"قلت له: لو سألك سائل: ما مذهبك؟ ماذا تقول؟ قال: مسلم! قلت: هذا حيدة عن الجواب. لو سألك ما دينك تقول: أنا مسلم. سأقول لك: اسأل الإباضي واسأل الخارجي والمرجئي والمعتزلي والشيعي والرافضي ما مذهبك؟ فيستعمل التقية معك كما أنت فعلت معي. يقول لك: أنا مسلم. قال: أنا مسلم على الكتاب والسنة. قلتُ: لو سألنا أولئك الذين لم ترض جوابهم الذي كان جوابك فلا يقولون لك أيضاً كما قلتَ أنت في المرة الثانية: على الكتاب والسنة؟! قال: إذن لا بد من القول: على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح. قلتُ: حسناً الآن اتفقنا من حيث المنه. لكن ألا تعبر جملة "أنا سلفي" عن هذه العبارة الطويلة؟ فأَقَرَّ بهذا الجواب".
يروي الشيخ ناصر الدين الألباني هذه "المناقشة الطريفة" التي دارت بينه وبين أحدهم لطلابه لتأكيد أهمية تعبير "السلفية" ودلالاته. بخلاف الألباني، يقبل بعض السلفيين تسميتهم بـ"أهل السنّة والجماعة" ولكنهم يعتبرون أنفسهم الممثل الوحيد لهؤلاء.
العقيدة السلفية
يرفض السلفيون منهج القياس الذي سار عليه فقهاء التقليد، ويقولون بضرورة استنباط الأحكام مباشرة من القرآن والسنّة ومن سيرة السلف الصالح. لا يعير السلفيون أهمية كبيرة لمفهوم الإجماع مقتدين بالإمام أحمد بن حنبل الذي اعتبر أن الإجماع هو وهم. كما أنّ بعضهم لا يعترف بإجماع الأمة لأنهم يعتبرون أن مسلمي اليوم ضلّوا عن الصراط المستقيم.
السلف الصالح وممارساتهم وأقوالهم هي القدوة التي يقتدي بها السلفيون، ومن هنا تسمية السلفية، فالسلف هو ما سبق وتقدّم في الزمان. "لا يجوز أن يكون الخالفون أعلم من السابقين، كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدّر قدر السلف"، يقول الشيخ تقي الدين إبن تيمية في كتابه "الفتوى الحمويّة الكبرى". يعتبر السلفيون أن جيل الصحابة هو "الجيل المثالي" لأنه الجيل الذي ربّاه النبيّ وقال عنه: "كنتم خير أمّة أخرجت للناس". أما السلف الصالح فهم أهل القرون الهجرية الثلاثة الأولى من صحابة وتابعين وتابعي التابعين. كثيراً ما يرددون قولاً منسوباً إلى النبي: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ويستشهدون بالآية 100 من سورة التوبة: {والسّابِقون الأَوّلون من المهاجرين والأَنصار والّذين اتّبعوهم بِإِحسان رّضي الله عنهم ورضوا عنه}.لا يتحدث شيوخ السلفية عن تبنّيهم منهجاً في فهم الإسلام يختلف عن مناهج إسلامية أخرى بل يتحدثون عن المنهج. الخلاف ليس موضع ترحيب في أوساط معظمهم. تراهم يقولون: "الدعوة السلفية هي الإسلام كما أنزله الله في كتابه وعلى سنة نبيّه"، أو يقولون: "ليس هناك أمام المسلم خيار بين أن يكون سلفياً أو لا يكون، بل يجب أن يكون سلفياً، لأن السلفية تعني الإسلام الصحيح... نحن نرى أن كل خروج عن مفهوم السلفية بمعنى مفهومها هو خروج عن شيء من الإسلام الصحيح". البعض الآخر متسامح مع الاختلاف ولكن ضمن المنهج السلفي في فهم الإسلام ويقبل بالاختلاف على فروع العقيدة.
ليس كل قول لأحد الصحابة يصير قولاً غير قابل للنقاش. بعض الصحابة اختلف مع بعضهم الآخر على مسائل فقهية وعلى أمور أخرى. الرسول هو الوحيد الذي يأخذون أقواله دون أي نقاش. ما يجب اتّباعه هو الاجماعات المنضبطة عند الصحابة وعند التابعين وعند الأئمة. برأيهم لا يحق لأحد أن يخرج عن هذه الإجماعات.
يواجه السلفيون مشكلة كبيرة في تكييف الدين مع تطور الحياة. ينطلقون من قول منسوب للرسول: "لا تزال طائفة من أمَتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" ليرفضوا جواز إحداث قول ثالث في مسألة مختلف فيها على قولين، لأن ذلك سيكون إقراراً بخطأ كِلَي القولين، ما يعني أن كل المسلمين أخطأوا وهذا يتناقض مع كلام النبي. برأيهم، لا بد، في كل زمان، من وجود طائفة تحافظ على الحق في الأرض.
"رموز" السلفيين
لا يقتدي السلفيون بأقوال إمام واحد من أئمة المسلمين ولذلك يصعب الحديث عن رمز لهم بالمعنى الحرفي. فحتى الإمام أحمد بن حنبل الذي ينسب البعض السلفيين إليه لا تُتبع آراؤه بكاملها. المسألة لديهم هي مسألة اتباع "الإجماعات المنضبطة" للأئمة.
أهم "رموز" السلفيين في العصر الحديث هو بلا ريب الإمام محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) . دعا مؤسس ما يسميه البعض بـ"الحركة الوهابية" إلى عدم الأخذ بآراء إمام واحد ورفض حصر الاجتهاد بالأئمة الأربعة، واعتبر ذلك بدعة مفضلاً استباط الأحكام مباشرة من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح.كذلك ركّز في دعوته على تفعيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق حدود الشريعة ومحاربة التبرّك بالأولياء والصالحين (من هنا جاءت حملته لهدم الأضرحة وتسويتها بالأرض).
انطلق ابن عبد الوهاب بدعوته من منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية. "أهل نجد كانوا قبل هذه الدعوة قد بعدوا كل البعد عن تعاليم الدين والإسلام وتردوا في هاوية سحيقة من الشرك والضلال فعادوا إلى ما كان عليه مشركو الجاهلية الأولى"، يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ. بهدف إنجاح دعوته، أقام تحالفاً سياسياً ـ دينياً مع أمير نجد محمد بن سعود فتوسعا معاً بعد قيامهم بغزوات كثيرة إلى أن أرسل محمد علي باشا ابنه ابراهيم للقضاء على "دولتهم".
في بدايات القرن الماضي عادت الحركة إلى البروز بعد تأسيس عبد العزيز بن سعود المملكة العربية السعودية. ابن عبد الوهاب كان متأثراً بكتابات الشيخين تقي الدين بن تيمية وإبن قيّم الجوزية. أولهما كان متأثراً بمنهج الإمام أحمد بن حنبل ولكنه خالفه في بعض المسائل وهكذا كان حال بن عبد الوهاب. هذه الأسماء التاريخية الثلاثة لا تزال تلهم كل السلفيين في فهمهم للإسلام رغم أن معظمهم يرفض الاعتراف باقتدائه بشخص محدّد انطلاقاً من رفض التحزّب. هذا لا ينفي واقع أن بعض السلفيين لا يعرف سوى استلال قول من كتاب لابن تيمية كتبه قبل سبعة قرون وإلقائه في وجه المجتمع الحديث مطالباً بتطبيقه!
يقول عصام البشير، الأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري في السودان: "المشكلة أننا لا نتأسى بابن تيمية وابن القيم في منهجهما وإنما نتأسى بهما في جزئيات أقوالهما أي أننا نريد أن نثير القضايا التي أثارها الشيخان وقد لا يكون لهما مقتضى في عصرنا وهذه هي مشكلتنا بين السلفية الحزبية وبين سلفية المنهج، إن الاقتداء بابن تيمية يكون بتصدينا لقضايا عصرنا كما تصدى ابن تيمية لقضايا عصره لا بأن نردد ذات الأقوال". في القرن الماضي أنبتت الساحة السلفية علماء كثيرين ينهل السلفيون من كتاباتهم من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين والعلامة ناصر الدين الألباني دون أن ننسى تلميذ الشيخ محمد عبده الشيخ محمد رشيد رضا الذي ترك منهج الإصلاح وتبنّى الفهم السلفي للشريعة.
فوبيا البدع
يعاني السلفيون ممّا يمكن تسميته بفوبيا البدع. حين أسس دعوته كان الهم الرئيسي لمحمد بن عبد الوهاب محاربة البدع، والبدعة هي كل ممارسة إسلامية لم يكن يمارسها السلف الصالح! من البدع التي يحاربها السلفيون مصافحة الرجال للنساء، الاستماع الى الموسيقى، دخول المرأة الى مجلس النواب، معايدة المسيحيين أو اليهود بأعيادهم...
في كتابه "المنهج القويم في اختصار الصّراط المستقيم" يعتبر ابن تيمية أن "الجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين، وفي كثير من الأشخاص المسلمين". على سبيل المثال، يرفض ممارسات الشيعة في عاشوراء. يقول: "قد يفعل (البعض) ما هو معظم في الشريعة من الأوقات الفاضلة ما يعتقد أنه فضيلة، فيصير منكراً، مثل ما أحدثه بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من المحدثات من اتخاذه مأتماً فهو من دين الجاهلية ليس من دين المسلمين".
لم يستطع السلفيون هضم المسلمين الصوفيين والعكس صحيح. أسوأ ما في الأمر أن كبار مشايخ السلفية لا يفهمون معظم كتابات الصوفيين فيقومون بمهاجمة كل صوفي! "التصوف كان باباً دخل منه أكثر البدع شراً في الإسلام... كل أعداء الإسلام دخلوا إلى الإسلام عن طريق التصوف"، يقول أحد الدعاة السلفيين رغم أن إبن تيمية مثلاً امتدح عدداً من كبار الصوفيين. كذلك الأمر مع الشيعة. فعدا عن استنكار السلفيين كثيراً من معتقدات وممارسات الشيعة فإن الذاكرة الشيعية تحفظ غزوة محمد بن عبد الوهاب لمدينة كربلاء أواخر القرن الثامن عشر. "قتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما في القبة وما حولها، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر، وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة"، يروي المؤرخ ابن بشر في كتابه "المجد في تاريخ نجد".
حين أطلق محمد بن عبد الوهاب دعوته، انتقده بشدة أخوه سليمان وألف كتاباً نقدياً لأفكاره نشر في ما بعد تحت عناوين مختلفة منها "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية" و"الردّ على منْ كفّر المسلمين بسبب النذر لغير الله والاستغاثة بغيره ونحو ذلك". الكتب التي تنتقد الدعوة السلفية أكثر من أن تُحصى وكثير منها ألفه علماء سنّة كبار.
السلفيون والسياسة
يعتبر بعض الدارسين أن السلفية هي دعوة تجديدية للإسلام تشبه الدعوة البروتستانتية في المسيحية. فاستنباط الأحكام مباشرة من الكتاب والسنّة يلغي دور الوسيط بين المؤمن ودينه. ولكن، رغم أن السلفية ألغت عادة التقليد إلا أنها أفرزت مجموعة كبيرة من المشايخ الذين يعملون على جذب مقلدين لهم!
يقول أحد الدعاة: "السلف عاشوا قضايا عصرهم ولذلك حينما نعيش قضايا عصرنا ونقدم أجوبة وحلولاً لمشكلات هذا الزمن فنحن ننتمي إلى سلفنا الصالح وحينما نستعيد معارك التاريخ... لا تحديات الزمن ولا نقدم حلولاً لهذا العصر فبهذا المعنى لا نكون قد انتسبنا إلى السلف، فالسلفية والتجديد صنوان يكمل بعضهما بعضا".ولكن في حقيقة الأمر، لم يبرز أي داعية سلفي (حتى صاحب القول السابق) يعمل على تكييف الشريعة مع الحياة الحديثة. بالعكس معظم السلفيين يكفرون من يبادرون إلى لعب هذا الدور. لم يستطع السلفيون التكيّف مع ميكانيزمات ممارسة السياسة في العصر الحديث. يرفضون الديمقراطية لسبب عقيدي: لا يمكن الدعوة إلى الديمقراطية وما يترتّب عنها من قدرة الشعب على اختيار النظام القانوني الذي يناسبه.
برأيهم، الحاكم الذي يعتقد بذلك هو كافر لأنه لا يمكن استشارة البشر بشرع الله. يستشهدون بالآية: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (الأحزاب:36). لا يقبل السلفيون بمساواة المسلمين بغير المسلمين تحت عنوان المواطنة. فرفض أحكام أهل الذمة هو رفض لشرع الله. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والأفتاء (1/541): "أما من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر". بالنسبة للانتخابات، يختلف موقف السلفيين. الشيخان إبن باز وإبن عثيمين وغيرهم قالوا بضرورة المشاركة في الانتخابات إن كانت العملية صادقة وشفافة. مشايخ آخرون يرفضون كل ما له علاقة بالديمقراطية لأن الإسلام لا ينفصل عن السياسة وحدّد شكل العمل السياسي. يذكرون آية {مّا فرّطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام:36). هناك أمور كثيرة يجمع السلفيون على رفضها من مثل ولاية المرأة وولاية المسيحي وكل ما يشتمّون فيه رائحة "التعامل الربوي". في الانتخابات المصرية الماضية ضمّت قوائم السلفيين نساءً ولكن هذا فقط لأن القانون المصري يفرض ذلك ولم تضمّ أيّ قبطي.
في الفَرْض، وجدوا تبريراً لهم هم الذين يقبلون بالانتخابات مستندين إلى "فقه الفرصة". مشهد النائب المصري الذي وقف فجأة، في إحدى الجلسات، ورفع الآذان يؤكد أن بعضهم لا يقيم لشكل المؤسسات الحديثة وزناً ولا يقبل الإقرار بوظائفها. موضوع معاهدة السلام مع اسرائيل يقرأونها كعهد قام بين المسلمين والكفار.
يرفض السلفيون اللجوء الى وسائل تحقق غايات الشريعة إن كانت متيسّرة في عهد الرسول ولم يعتمدها مستندين في ذلك إلى فتاوى إبن تيمية. "في أخذنا إياها استدراكاً على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم القائل: ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به"، يقول الشيخ الألباني.
الغاية الشرعية لا يجب تحقيقها إلا بالوسائل الشرعية. فمثلاً يرفضون فرض الضرائب إلا في حالات استثنائية كضرورة تمويل صد عدوان لأن خزينة الدولة يجب أن تُملأ بأموال الزكاة. هذه هي السمات العامة للسلفيين.
في الواقع، الأمر أعقد من ذلك إذ هناك سلفيات لا سلفية واحدة. هنالك سلفيات جهادية (سنخصص لها مقالة منفصلة) وسلفيات إحيائية اجتهادية وسلفيات علمية... ادعاء السلفية أن طريقهم واضح تناقضه حقيقة تعدد السلفيات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com