شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بعد أكثر من 100 عام... قيود وعراقيل تهدد مؤسسات المجتمع المدني في البحرين

بعد أكثر من 100 عام... قيود وعراقيل تهدد مؤسسات المجتمع المدني في البحرين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 14 مارس 201911:55 ص

في سنة 1964، قدّمت جمعية نهضة فتاة البحرين، وهي جمعية نسائية بحرينية، الدعم لجمعية المساعدات الاجتماعية في طرابلس بلبنان، وفي سنة 1965، نظمت الجمعية نفسها حفلة خُصص ريعها لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وعلى إثر نكسة يونيو 1967، شاركت الجمعية في جمع الملابس والأدوية لصالح اللاجئين وفتحت مقرها لجمع التبرعات، وفي 1969 سافرت عضوات من الجمعية إلى غور الأردن لمقابلة قادة فتح وسلمنهم تبرعًا بقيمة 8506 دولارات أميركية.

بعد مرور أكثر من ستة عقود، لم يعد بمقدور الجمعية التي تأسست في 1955 أن تقوم بمثل هذا العمل الإنساني، الذي تجاوز حدودها الجغرافية حيذاك برغم صعوبة التواصل والتشبيك مع مؤسسات المجتمع المدني الإقليمي والعالمي، ويمنعها عن فعل ذلك الآن وجود الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون المنظم للجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة التي تمنع الجمعيات من إرسال أموال لأشخاص أو منظمات في الخارج دون إذن الجهة الإدارية المختصة.

هذه المادة، بالإضافة إلى مواد عديدة في هذا القانون الصادر في 1989، والمختصة بتنظيم أنشطة التمويل والانتماء والتواصل والتشبيك المحلي والخارجي، وما صدر بعدها من تعديلات ثلاثة، يعتبرها العاملون في مؤسسات المجتمع المدني مقيّدة لعملهم، وأنها قد سببت تراجعاً في دور هذه المؤسسات التي أنبتها المجتمع البحريني باكراً في القرن الماضي، مقارنة بدول المنطقة المحيطة، بسبب وعي المجتمع وتشكل طبقة من المتعلمين والمثقفين التي وجدت في مختلف التجمعات المدنية قنواتها للوصول للمجتمع والعمل على تنميته جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الرسمية.

التبشيريون أشعلوا المنافسة

يعود تاريخ مؤسسات المجتمع المدني في البحرين إلى تأسيس أول نادٍ في 1913، بحسب تقرير لرائد علم المكتبات في البحرين د. منصور سرحان، وذلك عندما قررت مجموعة من شباب المنامة (العاصمة) تأسيس مكتبة عامة تكون بديلاً لمكتبة الإرسالية التبشيرية التابعة للإرسالية الأمريكية، وبعد أن زاد عدد أعضاء المكتبة تمَّ تحويلها إلى نادٍ أُطلق عليه "نادي إقبال أوال"، إلا أن هذا النادي لم يصمد إذ حورب من قبل المتدينين ذلك الوقت، فأغلق في السنة نفسها، وبعد سبع سنوات تأسس النادي الأدبي في 1920، ونشط بمشاركة عدد من المثقفين العرب الموجودين في البحرين في ذلك الوقت، وكانت إحدى أهم مشاركاته الخارجية في المهرجان الأدبي الذي أقيم في 1927 بمناسبة مبايعة أحمد شوقي أميرًا للشعراء.

أما بالنسبة للنساء والعمل الأهلي، فكان "نادي السيدات" هو أول كيان نسائي بحريني تأسس في 1953 ونُشر خبر اجتماع عضواته في الجريدة الرسمية، إلا أنه لم يصمد كثيرًا أمام المقاومة المجتمعية لبروز المرأة، كما أن رغبة المرأة في البحرين ومحاولاتها في العمل الأهلي تواصلت يدعمها انتشار التعليم بين شرائح كبيرة من النساء، ودخول المرأة سوق العمل مما مكّن المرأة وخلق شعور من الاستقلالية. وقد أثمر ذلك إنشاء أهم وأكبر ثلاث جمعيات نسائية في البحرين، أولاها جمعية نسائية وهي نهضة فتاة البحرين التي تأسست في سنة 1955 وكان تركيزها على الأعمال الخيرية للمجتمع وتقديم العون للمحتاجين في الداخل والخارج وكانت الجمعية أول من نفّذ مشروع مكافحة الأمية بإقامة فصول دراسية لهذا الغرض. بعدها تأسست جمعية رعاية الطفل والأمومة في 1960 واهتمت بشكل خاص بتطوير وتوعية الأسرة، وكانت أوّل من أنشأ روضة للأطفال دعماً للأمهات العاملات. وفي العام 1970 تأسست جمعية أوال وهي الأولى في جزيرة المحرق، ثاني أكبر جزر البحرين. وشكلت جمعية أوال نقلة نوعية في مسيرة الحركة النسائية إذ أولت اهتماماً خاصاً لحقوق المرأة وقضاياها وفي 1973 بادرت بدعم حق المرأة في المشاركة السياسية في أول انتخابات نيابية تجرى في البحرين وتتابع فيما بعد انشاء الجمعيات النسائية في مختلف مناطق البحرين، وظلت هذه الجمعيات تعمل منفردة حتى ضمّها الاتحاد النسائي تحت مظلته عندما تأسس في 2006. وتتابع بعد ذلك تأسيس الأندية الثقافية والرياضية والإسلامية التي دعت الحكومة لإصدار قانون ينظمها بعد 76 عاماً من أول ظهور لها.

مد وجزر العلاقة مع الحكومة

وأضيف لمؤسسات المجتمع المدني نشاطٌ جديد هو العمل السياسي الذي غادر من التنظيمات السرية إلى النور في ظل الانفتاح والإصلاح السياسي والاقتصادي الذي شهدته مملكة البحرين مع مطلع الألفية الجديدة، فصدر قانون الجمعيات السياسية في 2005 ونشأت بموجبه تسع جمعيات سياسية متنوعة الاتجاه من بينها الدينية والليبرالية ذات الطابع المعارض في حين بعضها قريب من الحكومة (الغونغو)، كما تأسست ستة مراكز ذات شأن سياسي من بينها جمعيات حقوقية وجمعية الشفافية. وفي حين تنظم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الجمعيات والأندية والمؤسسات التي يغطيها قانون الجمعيات لسنة 1989، ووُضعت الجمعيات السياسية تحت تنظيم وزارة العدل.

وبعد مرور نحو عقد على نشأتها، اتخذ عدد من الجمعيات السياسية الفاعلة قراراً بمقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية لعام 2014 بناء على مجريات الأوضاع حينئذ، فساءت علاقاتها مع الحكومة التي وجهت تهماً بتهديد السلم الداخلي لاثنتين من أكبر الجمعيات السياسية هما جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ذات الطابع الشيعي (الوفاق) التي تعتبر أكبر الجمعيات السياسية عدداً وتأثيراً على الشارع الشيعي، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) التي أخذت الطابع العلماني الليبرالي. ففي العام 2016، صدر حكم بغلق مقار جمعية (الوفاق) وتعليق أنشطتها، والتحفّظ على أموالها، وتعيين مكتب الجمعيّات السياسيّة بوزارة العدل حارسًا قضائيًّا عليها، وتم تأييد الحكم في درجات التقاضي التالية حتى قضت محكمة التمييز بالحل النهائي للجمعية في فبراير 2018. بناء على اتهام وجهته وزارة العدل للجمعية بالقيام  بممارسات استهدفت مبدأ احترام حكم القانون وأسس المواطنة المبنية على التعايش والتسامح واحترام الآخر، وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف، فضلاً عن استدعاء التدخلات الخارجية في الشأن الوطني، وفي أثناء التقاضي مع (الوفاق) أظهرت (وعد) تعاطفاً مع جمعية (الوفاق) ، مما حدا وزير العدل على التقدم بدعوى أمام المحكمة  يتهمها فيها بالقيام بمخالفات جسيمة بتأييدها الجمعية التي أدينت في قضايا التحريض على العنف وممارسته، وتستهدف احترام القانون ودعم الإرهاب وتغطية العنف وتمجيد محكومين في قضايا تفجير وإرهاب. فصدر حكم بحل جمعية (وعد) وتصفية أموالها للدولة في مايو 2017. وبذلك غابت أثنتان من أكثر الجمعيات السياسية فعالية في الساحة ومن قبلهما تم حل جمعية العمل الإسلامي الشيعية في 2012 بناء على دعوى اتهمتها فيها وزارة العدل بالقيام بمخالفات إدارية ومالية.

رغم عمر العمل المدني الذي جاوز المئة عام في البحرين إلا أنه مهدد الآن بالاضمحلال.. والسبب؟
في سنة 1964، قدّمت جمعية نهضة فتاة البحرين الدعم لجمعية المساعدات الاجتماعية في طرابلس بلبنان، وفي سنة 1965، نظمت حفلة خُصص ريعها لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني..ولكنها تعجز اليوم نظراً لوجود الفقرة الثانية من المادة (20)

تضخم مدني هش

وشهدت البحرين نموًا كبيرًا بلغ أكثر من 800% في عدد مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وأندية خلال الربع قرن الماضي إذ ارتفع عددها من 66 جمعية في 1992 إلى 617 في 2018 إلا أن هذا العدد الكبير لا يعكس نموًا حقيقيًا في الدور الذي تقوم به هذه الجمعيات في المجتمع وذلك لسببين رئيسيين: الأول بسبب عوائق كثيرة مردها قانون الجمعيات الحالي، والآخر هو الجمعيات نفسها لأن عددًا كبيرًا منها لا يمتلك الهيكل التنظيمي والمالي اللازم سواء لتنظيم شؤونها الداخلية أو للقيام بدورها في المجتمع، كما أن غالبية الجمعيات تفتقر لأهداف حقيقية طويلة المدى ومتماشية مع الأهداف التي تتأسس من أجل تحقيقها، والتي عُرّفت ضمن مبادئ اسطنبول التي تم التوافق عليها في 2012 كأدوات لرفع كفاءة مؤسسات المجتمع المدني وفعالياتها في تنمية المجتمع، والتي تتناول احترام حقوق الإنسان، والحث على المساواة، والتركيز على التمكين، وتعزيز الاستدامة البيئية مع الالتزام بتقاسم المعرفة وتحقيق التغيير الإيجابي المستدام في المجتمعات. وأنتج هذان السببان عاملاً سلبيًا جديدًا يُهدد مستقبل مؤسسات العمل المدني وهو تضاؤل جاذبية هذه المؤسسات للجيل الجديد، الضامن الوحيد لاستدامة ما استثمر من قبل الأجيال المؤسسة للعمل المؤسسي المدني.

وتعتبر الصعوبات المالية من أبرز التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني. وفي حين ترى مديرة إدارة دعم المنظمات الأهلية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، نجوى جناحي، أن العمل المدني في البحرين نشط وسريع الحراك مع وجود مساحة للمزيد من التدريب، وأن لدى الجمعيات قدرات على إدارة الأموال، موضحة أن مؤشر الملاءة المالية يدل على وجود 95 جمعية تتمتع بملاءة مالية تزيد عن 100 ألف دينار و106 جمعيات تراوح ملاءتها المالية ما بين 50 و100 ألف دينار بينما تقع 417 جمعية تحت الفئة الثالثة التي لا تزيد ملاءتها المالية عن 50 ألف دينار، بالإضافة إلى وجود الصندوق المالي الذي يمول مشاريع الجمعيات التي تتقدم بها للوزارة، إلا أن الناشط سيد شرف الموسوي يرى شحاً في تمويل هذه المؤسسات والجمعيات مما يعتبر من أشد المعوقات تأثيرًا على عملها. ويقول: "إن القانون يمنع الجمعيات من الحصول على الأموال أو المساعدات الخارجية التي تبذلها المنظمات الدولية من أجل تطوير مؤسسات المجتمع المدني"، واقترح عوضًا عن ذلك، أن يُخصص بندٌ في الميزانية العامة لتمويل مشاريع الجمعيات حتى تتمكن من تأدية دورها في خدمة وتنمية المجتمع. وتُرجع جناحي ذلك إلى ما يحدث من تدقيق على التمويل ومنع الحصول عليه من المنظمات الخارجية إلى انعكاسات الوضع الإقليمي، ويعتبر تمويل الإرهاب أكبر المخاوف، ولذا دعت السلطات النقدية إلى سن التشريعات للتدقيق في مسألة الأموال، مرجعةً ذلك إلى الرغبة في حماية هذه الجمعيات.

بالإضافة الى التمويل ترى الناشطة الحقوقية النسائية، نادية المسقطي، أن روح القانون بها الكثير من التقييد والوصاية على منظمات المجتمع المدني، وتقويض لاستقلالية عمل الجمعيات، وهو ما يتنافى مع ما تنص عليه المواثيق الدولية التي تؤكد حرية تشكيل الجمعيات واستقلالية عملها واعتبار عمل منظمات المجتمع المدني رافدًا أساسيًا لتحقيق التنمية في المجتمع، بالإضافة إلى أن لغة مواد القانون فضفاضة وتحتمل عدة تفاسير. واستعرضت المسقطي مواد القانون التي تدعم رأيها مشيرة إلى المادة 15 الخاصة بحق الوزارة في الاطلاع على سجلات ووثائق ومكاتبات الجمعيات، والمادة 21 المقيدة لجمع المال، وتقييد الجمعيات في الانضمام أو الاشتراك في أية جمعية أو هيئة أو نادٍ مقره خارج البحرين كما تنص المادة 20. بالإضافة إلى أن القانون أعطى الوزير المختص صلاحيات لدمج وحل الجمعيات بناء على معطيات يراها مبررة لهذا القرار.

بنود فضفاضة وعقوبات منفّرة

ومن أبرز البنود التي تسعى الجمعيات لرفعها من قانون الجمعيات هي المشتملة على عقوبات السجن والغرامة للمخالفين لبنود القانون وهي بنود تجعل من العمل التطوعي المجتمعي منطقة خطرة خصوصًا في ظل البنود الفضفاضة التي يُترك التقدير فيها للجهة الإدارية المنظمة وعلى رأسها الوزير.

وتضيف الناشطة المجتمعية هدى المحمود، وعضو لجنة مقترحات تعديل قانون الجمعيات لسنة 1989، سبباً غير مرئي وغير مفسر لمعاناة الجمعيات من الجهات المنظمة لعملها، وهو الريبة والشك في أعمال هذه المؤسسات من قِبل السلطات المنظِّمة بأن هذه الجمعيات قد تُستغلّ أو تستخدم كغطاءَ لأنشطة مختلفة عن الأنشطة التي تشكلت من أجلها. وتعبر المحمود عن استغرابها من ذلك، لأن وجود عدد كبير من الجمعيات في البحرين يقدر بجمعية لكل 2000 مواطن يجب أن يكون مدعاة للفخر ومؤشر إلى وعي المجتمع بأهمية إقامة مؤسساته للتنمية لا أن يتم التضييق على أعمال هذه الجمعيات. وهي ترى أن الحكومة من أبرز أصحاب المصلحة في استمرار عمل مؤسسات المجتمع المدني باعتبار هذه المؤسسات رافدًا أساسًا لبرامج الدولة، بل إن وزارة التنمية لديها شبكة من الخدمات الاجتماعية التي لا يمكنها أن تنفذها إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني، كما أن إعطاء هذه المنظمات الفرصة للعمل يحقق الترابط بين المؤسسات الرسمية والأهلية ويساهم في تفعيل قدرات المجتمع.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة دعت مؤسسات المجتمع المدني في 2007 لمراجعة القانون واقتراح تعديلات بما يتناسب مع التغييرات والالتزامات الدولية للبحرين. وبالفعل وضعت الجمعيات مقترحاتها، إلا أنها فوجئت بعد 5 سنوات بتقديم مشروع لقانون جديد لسنة 2013 للبرلمان، يخلو من جميع التعديلات التي اقترحت، بل جاء أكثر تقييدًا وتشديدًا من سابقه ليمنح الجهة المنظمة الحق في تفتيش مقار الجمعيات، كما شدد في مسألة استلام التبرعات الداخلية والخارجية، ومنع تمامًا الانضمام للمنظمات والشبكات الدولية المشروط سابقًا بموافقة الجهات المنظمة برغم أهميته للجمعيات، وقيّد الجمعيات بإجراءات إدارية مكلفة لوقت المتطوعين كعقد اجتماعات ربعية وتسليم الوزارة محاضر هذه الاجتماعات وتقديم تصاريح منفردة لكل فعالية على حدة وتحديد مدة سنة لفتح الحساب المصرفي وتكرار هذا الإجراء سنويًا، كما غلّظ عقوبات مخالفات القانون بالغرامة والسجن، فاشتمل المقترح على 12 بند مخالفة عقوبتها السجن. ويقول شرف الموسوي: "نجحت حملة الاستنكار والرفض التي قادها ناشطون في سحب المشروع من البرلمان. ولم يفتح حديث عن المشروع منذ ذلك الوقت، إلا أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أخذت تصدر تعميمات لقرارات وزارية متتابعة أصبح لها قوة القانون فباتت المعاملات مع الوزارة أكثر بيروقراطية مما صعّب من عمل المؤسسات المدنية أكثر من ذي قبل".

وقد أدى جمود الوضع بين مؤسسات العمل المدني والحكومة إلى نفور الناشطين من العمل مع هذه المؤسسات، فالقانون المنظم وضع قبل نحو ثلاثة عقود، وقد شهدت مجالات العمل التي تغطيها خدمات هذه الجمعيات تغييرات كثيرة لا بد أن يكون القانون مواكبًا لها. وفي حين بقي الأعضاء الأصليون في هذه المؤسسات المدنية يقاتلون لنفس المطالبات والموارد، فشلت معظم الجمعيات في جلب دماء جديدة وشابة للنقل التدريجي للخبرة والمسؤوليات، إذ من الصعب إقناع الجيل الجديد المنفتح من خلال وسائل الاتصال الحديثة على ازدهار الحريات في العالم وتطور العمل المدني بأن يجلس في مكان سابقيه ويقاتل من أجل المطالب نفسها التي كان هؤلاء السابقون يطالبون بها على مدى ثلاثين سنة. وأصبح من النادر وجود وجوه شبابية في مناسبات الجمعيات العريقة التي تأسست في منتصف القرن الماضي، وانصرف الشباب لتأسيس جمعيات خاصة بهم وقد بلغ عددها 21 جمعية ينظمها قانون الجمعيات وجمعية شبابية حقوقية واحدة تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية.

مخارج شبابية للعمل المجتمعي

وقد لا تواجه الجمعيات الخيرية ذات الطابع الإغاثي الصعوبات التي تواجهها الجمعيات التي تتخصص في الشأن العام أو تلك التي تقترب من الشأن السياسي. تقول فجر مفيز وهي شابة عشرينية وموظفة في شركة، إنها قامت بتأسيس جمعية إغاثية باسم (أيادي) مع 25 عضوًا من الشباب من مختلف التخصصات العلمية يقومون بالوظائف الإدارية والقانونية والمالية في الجمعية كل حسب تخصصه. وتقوم الجمعية بجمع التبرعات واستخدامها في تنفيذ مشاريع إغاثية محلية لمساكن الأسر الآيلة للسقوط وخارجيًا بالتعاون مع منظمات الإغاثة الدولية. في حين اختارت مجموعة من الشباب تأسيس ما أطلقوا عليه (مبادرة نقاش البحرين) لخلق أرضية للحوار بين كل فئات المواطنين ولكن اختاروا البقاء "مخالفين" بعدم تسجيل مبادرتهم تجنبًا للوقوع تحت طائلة الإجراءات البيروقراطية التي يطلبها الانضواء تحت القانون. وأسست هذه المبادرة موقعًا الكترونيًا ونظمت أكثر من منتدى في البحرين ولندن وأيضًا منتديات الكترونية. لكن أحد أعضاء المبادرة، مهدي جاسم، وهو طالب يدرس الاقتصاد في بريطانيا، وجد أن العمل في هذا الإطار صعبٌ إذ يواجه صعوبات التمويل وعزوف المشاركين خوفًا من التعرض لعقوبات المخالفة. ومن تجربة المبادرة التي أنشئت في 2012، أي في أعقاب الأحداث السياسية لسنة 2011، يقول جاسم: " كلما أصبحت المبادرة المدنية والمجتمعية ذات طابع سياسي، أصبحت أقل إغراء للمجتمع للمشاركة". وهذا ما حدث للمبادرة التي بدأت تأخذ منحى سياسيًا، وأضاف أن "هذه المبادرة المراد منها أن تخلق مساحة للنقاش المفتوح حول السياسة والاقتصاد والتاريخ والمجتمع سوف تظل تواجه تحديات جمود الوضع السياسي. الحل الوحيد هو الانتظار حتى نملك القدرات والموارد التي تأخذ على عاتقها المواصلة".

وهكذا، فبرغم عمر العمل المدني الذي جاوز المئة عام في البحرين إلا أنه مهدد الآن بالاضمحلال ما لم يُعاد النظر في القانون المنظم لمؤسسات العمل المدني وإصدار قانون أكثر تخصصًا للجمعيات التي ينظمها، وأكثر تقديراً للمتطوعين، وأكثر تماشيًا مع مستجدات العمل المدني دوليًا بعد أن أصبحت هناك مبادئ ومعايير متفق عليها، وعهود دولية للحقوق المدنية والسياسية وقعت عليها البحرين في وقت سابق فأصبحت جزءًا من تشريعاتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image