تعكس تقاليد عاشوراء المنامة جزءاً لا يتجزأ من التراث القائم في العاصمة البحرينية (المنامة) لا سيما داخل أزقتها القديمة في الأحياء (الفرجان). فحين تدخلها، أول ما يلفت انتباهك هو تعدد أصوات الشعائر الحسينية التي تصدح من مكبرات الصوت في وسط المنامة بشكل انسيابي طوال اليوم مع استمرار توزيع "عيش الحسين" – وهو الرز المطبوخ مع اللحم أو الدجاج أو السمك - والذي يجهز منذ الصباح الباكر في أواني طبخ كبيرة تطهى المأكولات فيها على الخشب بالطريقة القديمة في بعض المناطق، أو بالأساليب الحديثة في مطابخ أخرى خاصة.
توزع المأكولات على المسلمين وعلى غيرهم من أصحاب الديانات والعمال الأجانب المقيمين في البحرين، ويستمر توزيع الأكل والعصائر والماء على مدار اليوم - في كل يوم ابتداء من 1 محرم حتى العاشر منه - في ما يعرف بمضايف الحسين المنتشرة في كل جانب من الأحياء القديمة والمناطق الأخرى.
هذا ولا يمكن أن تتجاهل الأعلام السوداء والشعارات التي تعلَّق على المباني وعلى طول سوق المنامة القديم وهي تشير إلى أقوال الإمام الحسين بن علي، أو تذكّر بواقعة كربلاء، مع انتشار لمقولات عن الحسين من التراث، مثل قول الرسول محمد "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً"، أو على لسان شخصيات مثل المهاتما غاندي، وجبران خليل جبران، وأنطوان بارا، وغيرهم.
ذكرى عاشوراء
ذكرى عاشوراء تحيي ما حدث للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (والدته فاطمة الزهراء) الذي ولد عام 626 في المدينة المنورة. عام 661، تأسست الدولة الأموية، وبعد وفاة مؤسسها معاوية بن أبي سفيان في 680، تسلم الخلافة ابنه يزيد بن معاوية. كتب يزيد إلى والي المدينة، الوليد بن عتبة، أن يأخذ البيعة من الحسين وإذا رفض فيجب القضاء عليه. وقد رفض الحسين أمر البيعة، وخرج من مجلس الوالي بعد أن تدخل مَن معه من أهل بيته وحموه من القتل.قرر الحسين الخروج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ومعه أبناؤه وأقرباؤه وعدد من محبيه. أرسل سفيراً له إلى الكوفة لاستطلاع استجابة الناس هناك لمجيئه إليهم والخروج على يزيد وذلك بعد أن راسلوه بهذا الشأن، غير أن الوالي الأموي عبيد الله بن زياد قتل سفير الحسين، وأرسل جنوده لاعتراض الحسين، على أن يتم اصطحابه مأسوراً أو مقتولاً - هو ومَن معه - إلى الكوفة.
تواجه جيش عبيد الله بن زياد مع أصحاب الحسين في "كربلاء". وفي التاسع من محرم، بدأ الحسين مع 70 ممَّن معه يتهيأون لمواجهة جيش ابن زياد، بعد أن قطع عنهم الماء وحوصروا مع مَن معهم من نساء وأطفال بالقرب من نهر الفرات. وفي العاشر من محرم من العام 680، بعد صلاة الظهر، بدأت المعركة التي انتهت بمقتل الإمام الحسين وأكثر من 70 من أبنائه وأنصاره، وحرق الخيام واقتيد النساء والأطفال كأسرى إلى الكوفة، ثم إلى الشام.
إجازة عاشوراء
تحظى البحرين بإجازة رسمية لمدة يومين في التاسع والعاشر من محرم، وهي إجازة معتمدة منذ قيام إدارة الدولة الحديثة في عشرينيات القرن الماضي. وهذه الإجازة تعتبر متميزة على مستوى المنطقة، إذ تتبع التقويم المعتمد لدى المسلمين الشيعة في البحرين.ورغم المتغيرات السياسية، إلا أن هذه العطلة، والموسم المصاحب لها، تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأيام السنوية التي يحتفي بها الكثيرون من البحرينيين والمقيمين، في ما يمثل علامة بارزة للمكانة التي تحظى بها مناسبة العاشوراء في البحرين.
ليلة العاشر في المنامة
تحيى في المنامة ليلة العاشر (مساء التاسع) في وسط الأحياء القديمة بالمواكب الحسينية التي تنظم من قبل المآتم (هكذا تذكر بالدارجة البحرينية) وهي ما يعرف بـ"الحسينيات" التي تدار من قبل أفراد وأسر المنامة العريقة التي كان أغلبها له دور في تجارة اللؤلؤ وصياغة الذهب والمواد الغذائية وغيرها.لا يمكن تجاهل الشعارات التي تعلق على طول سوق المنامة القديم والتي تشير إلى أقوال الإمام الحسين بن علي وأُخرى عنه مثل قول الرسول "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً"، وأقوال شخصيات مثل المهاتما غاندي، وجبران خليل جبران، وأنطوان بارا…
منذ عام 2002، بدأت الفعاليات الفنية تصاحب فعاليات مواكب الأزقة في سوق المنامة القديم مثل المرسم الحسيني الكائن في حي (فريق الحطب) القريب من مأتم العريض ومأتم بن رجب. عام 2019، بدأت الفعاليات بإشعال الشموع أمام مقر المرسم الحسيني حيث وُضعت أعداد كبيرة من أعمال فنانين وفنانات محترفين وهواة من بحرينيين وأجانب، تعكس واقعة الإمام الحسين.
ويستمر تسيير المواكب حتى فجر اليوم العاشر.
وبينما تودع العاصمة موسم عاشوراء، تتواصل مواكب العزاء في مناطق أخرى خلال الأيام اللاحقة، في مقدمتها منطقة الديه الواقعة في غرب العاصمة إذ تستضيف أكثر من 25 موكباً من مختلف مناطق وقرى البحرين.
مآتم النساء
عندما تتجول في المنامة القديمة خلال موسم إحياء عاشوراء، لا بد أن ترى مباني قديمة وأخرى تحتاج إلى صيانة أو ترميم. لكنك دون شك ستلاحظ حركة النساء داخل هذه المباني على وقع أصوات الشعائر الحسينية التي تصدح من مكبرات الصوت، وتواجدهن في كل مكان سواء داخل المآتم أم خارجه متنقلات من زقاق إلى آخر.ومن بين المآتم التي لا يمكن تجاهلها في وسط المنامة دار محمد حسين العريض الذي يبلغ عمره أكثر من 150 عاماً. تمت صيانته وترميمه بشكل حافظ على طراز بيوت المنامة القديمة مع إبقاء تقسيم الجلسة البحرينية داخل غرفة القراءة الكبيرة التي تتسع لحوالي 100 امرأة تحضر للاستماع والمشاركة في مجلس العزاء.
خدمة المأتم بالتوارث
تقول حنان العريض ابنة مسؤولة المأتم حالياً لرصيف22 وهي جالسة تتصفح كتب قارئات عائلتها المكتوبة بخط اليد القديمة: "البيت كان للحاج محمد حسين العريض، أنشئت فيه القراءة الحسينية مع زوجته خديجة بنت نصر العصفور التي كانت آنذاك قارئة كبيرة لها اسمها. بعد وفاتهما، انتقلت إدارة المأتم إلى ابنتهما حسناء العريض، وبعد وفاتها انتقلت إدارته إلى زوجة أخيها منصور العريض واسمها فاطمة عبد علي حجي راشد ومن بعد وفاتها انتقلت إلى والدتي وهي ابنتها طيبة منصور العريض... وهكذا هي طبيعة توارث إدارة المأتم بشكل عام في المنامة جيلاً بعد جيل".قارئة حسينية
وأضافت العريض معلقة "إن هذا نابع من تاريخ وتقاليد عائلتنا في أهمية إبقاء تراث المنبر الحسيني وإحياء مراسم عاشوراء وذكر واقعة الطف في كربلاء عام 680، وهو للأجيال يعد جزءاً هاماً من هويتنا المنامية والثقافية وهو أيضاً مرتبط بعوامل عدة من تاريخ المنامة، والعوائل هنا تحرص على إبقاء هذه التقاليد التي تعايشت معها جميع الطوائف والأديان والأعراق ممن سكن وعاش في المنامة ومع أهلها المتسامحين منذ فترات طويلة".رغم المتغيرات السياسية، إلا عطلة عاشوراء في البحرين، والموسم المصاحب لها، تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأيام السنوية التي يحتفي بها الكثيرون من البحرينيين والمقيمين، في ما يمثل علامة بارزة للمكانة التي تحظى بها المناسبة في البلاد
أما قارئة المأتم منيرة السماهيجي وهي تدير مأتم العالي في المنامة وتعد واحدة من أشهر القارئات للمنبر الحسيني فقد أوضحت لرصيف22 أن "المنامة هي قلب الشيعة لعزاء أهل البيت سواء في حالة العزاء أو الميلاد (الفرح). كما أنني عايشت ذلك وما زالت، فأنا أنتمي إلى عائلة مشهورة بالقراءة الحسينية في المنامة. جدتي حبابة العالي كانت قارئة معروفة من القرن الماضي".
وحتى تكون قارئة جيدة نوضح السماهيجي: "يجب أن يكون لديك القدرة على القراءة بشكل جيد مع صوت جميل يمشي مع القراءة وبصورة لا تخرج عن خط المنبر الحسيني فهناك تقاليد وشروط يجب الالتزام بها في القراءة من حيث النبرة والصوت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...