شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
فشل السلفيين في تونس

فشل السلفيين في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 سبتمبر 201602:38 م

بعد سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وجد المواطن التونسي نفسه أمام سيل جارف من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي انتشرت على نحو متسارع، بعد سنوات من العمل السري بسبب القيود المفروضة على حرية التنظيم والعمل السياسي العلني. ومن هذه التنظيمات الحركات السلفية، فماذا أضافت إلى المشهد التونسي؟

قبل الثورة، كان التونسيون لا يعرفون تقريباً من التيار الإسلامي إلا حركة النهضة. غير أن واقع ما بعد يناير 2011 غيّر كثيراً في خارطة الحركات الإسلامية في البلاد لتظهر أحزاب إسلامية جديدة، بعضها على يسار حركة النهضة وجلّها على يمنيها، وأهمها الحركات السلفية التي سارت على خطى نظيرتها المصرية في هجرة المساجد نحو ساحة السياسة.

من التأسيس إلى الشتات

تأسست أول حركة سلفية سياسية في تونس أواخر ثمانينيات القرن الماضي. قبل ذلك التاريخ كان السلفيون الحركيون، أي الذين يحملون فكراً يجمع بين العقيدة السلفية التقليدية وأطروحات سيد قطب وأبي الأعلى المودودي في الحاكمية وسيادة الشريعة، ينشطون بشكل مستقل أو كجناح داخل "حركة الاتجاه الإسلامي"، وهي الفرع الإخواني في تونس وتحوّل اسمها لاحقاً إلى حركة النهضة.

ففي العام 1988، أسس الطالب التونسي العائد من الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية، محمد علي حراث، تنظيماً سرياً سلفياً مع مجموعة من رفاقه وأطلقوا عليه اسم "الجبهة الإسلامية التونسية". وكان حراث قد عاد إلى تونس قبل عام من ذلك، بعد قراره الانقطاع عن الدراسة هناك لأسباب عقائدية والاتجاه نحو العمل السياسي.

جمعت الجبهة الوليدة في صفوفها عناصر شبابية وتحمست للمشاركة في دعم "الأفغان العرب" ونشطت في الترويج "للجهاد الافغاني". وشارك بعض أعضائها في القتال والعمل الإغاثي في أفغانستان، ولعل أشهرهم عبد الله الحاجي الذي اعتقل عقب هجمات سبتمبر 2001 في باكستان واقتيد إلى معتقل غوانتنامو. كما ساعدت الحركة قيادات جهادية ليبية في الفرار من قبضة المخابرات الليبية والتوجه إلى باكستان ثم إلى الساحة الأفغانية، أواخر العام 1989.

وبعد اندلاع المعركة بين التيار الإسلامي بقيادة حركة النهضة ونظام بن علي، أوائل تسعينيات القرن الماضي، طالت الحركة وأعضاءها موجةُ اعتقالات واسعة دفعت العديد من قادتها للفرار خارج البلاد، وتحديداً إلى الجزائر وباكستان وبعض العواصم الأوروبية. وبذلك خرجت الحركة من البلاد من دون أن تتجذر أو تترك لها أي أثر سياسي ملحوظ.

وفي الخارج، انشغلت بملفات إقليمية وقطعت كل صلة لها بمشاغل الداخل، فتوجهت لدعم جبهة الإنقاذ الجزائرية في صراعها العسكري مع النظام، ولتجنيد ودعم المقاتلين العرب في الحرب البوسنية بين 1992 و1995. كانت أفكار الحركة في ميلادها الأول تتركز حول "تطبيق الشريعة" و"دعم الجهاد" و"القطع مع الدولة القائمة جذرياً" ورفض الديمقراطية. وكان برنامجها يقوم على القوة من خلال "العمل الشعبي" و"الجهاد". حتى أن رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، اتهمها، في تصريحات لمجلة "لبوان" الفرنسية، بالمشاركة في هجوم نفذته الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة على مركز حدودي تونسي في العام 1995 في منطقة الجريد بالجنوب الغربي التونسي، وأدى إلى مقتل سبعة عناصر من جهاز الحرس التونسي.

السلفيون والعمل السياسي العلني

عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، ورفع المعوقات عن تأسيس الأحزاب والتنظيمات، توجّه السلفيون إلى العمل السياسي العلني من خلال تأسيس أحزاب سياسية. بدا أن هؤلاء نضجوا مقارنةً بما كانوا يحملونه من أفكار جذرية وجهادية سابقاً.

فبعد أيام قليلة من سقوط النظام صرّح محمد علي حراث، الأمين العام للجبهة الإسلامية التونسية، بأنهم عازمون على التوجه للعمل السياسي، ولخص أهداف حركتهم الجديدة في: "نشر الاعتقاد الصحيح عن منهاج الكتاب والسنة المحمدية"، والدعوة "للمشاركة السياسية العامة لتقليل الشر وتكريس الخير في البلاد ولدى النظام الحاكم".

وقال: "نعتبر في منهاجنا أن الإسلام هو حل لمشكلات الشعب باعتباره ديناً جاء ليطبق في ربوع الأرض والدنيا. نريد ونأمل من الله عز وجل أن يشع الإسلام من تونس من جديد، كما كانت في الماضي قاعدة لنشر الإسلام إلى أفريقيا وقلب أوروبا".

وإثر وصول حركة النهضة إلى السلطة أواخر العام 2011، بدأت بمنح تراخيص العمل القانوني للأحزاب السلفية الوليدة.

وفي العام 2012 تأسس حزب جبهة الإصلاح، وهو امتداد للجبهة الإسلامية التونسية ويترأسه محمد خوجة، ويقدم نفسه بأنه "حزب سياسي أساسه الإسلام ومرجعه في الإصلاح القرآن والسنة بفهم سلف الأمة". ويضع الحزب مسألة "تطبيق الشريعة" على رأس أولوياته، كما يرفض العديد من الفصول في "مجلة الأحوال الشخصية" التي أقرّها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال، ومنحت المرأة حقوقاً واسعة. إلى جبهة الإصلاح، يوجد حزبان سلفيان هما حزب الرحمة الذي حصل على رخصة العمل القانوني في يوليو 2012 ويترأسه الشيخ سعيد الجزيري، ويعرّف نفسه بأنه "حزب سياسي وطني إسلامي أساسه الرحمة والمودة والعدل والمساواة بين جميع أفراد الشعب"، ويشير إلى أن الحزب "مبني أساساً على شريعة الله ورسوله"، وحزب الأصالة الذي حصل على رخصة العمل القانوني في مارس 2012 ويترأسه الشيخ مولدي علي المجاهد، ويقدم نفسه كـ"حزب سياسي، مرجعه إسلامي، خطابه إسلامي ومشروعه إسلامي لا يتنافى مع المدنية".

فشل التجربة وطوباوية البرنامج

شاركت الأحزاب السلفية في المحطة الانتخابية الأخيرة التي جرت في البلاد خريف العام الماضي. وتقدّم حزب جبهة الإصلاح بمرشحين في 23 دائرة انتخابية ضمن لوائح تحمل شعار "الشعب يريد"، في إطار ائتلاف مع حزب الاستقلال الوطني. والعمل الائتلافي مع أحزاب من مرجعيات أخرى يعتبر في ذاته تطوراً جذرياً في تفكير الحزب. في المقابل، لم يتمكّن حزب الأصالة من تشكيل أكثر من 4 لوائح في مناطق قابس ومدنين وتطاوين، وهي مدن تقع في الجنوب الذي يعتبر خزاناً انتخابياً تقليدياً للتيار الإسلامي في البلاد.

أما في الانتخابات الرئاسية، فقد فضّلت الأحزاب السلفية دعم الرئيس منصف المرزوقي الذي حظي بدعم واسع من التيار الإسلامي بما في ذلك أنصار حركة النهضة الإخوانية. وقد بررت جبهة الإصلاح السلفية موقفها الداعم للمرزوقي بأنها ترى فيه "توافقاً مع الهوية العربية الإسلامية لتونس".

كانت النتائج مخيبة للآمال، فلم تجنِ الأحزاب السلفية مجتمعة أي مقعد في مجلس النواب، علماً أنها راهنت في سباق الرئاسة على الجواد الخاسر. بل إن الانتخابات كشفت حجمها الحقيقي في الشارع التونسي. فقد حصدت حركة النهضة كل المقاعد في معاقل التيار الإسلامي جنوباً وتمكنت حركة نداء تونس من كسب مقاعد الشمال والعاصمة والساحل فيما نجح اليسار في معاقله التقليدية في الشمال الغربي والعاصمة. وأظهرت النتائج أن الحركة السلفية الوليدة هي رأس بلا جسد، فلا ظهير جماهيري لها ولا سند شعبي يرفدها.

تعود هذه النتائج السلبية إلى العديد من العوامل الذاتية التي تشمل برامج هذه الأحزاب وبنيتها الفكرية وضعف تجذرها في البيئة التونسية المعروف عنها الانفتاح، وسيرها ضد حركة تطور المجتمع، خاصة في قضية الأحوال الشخصية والمرأة. هذا إضافة إلى عوامل موضوعية أهمها سيطرة حركة النهضة ذات المرجعية الإخوانية على التيار الإسلامي وخزانه الانتخابي، لأسباب عدّة منها السبق التاريخي واكتساب الحاضنة الشعبية.

وكذلك، تفتقر هذه الأحزاب إلى برنامج عمل واضح. فأغلب نشراتها خاوية فكرياً وسياسياً، ولا تقدم للمواطن آليات واضحة للتغيير بل تكتفي بشعارات عامة كـ"إعادة الهوية العربية الإسلامية" و"مكافحة الفساد"، كما تخلط بين الشأن الدعوي والشأن السياسي. ويغلب على الأحزاب السلفية واقع التشرذم في أحزاب صغيرة لا تقوى حتى على تقديم لوائح كاملة العدد في الانتخابات التشريعية أو البلدية، وتفتقر أيضاً إلى جهاز تنظيمي محترف وهيكلة عامة ممتدة في البلاد، نظراً لحداثة عهدها بالسياسة، على خلاف حركة النهضة التي استفادت كثيراً من صلابة جهازها الحزبي المنتشر في كل المدن والقرى. كذلك ينقصها الرافد الدعوي، الذي تميزت به التجربة المصرية مجسدةً بحزب النور الذي استفاد إلى أبعد الحدود من الشيوخ السلفيين على القنوات الدينية في الترويج لأفكاره وبرنامجه.

أما في تونس، فأغلب الشيوخ والدعاة، ومن بينهم السلفيون، هم من أنصار حركة النهضة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image