً إلى داعش.

الهجرة إلى "جنة الأرض"

عقب سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وتراخي القبضة الأمنية، استغلت شبكات الهجرة غير الشرعية الوضع ونظمت عشرات الرحلات التي أوصلت آلاف الشباب التونسيين إلى السواحل الإيطالية. حتى أن أحد المعلقين طالب ساخراً بتحرير جزيرة "لامبيدوزا" من الاحتلال الإيطالي ومنح سكانها الجدد حق تقرير المصير.

مواضيع أخرى:

أصوات أوروبية تنتقد التقصير الحكومي: المهاجرون ليسوا "صراصير"

كيف تجنّد الحركات المتطرفة عناصرها؟

تفرقت السبل بهؤلاء المهاجرين. بعضهم نجح في تدبير إقامته على الأراضي الإيطالية وبعضهم اختار التسلل إلى الأراضي الفرنسية. الخيار الأخير اتخذه بشكل أساسي أبناء مدن وبلدات الجنوب الشرقي التونسي، فهذه المنطقة عُرفت تاريخياً بهجرة أبنائها إلى فرنسا. وقلةّ صغيرة قرّرت العودة إلى البلاد بعد تجربة قاسية بلا عمل ولا مأوى. أما البقية الباقية منهم فقد اعتقلوا ووضعوا في مخيمات خاصة ثم أُعيدوا إلى تونس.

بعد الوصول إلى فرنسا يجد المهاجر نفسه أمام تحدٍٰ مصيري. عليه أن يجد سكناً وعملاً، وكل ذلك في ظل عيشه هواجس الترحيل. يتكمن البعض من تأمين هذه الحاجات بمساعدة مهاجرين سابقين أو بنسج علاقات صداقة أو زواج بفرنسيات، فيما يعجز كثيرون عن ذلك، فيستبد بهم اليأس ويتجهون نحو عالم الجريمة والمخدرات. ويقع بعض اليائسين في فخ شبكات تجنيد الشباب للقتال في بؤر التوتر في العراق وسوريا، ويفضّل الهروب من قسوة الحياة إلى "جنة السماء" بعد خيبته من الحياة في بلد كان يظنّ أنه "جنة الأرض".

الهرب إلى "جنة السماء"

ناصر ونيس هو أحد هؤلاء المهاجرين. من تونس إلى إيطاليا ففرنسا انتقل ليخوض تجربة مع جبهة النصرة في سوريا. وهناك عاد وفضّل الالتحاق بداعش. وفي صيف العام 2014، دخل مع قوات الدعم التي توجهت من محافظة الرقة السورية إلى مدينة الموصل العراقية. وهناك قضى نحبه خلال قصف جوي للقوات العراقية على مواقع التنظيم، حيث كان يعمل طباخاً.

لم يتوجه ناصر إلى سوريا من فراغ. كان يحمل أفكاراً جهادية منذ كان يعيش في تونس. فقد سبق له أن اعتقل عام 2007 بتهم تتعلق بالإرهاب، ثم أفرج عنه بعد عام وبقي ممنوعاً من السفر حتى سقوط النظام، ليتمتع لاحقاً بالعفو التشريعي العام ويهاجر إلى إيطاليا في موجة الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت البلاد بين فبراير وأبريل 2011.

التونسي حسن البهودي (25 عاماً) هاجر هو الآخر إلى فرنسا بطريقة غير شرعية، وهناك تم تجنيده أواخر العام 2011، ليسافر إلى سوريا ويلتحق بجبهة النصرة. وقبل أن يلقى حتفه عام 2013، تمكن من تجنيد أخيه الأصغر المقيم في تونس.

عواقب الترحيل القسري

لعل أكثر ما يخشاه المهاجر غير الشرعي هو الترحيل القسري إلى بلده. فإلى جانب ما تخلفه هذه العملية من خسائر مالية للمهاجر فإنها تترك ندوباً نفسية غائرة وقاسية يمكن أن تقوده إلى الانتحار بأشكاله المتعددة، كالانتحار المباشر أو العودة مرة أخرى في رحلة هجرة يمكن أن تنتهي به طعاماً للأسماك أو التوجه للقتال في سوريا أو العراق.

اختار الشاب التونسي أسامة السيدي (25 عاماً) الدرب الأخير. مر أسامة بتجربة نفسية قاسية. فبعد أن تمكن من الوصول إلى فرنسا، قُبض عليه وأعيد إلى تونس. خلال هذه الفترة أصبح أكثر عزلة وظهرت عليه علامات التدين وأصبح يتردد كثيراً إلى المسجد القريب من بيتهم جنوب تونس، ونسج علاقات مع عناصر جهادية مكنته من الالتحاق بأحد مراكز التدريب في ليبيا ثم التوجه إلى سوريا للقتال ضمن "كتيبة صقور الشام". هناك، صار يُكنّى بـ"أبي حفص التونسي" ليلقى حتفه في 23 ديسمبر 2012 في مواجهات مع الجيش السوري في منطقة داريا في ريف دمشق.

برغم تعدد حالات تجنيد التنظيمات الجهادية للشباب التونسي المهاجر إلى فرنسا وإيطاليا، لم تتحول إلى ظاهرة جارفة كما يحصل مع الشباب الفرنسي من ذوي الأصول العربية والمغاربية خاصة. في هذا السياق يشير الباحث التونسي في الجماعات الإسلامية، وصاحب كتاب "تحت راية العُقاب سلفيون جهاديون تونسيون" هادي يحمد إلى "أن مسألة تجنيد المهاجرين غير الشرعيين محدودة عددياً ولا يمكن اعتبارها ظاهرة. صحيح أن المهاجرين وبالنظر إلى ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن يتحولوا إلى لقمة سائغة لشبكات التجنيد غير أن هؤلاء يضعون في صلب أولوياتهم لدى وصولهم إلى فرنسا تسوية أوضاعهم القانونية".

الأمر ليس جديداً

أن يقع شباب تونسيون مهاجرون في شراك شبكات تجنيد المقاتلين والجهاديين ليس أمراً جديداً. بالعودة إلى التاريخ القريب، نجد الكثير من الأمثلة والحالات لتونسيين شاركوا في نشاطات جهادية في أوروبا في تسعينيات القرن الماضي من خلال شبكات دعم الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية والشبكات المرتبطة بتنظيم القاعدة. حتى أن شبكة جهادية عناصرها مهاجرون تونسيون في بلجيكا، استطاعت التوجه إلى أفغانستان واغتيال الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود، الخصم اللدود لحركة طالبان، قبل يومين من هجمات سبتمبر 2001.

مرّ المعتقل التونسي في سجن غوانتنامو، هاشم السليتي، تقريباً بالمسار نفسه الذي مرت به العناصر التونسية التي تم تجنديها للقتال في سوريا أخيراً. سافر هاشم إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية عام 1995 وعمل هناك في تجارة المخدرات، إلى أن تم اعتقاله عام 1997 بتهمة حيازة المخدرات. سجن ثلاث سنوات ولكن أطلق سراحه بعد عام واحد. وفي سبتمبر 1998 تعرف إلى ابن عمه عمر السليتي وهو جهادي مقيم في مدينة جنوا الإيطالية، فجنّده وسهل له طريق السفر إلى أفغانستان في مايو 2000، ليجد نفسه مقيماً في دار الضيافة التونسية في مدينة جلال أباد التي كان يشرف عليها زعيم تنظيم أنصار الشريعة أبو عياض التونسي (سيف الله بن حسين). وهنالك، تلقى تكويناً دينياً وعسكرياً إلى أن ألقت القوات الباكستانية القبض عليه في ديسمبر 2001 ونُقل إلى معتقل غوانتنامو.

وفي هذا السياق يشير هادي يحمد إلى أن "مسألة التجنيد تكون أكثر جدوى مع الشباب الذين ولدوا في فرنسا، أي الشباب من أصول مهاجرة. ذلك أن هؤلاء الشباب يعيشون مشاكل تتعلق باندماجهم في المجتمع الفرنسي مع ما يتعلق بذلك من إشكالية هويتهم وإحساسهم بالضياع الثقافي. لذلك يجد هؤلاء الشباب ملاذهم في الطروحات التي تعدهم بتحقيق هويتهم الأصلية وإعادتهم إلى دينهم".

بعد احتلال العراق عام 2003، تصاعد عمل الخلايا الجهادية التونسية في أوروبا وراحت تنشط أساساً في تجنيد المقاتلين وتسفيرهم إلى العراق لينضموا إلى تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين تحديداً.

وفي العام 2005، فككت أجهزة الأمن الفرنسية خلية جهادية في "الدائرة 19" عُرفت بشبكة "بوت شومون"، وكانت تنشط في إرسال متطوعين لمحاربة القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2004. واعتُبر التونسي الفرنسي أبو بكر الحكيم، قاتل المعارض محمد البراهمي، الشخصية الرئيسية في هذه الشبكة. ونظراً لخبرته في القتال، بات الحكيم قدوة لرفاقه في الشبكة، بمن فيهم شريف كواشي وشقيقه الأكبر سناً سعيد كواشي اللذان قاما هذه السنة بتنفيذ الهجوم على جريدة شارلي إيبدو الساخرة.

نشر هذا الموضوع على الموقع في 20.05.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image