أوفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوعده الانتخابي معلناً يوم 24 أبريل/نيسان من كل عام يوماً فرنسياً وطنياً لإحياء ذكرى إبادة الأرمن. وتعد فرنسا عدداً هاماً من المواطنين من أصول أرمنية. وفور إعلان الإيليزيه هذا القرار سارعت تركيا النافية إبادتها الأرمن، للتنديد معتبرةً إعلان باريس محاولة لطمس مشكلاتها الداخلية، في إشارة إلى حراك السترات الصفراء المستمر منذ أشهر في فرنسا.
ويؤكد الأرمن أن 1,5 مليون أرمني قُتلوا على يد العثمانيين بين 1915 و1917، أي قبيل انهيار السلطنة العثمانية، ويؤكد عدد من المؤرخين بوقوع هذه الإبادة الجماعية التي تعترف بوقوعها كذلك أكثر من عشرين دولة بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا معترفة بحدوث إبادة بحق الأرمن المسيحيين في تركيا تحت الحكم العثماني.
في المقابل، ترفض تركيا وصف مقتل آلاف الأرمن بـ"إبادة" وتعتبر أن نحو نصف مليون أرمني سقطوا خلال حرب أهلية تزامنت مع مجاعة، وتزعم أن عدداً مماثلاً من الأتراك قُتل كذلك بينما كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول إبان الحقبة العثمانية. وبسبب هذا الإنكار فشلت تركيا مرراً في الانضمام للاتحاد الأروبي.
وتتهم تركيا من تصفهم بـ "المتمردين الأرمن" بالتآمر مع الروس وقتل قرابة نصف مليون مواطن تركي في تلك الفترة.
وتختلف تركيا مع الدول التي اعتبرت مجازر قتل الأرمن على يد القوات العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى “إبادة”.
ماكرون يفي بالوعد
واعترفت فرنسا في 2001 بوقوع الإبادة الأرمنية ودونت هذا على الرزنامة الرسمية الفرنسية. ووعد ماكرون في حملته الانتخابية باعتبار ذكرى الإبادة (24 إبريل/نيسان) يوماً وطنياً.
وبينما كانت الجالية الأرمنية تنتظر "بفارغ الصبر" تنفيذ ماكرون وعدَه منذ انتخابه عام 2017، أعلن الرئيس الفرنسي القرار أثناء العشاء السنوي للمجلس التنسيقي الأرمني مساء الثلاثاء.
ورغم أن الإبادة استمرت عامين، إلا أن الأرمن يحيون ذكراها يوم 24 إبريل/نيسان من كل عام، وهو نفس اليوم المعتمد للذكرى في أرمينيا، ويقول الأرمن إن في ذلك اليوم أقدمت السلطة العثمانية على إعدام مجموعة من المفكرين الأرمن في القسطنطينية عام 1915.
وأمام المجلس التنسيقي للجالية الأرمنية، قال ماكرون: "إن فرنسا، أولاً دولة تعرف كيف تواجه التاريخ وكانت من أوائل المنددين بالمطاردة القاتلة للشعب الأرمني الذي بات يطلق عليها اعتباراً من العام 1915 تسمية إبادة، وتعترف بأنها جريمة ضد الإنسانية منذ عام 2001 بعد معركة قانونية طويلة" مضيفاً "كما تعهدت، سيكون يوم 24 إبريل/نيسان يوماً وطنياً لذكرى الإبادة الأرمنية".
وطالب ماكرون بأن "يكون مواطنو المستقبل على وعي تام بحقائق الماضي" رافضاً أشكال إنكار هذه الإبادة.
ولفت الرئيس الفرنسي خلال إعلانه، إلى أنه أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقراره في وقت سابق.
وأضاف: "فرنسا تجري حواراً مع الرئيس التركي...بيننا خلافات حول التصدي لتنظيم داعش والحريات الأساسية في تركيا والإبادة والماضي وحقوق الإنسان في تركيا، لكن لا تزال لدينا نقاط تقارب تبرر الحوار، مثل ضرورة حدوث انتقال سياسي في سوريا” وأعلن: "في هذا الصدد، لا غنى عن الحوار مع تركيا، أرفض قطع الحوار".
من جهتها، رحبت الجالية الأرمنية بإعلان ماكرون، وقال رئيس المجلس التنسيقي للمنظمات الأرمنية في فرنسا مراد بابازيان: "نثمن إيفاء الرئيس بالتزامه، وهذه خطوة إضافية نحو اعتراف إضافي بواقع لا خلاف عليه" معتبراً "فرنسا أنموذجاً يحتذى به في العالم بخصوص الاعتراف بالإبادة الأرمنية".
أما الموسيقي الفرنسي من أصول أرمنية أندريه مانوكيان، فأوضح أنه يشعر بالفرح الكبير مشيراً إلى أن "هذه لحظة بالغة الأهمية للفرنسيين من أصل أرمني، حين يرون مشاكلهم مطروحة في الجمهورية".
غضب تركي
وفي أول رد فعل تركي، انتقد المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، إعلان ماكرون، معرباً عن أسفه لهذا الإعلان.
وقال أقصوي: "فرنسا التي عُرفت بالفظائع التي ارتكبتها في الأناضول خلال حرب التحرير التركية باستخدام الأرمن، وبالمسؤولية عن المجازر في الجزائر وبالإبادة في رواندا، لا يمكننا استخلاص أي دروس من ساستها المتغطرسين الذين يفتقرون إلى المعلومات التاريخية الأساسية".
وأشار إلى أن أنقرة أحاطت "مرارً المسؤولين الفرنسيين بما فيهم ماكرون، وعلى كافة المستويات بحقيقة ما حدث عام 1915، ومع ذلك، يحاول ماكرون الوفاء بالوعد الذي قطعه للأرمن على أمل الحصول على أصوات ناخبيهم".
وشدد على أن الفترة المذكورة " شهدت مقتل أكثر من 500 ألف مسلم من قبل المتمردين الأرمن".
واعتبر الخطوة الفرنسية: “موقفاً سياسياً يفتقر للتاريخ العثماني ولا يحترم القانون الفرنسي والأوروبي، وموقفاً أحادياً من أجل المصلحة السياسية الشخصية، في مسألة حساسة للغاية بالنسبة للأتراك".
أما المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، فصرح الأربعاء، قائلاً: "نُدين ونرفض استخدام ماكرون الأحداث التاريخية أداةً سياسيةً للنجاة من المشاكل السياسية التي يعيشها في بلاده"، معتبراً "استخدام المآسي أدواتٍ سياسية جريمة سياسية وأخلاقية".
ووصف قالن إبادة الأرمن بـ "الكذبة السياسية التي ليس لها أي أساس قانوني وتتعارض مع الحقائق التاريخية" مشدداً على أن "تركيا لا تقيم لها وزناً".
وفي الأثناء أيضاً، أدان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر جليك، إعلان الرئيس ماكرون في سلسلة تغريدات عبر حسابه تويتر.
وقطع جليك بأن قرار ماكرون "فاقد لأسس تاريخية وقانونية يستند إلى مزاعم لا أساس لها بخصوص أحداث وقعت في أراضي الدولة العثمانية عام 1915".
واعتبر أنه "من الأجدر الوقوف على تاريخ جرائم فرنسا ضد الإنسانية التي ارتكبتها في بنين وبوركينا فاسو والغابون وغينيا والكاميرون وموريتانيا والنيجر والسنغال والجزائر وتونس وتشاد".
حدة الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا تصاعدت في ديسمبر/كانون الأول 2011، بعد موافقة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب) على مشروع قانون يعتبر إنكار حملات إبادة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى جريمةً يعاقب عليها القانون.
أتراك يعترفون بالإبادة
ترفض تركيا الاعتراف بالإبادة الأرمنية لأسباب عدة، أولها أن الاعتراف سيكون "إدانة تاريخية قاسية" لمؤسسي الدولة التركية، والخشية من مطالبة الأرمن بتعويضات ضخمة أو المطالبة بإعادة الأملاك الأرمينية لأصحابها، كما سيفرض هذا الاعتراف تعديل القانون التركي الذي يعاقب من يعترف بـ "الإبادة" للسجن.
غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقر بأن معاناة الأرمن ناجمة عن أحداث كانت لها آثار غير إنسانية مثل الترحيل خلال الحرب العالمية الأولى، دون أن يلفظ كلمة "إبادة"، وقت أن كان رئيساً للوزراء.
وتعد الروائية التركية المعروفة عالمياً أليف شافاق أحد أبرز المشاهير الأتراك الذين يقرون بحدوث إبادة بحق الأرمن، وتمت ملاحقتها قضائياً في أكثر من محكمة بإسطنبول عام 2006 لأنها سردت في روايتها الشهيرة "لقيطة إسطنبول" حلماً لأحد أبطال روايتها تضمن مشاهد لمجازر تعرض لها الأرمن عام 1915.
وهناك بعض الأصوات التركية "المحدودة" التي تطالب بالاعتراف بالإبادة الأرمنية. ففي عام 2008، أطلق أربعة مثقفين هم أحمد أنسل وعلي بيرم أوغلو وجنكيز أكتر وباسكن وران عريضة وقع عليها 32 ألف تركي تطلب المغفرة من الأرمن. وأظهر إحصاء حديث أن 9% فقط من الأتراك يؤيدون الاعتراف بالإبادة الأرمنية.
تعد الروائية التركية أليف شافاق أحد أبرز المشاهير الأتراك الذين يقرون بحدوث إبادة بحق الأرمن، وتمت ملاحقتها قضائياً عام 2006 لأنها سردت في روايتها "لقيطة إسطنبول" حلماً لأحد أبطال روايتها تضمن مشاهد لمجازر تعرض لها الأرمن.
رغم أن الإبادة استمرت عامين، إلا أن الأرمن يحيون ذكراها يوم 24 إبريل/نيسان من كل عام، وهو نفس اليوم المعتمد للذكرى في أرمينيا، ويقول الأرمن إن في ذلك اليوم أقدمت السلطة العثمانية على إعدام مجموعة من المفكرين الأرمن في القسطنطينية عام 1915.
تقول أنقرة إن إقرار باريس يوماً وطنياً لإبادة الأرمن “هو موقف سياسي يفتقر للتاريخ العثماني ولا يحترم القانون الفرنسي والأوروبي، في مسألة حساسة للغاية بالنسبة للأتراك".
إلى جانب فرنسا، تعترف روسيا وسلوفاكيا وبولندا وليتوانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والسويد وسويسرا واليونان وقبرص والفاتيكان والنمسا ولوكسمبورغ وكندا ولبنان والأوروغواي وفنزويلا والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا والبرازيل، بالإبادة الأرمنية.
الأرمن..قصص نجاح بعد الشتات
الأرمن شعب من العِرق الآري (الهندوأوروبي)، سكنوا في هضبة أرمينية تمتد وسط وشرق آسيا الصغرى (تركيا حالياً)، يعود وجودهم إلى الألف الثالث قبل الميلاد بحسب الدراسات اللغوية والأثرية الحديثة.
ويتحدث هؤلاء اللغة الأرمينية، ويعتنق أغلبهم المسيحية الأرثوذكسية، ويصل عددهم إلى 12 مليون نسمة، بحسب بي بي سي. وعقب أحداث 1915، تشتت الأرمن بين موطنهم الأصلي (أرمينيا)، وعدة بلدان أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيران وجورجيا وسوريا والأردن ولبنان والأرجنتين وكندا وأوكرانيا وأستراليا وروسيا البيضاء وتركيا.
وكانت فرنسا أول دول الاتحاد الأوروبي اعترافاً بإبادة الأرمن ليس فقط لأنها تحتضن جاليةً أرمنية كبيرة، لكن اعترافاً منها بالدور المهم الذي لعبته شخصيات فرنسية بارزة من أصل أرمني.
وخلال اجتماعه مع الأرمن، أشاد ماكرون بذكرى المغني الفرنسي الشهير من أصول أرمنية شارل أزنافور، الذي توفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كما أشاد الرئيس الفرنسي بالملحن الراحل ميشال لوغران الذي توفي قبل أيام، وهو مولود لأم أرمنية الأصل.
وحضر اجتماع الجالية الأرمنية الأخير في فرنسا، قرابة 350 شخصاً، بينهم شخصيات سياسية وفنية ورياضية بارزة وفاعلة في المجتمع الفرنسي من بينهم عمدة باريس آن هيدالغو، وبطل العالم في كرة القدم في 1998 يوري دجوركاييف.
وإلى جانب فرنسا، تعترف روسيا وسلوفاكيا وبولندا وليتوانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والسويد وسويسرا واليونان وقبرص والفاتيكان والنمسا ولوكسمبورغ وكندا ولبنان والأوروغواي وفنزويلا والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا والبرازيل، بالإبادة الأرمنية.
وعربياً تحتضن مصر جاليةً أرمنية كبيرة، اندمجت وسط المصريين حتى بات الكثيرون لا يميزونهم عن بقية المجتمع ومن أبرز شخصيات هذه الجالية نوبار باشا (أول رئيس وزراء مصري) ورسام الكاريكاتير صاروخان والفنانات فيروز ولبلبة وميمي جمال ونيللي وأنوشكا.
وعالمياً يعد هوفانس آداميان المخترع السوفيتي لأول تلفزيون ملون، ومصمم سلسلة طائرات ميج القتالية السوفيتي أرتم ميكويان، والجورجي بطل العالم في الشطرنج بين عامي (1963 إلى 1969) تيجران بيتروسيان، وعالم الرياضيات النمساوي الأمريكي إميل أرتين، والطبيب الأمريكي ريموند داماديان مخترع الرنين المغناطيسي، من أبرز المشاهير من أصول أرمنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...