أصبحت الطريق الوحيدة لنجاة السوريين، أهل المخيمات خصوصاً، هي الطريق التي تمر بالموت أولاً، طريق البحر، غير الشرعية إلى أوروبا. الخيام لا ترحم ساكنيها، وقسوة المعاناة اليومية تجعل البحر رحيماً مقارنة بها. هذا ليس افتراضاً، بل هو خيار يأخذه معظم أهل مخيمات اللجوء في الدول المجاورة لسوريا، إذ يفضل الكثير منهم الذهاب في رحلة خطرة واحدة، ضربة واحدة، إما تؤدي إلى الحياة الكريمة أو إلى الموت.
تعمل منظمة أطباء بلا حدود Doctors Without Borders، بالتعاون مع مصورين وصحفيين من بضع بلدان وجنسيات، على مشروع لتوثيق نشاطاتها في أنحاء مختلفة من العالم، وقد خصت المنظمة رصيف22، من بين الوسائل الإعلامية العربية، برسوم Illustrations للفنانة مولي كرابآبل Mo
نُشرت الرسوم على موقع مجلة Vice الأميركية، الموقع الذي تعمل فيه Molly رسامةً ومحررة. تعرّف Molly عن نفسها لرصيف22 بأنها رسامة ومحررة تمزج الصحافة بالفن. وكانت نفّذت سابقاً مشاريع عديدة عن غزة وسجن غوانتنامو، ومخيمات اللاجئين السوريين في سوريا ولبنان والعراق. وقد تلقّت دعوة من منظمة أطباء بلا حدود لتشارك في مشروعهم التوثيقي، لتذهب إلى مخيم دوميز في كردستان حيث يعيش أكثر من 40 ألف كردي سوري، وتوثق قصص العائلات هناك.
جلست الفنانة مع العائلات السورية وتحدثت معهم. ومعظمهم من القامشلي ومدن الجزيرة في الشمال السوري، حيث يتمركز العدد الأكبر من الأكراد في سوريا، إلا أن الكثير منهم كانوا يسكنون في المدن الكبرى كدمشق وحلب قبل أن تمضي بهم الحرب السورية الأخيرة إلى مخيم دوميز. رسمتهم كما رأتهم تماماً، وكتبت على أطراف الرسوم وحول الشخصيات ما قالوا لها، لتحاول إيصال قصصهم وقصص معاناتهم إلى العالم.
في مقدمة كتبتها قبل نشر الرسوم، تقول مولي: "بعد يوم واحدٍ في دوميز، من السهل معرفة السبب وراء عزم الأكثرية في المخيم على الرحيل، فاللاجئون يعيشون في خيم أو أكواخ طينية، والمدارس محدودة ومزدحمة، وهناك بعض الأعمال ذات الدخل القليل جداً، وتم تقليص معونات الطعام المعطاة من المنظمات غير الحكومية”.
ولكنها تضيف: “على الرغم من ذلك كله، يصارع سكان المخيم للعيش. بعضهم قام بزرع الحدائق، وأحد الرجال الذين التقيتهم يدير شركة لتلبيس الأكواخ بالحجر الاصطناعي لتبدو كبيوت من حجر. وازدهرت الحركة التجارية وافتُتحت متاجر عدة، منها لتأجير فساتين الأعراس، وأخرى لتصليح الصحون اللاقطة، ومقاهٍ تقدم وجبات كبيرة من طبق الحمص. إحدى السيدات التي تدير دكان سمانة رفضت أن أدفع لها ثمن قارورة مياه، إنه يوم حار، قالت لي. "عندما ينقطع التيار الكهربائي ست ساعات يومياً، يمكن للحرارة أن تدفع الإنسان إلى الجنون".
[full_width]
[caption id="attachment_47919" align="alignleft" width="1500"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) حلمي في أوروبا أن أضمن مستقبل أطفالي. لماذا سأترك؟ لا قسائم طعام، ولا كهرباء، ولا عمل. بيئة. مشاكل نفسية. مجارٍ مفتوحة. الوضع صعب بعد دمشق. لم نستطع التكيف مع الوضع. عشرة جنيهات في اليوم. "في سوريا كان زوجي بائعاً متجولاً، كان يملك بسطة للبيع. اتخذنا قرارنا. نحن على علم بالوضع، من تركيا إلى اليونان عن طريق البر، 2500 يورو، البحر 500 يورو، تحتاج 12500 يورو لجميع أفراد الأسرة. لديه أقرباء في أوروبا سيقومون برعاية طلب التأشيرة، سيدفع 10,000 يورو فقط لكي تصل العائلة بخير وسلام. اقترض المال من الأصدقاء، لكن حتى مع أربع سنوات من العمل، قال إنه لا يمكن تسديدها. من هنا إلى تركيا لا حاجة للقيام بأي شيء. من تركيا إلى بلغاريا سيكون علينا قضاء بضع ليال في الغابات، لذا سوف نجلب البطانيات والملابس الدافئة للأطفال. خمسة من أعضاء العائلة على استعداد للسفر إلى أوروبا. ثلاثة رجال وامرأة واحدة ورضيع، وطفل صغير.[/caption] [/full_width] [caption id="attachment_47973" align="alignnone" width="700"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) لدي سؤال - يمكنك مساعدتنا للوصول بأمان إلى ألمانيا؟ أسأل العالم أن يحل المشكلة في سوريا. سوف نحمل أرواحنا معنا، ولا شيء آخر. احتفظ بالصور على قرص تخزين يو أس بي. يتضمن ذكريات عن حياتنا. عندما تركنا سوريا أخذنا ما باستطاعتنا أخذه لأننا لم نعتقد أننا سوف نموت على الطريق. بكل التأكيد أنا خائفة. أعرف المخاطر، ليس بالنسبة إلي فحسب بل أيضاً بالنسبة لزوجي وأطفالي. لكنْ هناك أسباب. حلمي عزيزتي هو أن يكون هناك مستقبل لأطفالي. أنا على علم بهذه المخاطر في المجر، ولكن أستطيع أن أتحمل بضعة أيام، وإذا مت على الطريق، فلا بأس، أنا أموت هنا ببطء.[/caption] [full_width] [caption id="attachment_47925" align="alignleft" width="1200"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) كل يوم جمعة كنت اصطحب أطفالي إلى الحديقة العامة في دمشق. الآن أولادي يسألونني لماذا ليس هناك حديقة هنا. هنا أعمل سائق تراكتور. لا يدفعون لنا مستحقاتنا إلا عندما يبيعون كل القمح. (مهيار يلعب كرة القدم. حصل على ميدالية. "سأذهب لألتقي ليونل ميسي"، يقول) ألقي القبض على مجموعة، فقط واحد من بينهم كان لديه هاتف جوال للتواصل مع العائلة). من الخطر الذهاب وحدك. المجموعة تحمي نفسها من الغرباء. (زوجها في أحد مخيمات اللاجئين في اليونان. كان يعمل سائق سيارة أجرة في دمشق. عندما كان يقود سيارته في أحد شوارع دمشق اعترضته سيارة لضباط علويين كانوا يقودون مركبتهم عكس السير. اعتقلوه بتهمة عرقلة السير. سجن لمدة 20 يوماً. حاول رب عمله، وهو علوي، التوسط لدى اصحاب النفوذ كي لا يخضعوه للتعذيب. وقد دفع أبوه مبلغ غير معروف من المال لإطلاق سراحه. نصحه رب عمله بالهروب للإفلات من العقاب. قال لرب عمله إنه ذاهب ليزور عائلته لكنه اجتاز الحدود وذهب إلى كردستان). لا، لسنا سعداء بأننا سنغادر، لا أريد الذهاب إلى أوروبا لأن مشاعري قد تصبح باردة مثلهم. (كان يملك منزلاً جميلاً وعندما قام ببنائه لم يكن يتصور أنه سيضطر إلى المغادرة. بنى منزله بمبلغ $5000 لكن الأسعار هبطت وسيبيعه بسعر أقل). لا أحد متحمس للسفر. نريد السفر إلى أوروبا لأننا هربنا بضع مرات من دمشق إلى كردستان ثم إلى العراق. نريد التوقف عن الهروب.[/caption] [/full_width] [full_width] [caption id="attachment_47926" align="alignleft" width="1200"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) (زوجها من الحسكة ويسعى لتأمين اللجوء في الدنمارك لعلاء وستة أطفال. لا مستقبل للأولاد هنا. طلب اللجوء رُفض فلجأوا للمهربين. أحد الأبناء يريد دراسة العلوم الاجتماعية. إحدى البنات تريد دراسة التمريض والأخرى الطب). أحياناً لا ننام كل الليل لتأمين المياه. تغيّر المياه أشياء كثيرة: ماذا تأكل وماذا تفعل... خسرت منزلاً في ريف دمشق. نهبته جبهة النصرة. نهبت النصرة كل شيء في المنزل حتى مفتاح الضوء. لم أستطع جلب ولو صورة. (الزوج سافر إلى أوروبا في الوقت نفسه الذي مات فيه 71 سورياً في الشاحنة. الرحلة استمرت شهراً. المهربون جعلوهم يجتازون الحدود مشياً. حاول جرح أصابعه. "إذا أعطيت بصمات أصابعي سأضطر إلى البقاء في ألمانيا" قال. كان يريد الذهاب إلى الدنمارك لأنه وعد صديقه). في أوروبا هم أكثر إنسانية منا ولدى الإنسان قيمة عندهم. في سوريا يمكن أن تسجن لخمس سنوات من غير تهمة. الحشرات تملئ المنزل، نحن نخاف أن ننام. دخلت حشرة إلى أذن ابني. أخبرت عن الحشرات عدة مرات. لم يتحرك أحد إلى عندما أثير الموضوع على التلفزيون التركي. هناك فئران تجري على السطح البلاستيكي.[/caption] [/full_width] [caption id="attachment_47970" align="alignnone" width="700"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) (نسرين تريد التعليم في حضانة وأن تذهب إلى المدرسة لكي تتعلم. واحدة من صديقاتها في الدنمارك تدرس اللغات. كانت ساقيها متورمتين فأحضرت لها المعلمة كرسي. كانت مندهشة). نحن نخاف أن نذهب مع المهربين ولكن ليس لدينا خيار آخر. عندما قررنا كنا على علم بالمخاطر ولكن هناك أسباب. حياتي تتعلق بمستقبل أبنائي.[/caption] [caption id="attachment_47921" align="alignleft" width="1200"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) (لا يمكن أن يتحمل تكاليف ذهاب كل العائلة. عندما يتوفر المال سيرحل). أنا من دمشق. تركت ورائي منزلين هناك. عملت في مطعم في حماة نادل. (عندما كان يعمل في المطعم زارته المخابرات و سئلته لماذا يعمل في المطعم وهو كردي. سئلوه إن كان يمكن زيارته. الآن يعمل في مجال العمار والديكور في زها، في الجامعة الأمريكية، و لكنه لا يملك المال. منذ أن جاء إلى كردستان، نصبوا عليه $5000). لو كنت أعمل في نفس المهنة في أوروبا لأصبحت مليونيراً. لم أرى عائلتي منذ أربع سنوات و لكن إذا عدت سيعتقلنا النظام. بعض المليشيات العربية والمسيحية (آشوريين) قد يحاولون خطفنا. لا أثق بالمجموعات العربية التي تحارب مع وحدات حماية الشعب.[/caption] [caption id="attachment_47972" align="alignnone" width="700"] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) إذا حصلنا على إذن، سنذهب بالطرق القانونية وإلا سنرحل بالتهريب.[/caption] (ترجمة لبعض ما يرد على الصورة) أنا أبحث عن الازدهار. ليس لدي أحلام في أوروبا. أريد أن يجد زوجي عملاً لائقاً وأن أؤمّن حياة لائقة لأطفالي. أفضل السفر بالبر ولكن سأسافر في البحر إذا لم يكن لدي خيار آخر. أخي في تركيا، سيتفاوض مع المهربين على السعر. لا عمل لدي هنا، حتى أنهم يطلبون المال من أقاربي. تركت كل ذكرياتي في سوريا، ليس لدي أي شيء لآخذه معي. بعت منزلي ومقتنياتي. لن آخذ أي شيء معي. بالتأكيد أنا متوترة، خصوصاً أننا نتحضر للذهاب في رحلة مليئة بالمخاطر. تقلصت قيمة قسيمة الطعام من 31$ إلى 10$. تعمل منظمة أطباء بلا حدود على عدّة مشاريع إنقاذية في العالم، إذ يقوم أكثر من 27 ألف موظف ميداني يومياً بمساعدة شعوب متضررة من الكوارث البشرية والطبيعية كالحروب والمجاعات وسواها. فتقدم لهم خدمات التغذية والطبابة والرعاية الصحية النفسية. في ما يخص اللاجئين السوريين تحديداً، تحاول المنظمة تقديم العديد من الخدمات والمساعدات من خلال عياداتها في المخيمات في بلدان اللجوء المجاورة، كلبنان وتركيا والأردن والعراق. كذلك أطلقت عام 2015 حملة واسعة للبحث عن الغارقين في المتوسط إثر عمليات تهريب فاشلة إلى أوروبا وإنقاذهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...