تعود علاقة المرأة التونسية بالتنظيمات القتالية الإرهابية إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي. في تلك الحقبة عمد جهاديون تونسيون إلى اصطحاب زوجاتهم إلى أفغانستان للانضمام إلى صفوف تنظيم القاعدة ضد قوات الاتحاد السوفياتي. وأسسوا فيما بعد "الجماعة التونسية المقاتلة". وبسبب تشديد الأنظمة التي سبقت الثورة على التكتم على هذه الجماعات، والتعامل معها بكل سرية، لم تخرج الجماعات إلى العلن سوى بُعيد "ثورة الياسمين" في تونس، التي أطاحت نظام بن علي المعروف بـ"النظام البوليسي".
ولكن بعد الثورة، برزت مظاهر جديدة على المجتمع التونسي، وراحت مجموعات سلفية تنادي بفرض النقاب على التونسيات، وضرورة التخلص من القوانين التي تتضمنها مجلة الأحوال الشخصية بدعوى مخالفتها للشريعة الإسلامية. آلاف التونسيات تبنّين أفكار أزواجهن وأقاربهن، فارتدين النقاب وشرعن في تنظيم حلقات دعوية بهدف تعميم الأفكار المتشددة، هذا العمل على أسلمة المجتمع التونسي تحول من مجرد دعوات في المساجد والمسيرات المنظمة لتطبيق الشريعة الإسلامية، إلى عمليات منظمة وممنهجة للانخراط في جماعات جهادية عالمية، من خلال المشاركة في العمليات الإرهابية داخل تونس وخارجها.مقالات أخرى:
أنشأت حساباً وهمياً على سكايب لتتواصل مع جهادي، إليكم النتيجة
إلا أن ناقوس الخطر لم يدق فعلياً في تونس، سوى إثر تأكيد وزارة الداخلية لجدية هذه المسألة وتعدد وسائل انتشارها. وقد أعلنت السلطات الأمنية التونسية عام 2014 ثبوت تولّي تونسيات مناصب قيادية في تنظيمات إرهابية تنشط في سرية عبر المواقع الاجتماعية لجذب الشبان التونسيين للجهاد. وقد أتت هذه التصريحات عقب نجاح الأمنيين في كشف الجناح الإعلامي لتنظيمين معروفين في تونس، هما "أنصار الشريعة" الذي يترأسه الإرهابي التونسي المعروف بأبي عياض، و"كتيبة عقبة ابن نافع"، إذ تأكد أن رئيسة الجناح الإعلامي هي فتاة في العشرين من العمر، تدعى فاطمة الزواغي وتدرس في كلية الطب. وفي اعترافاتها، أكدت فاطمة أن دورها تمثل في تأمين التواصل بين التنظيمين عبر شبكة الانترنت، واستقطاب الشبان عبر مواقع فايسبوك وسكايب، وقد نجحت في حمل عدد منهم على الانتماء إلى هذين التنظيمين، والتحول إلى جبل الشعانبي للمشاركة في العمليات الإرهابية ضد الجيش التونسي. فاطمة اعترفت أيضاً أنها "اتجهت نحو العمل ضمن التنظيمات الإرهابية إثر متابعتها المستمرة لشيوخ الدعوة على الفضائيات، الذين أقنعوها بارتداء النقاب، كما اقتنعت بضرورة الجهاد في سبيل تطبيق الشريعة الإسلامية، عبر دعوات السلفيين على المواقع الاجتماعية".
ولرصد مشاركة تونسيات في العمليات الميدانية اتصل رصيف22 بالناطق الرسمي لوزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي، الذي ذكّر بـ"تورط فاطمة الزواغي في تجنيد إحدى المتورطات في ما يعرف بعملية منطقة وادي الليل في تونس، والتي شهدت مشاركة خمس تونسيات في المواجهات المسلحة ضد أمنين، وانتهت بمقتل أربع منهن، ويعتبر الرابط المشترك بينهن، تميز غالبيتهن بشكل لافت في الدراسة، وانتماء بعضهن إلى عائلات ميسورة". والفتيات هن أسماء البخاري، أمينة العامري، إيمان العامري، هند السعيدي، وبية بن رجب. كذلك أكد العروي تورط فتاة في الخامسة عشرة من عمرها تدعى مروى، في الحادثة الإرهابية الشهيرة التي وقعت في المتحف الأثري في "باردو"، والتي راح ضحيتها عشرات السياح. وتبين أن مروى، التي تربطها علاقة بالإرهابي ياسين العبيدي، كانت على علم بالإعداد لهذه العملية الإرهابية قبل حدوثها، بحسب العروي.
الفقر المادي والعاطفي أول الطريق نحو جهاد النكاح
برغم إنكار حكومة الترويكا التي ضمت حركة النهضة وحلفاءها سابقاً لشبهة "جهاد النكاح"، التي لاحقت تونسيات التحقن بالجهاد في سورية، فإن السلطات التونسية عادت لتؤكد هذه المسألة. إذ لفت وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو، في أواخر عام 2014 إلى أن "عدداً من التونسيات اللواتي سافرن إلى سورية، عدن وهن حوامل نتيجة العلاقات الجنسية التي ربطتهن بمجاهدين هناك". وقال إن "عدداً من الفتيات اعترفن بتناوب نحو مئة من الإرهابيين على بعضهن جنسياً”. كذلك أكدت رئيسة المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل بدرة قعلول لـرصيف22 أن "عدد الإرهابيات التونسيات يراوح بين 500 و700 امرأة داخل تونس وخارجها". وأشارت إلى أن "دراسات المركز أثبتت أن الفقر والأمية والعلاقات العاطفية لقاصرات على المواقع الاجتماعية مع مجهولين، هي من أهم أسباب استقطاب الإرهاب للتونسيات، بالإضافة إلى تأثير الإرهابيين على زوجاتهم وصديقاتهم، وحتى أخواتهم وجرهن معهم إلى القتال".
إرهابيات داخل تونس وخارجها
وفّرت التونسيات الخدمات العادية والجنسية لإرهابيين خارج البلاد وداخلها، إذ قبضت القوات الأمنية والعسكرية على امرأة ساعدت الإرهابيين في جبال الشعانبي في محافظة القصرين عبر توفير الطعام والمعلومات الأمنية لهم، إضافة إلى قيام بعض السيدات بفتح منازلهن للإرهابيين الفارين من الجبال. وأفادت تقارير أمنية بتوقيف مسنة (65 سنة) اعترفت بتوفيرها المأكولات الجاهزة والخدمات لعناصر إرهابية في جبال منطقة "ورغة" مقابل مبالغ مالية.
كذلك كشفت ملفات قضائية قيام عدد من الفتيات بالذهاب إلى معاقل الإرهابيين في جبال الشعانبي، والإقامة فيها بضعة أسابيع لتدبير الشؤون المنزلية العادية. وقد أكدت بعضهن خلال التحقيق ارتباطهن بزواج عرفي مع بعض الإرهابيين. وقد أدينت أخيراً فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من العمر بتهمة الإرهاب ليتبين أنها حامل بعد زواجها عرفياً من أحد الشبان الإرهابيين في جبل الشعانبي.
قصص جهاد النكاح التونسية تلخصها المأساة التي عاشتها إيناس (15 سنة)، وقد قادتها قصة عاطفية فاشلة إلى علاقة مع أحد الشبان المرابطين في المساجد ووعدها هذا بالزواج، غير أنه نجح بعد ذلك في تسفيرها إلى سورية حيث سلّمها، بحسب تصريحاتها للجهات الأمنية، إلى أحد الشيوخ المكلف هناك بتنظيم عمليات "جهاد النكاح". إيناس ذكرت أنه جامعها نحو مئة إرهابي حتى أُصيبت بتمزق في الرحم، وهذا ما دفعها إلى الهرب والعودة إلى تونس، إلا أن عائلتها رفضت استقبالها، فاضطرت إلى المبيت في الشارع حتى تنبّهت منظمات نسائية إلى حالتها، فسعت إلى عرضها على طبيب نفسي أكد إصابتها بـ"حالة من الهلع الهستيري نتيجة ما حدث لها من استغلال جنسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...