تجارب مؤقتة
يوضح الباحث الكردي في المركز الكردي للدراسات في ألمانيا إبراهيم مصطفى كابان، لرصيف22، أن عدد الأكراد يتجاوز الأربعين مليوناً ويتوزعون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، وبأعداد قليلة في أرمينيا وروسيا وأذربيجان والجمهوريات الروسية المستقلة. وأوضح أن الأكراد قاموا بثلاث محاولات لإقامة دولتهم المستقلة خلال عشرينيات القرن الماضي، فتأسست مملكة كردستان بشمال العراق، وجمهورية كردستان الحمراء بأذربيجان، وجمهورية آرارات بتركيا. فيما قامت جمهورية مهاباد بشمال إيران عقب الحرب العالمية الثانية واستمرت 11 شهراً، وتأسست جمهورية لاجين في أذربيجان في التسعينيات. ويصف كابان تلك الدول التي تهاوت سريعاً بأنها كانت تجارب مؤقتة للغاية، مضيفاً: "لو كانت تجارب حقيقية، لبقيت إلى الآن". وإلى جانب تلك الدول أقام الأكراد، وفق كابان، حكماً ذاتياً في العراق سنة 1975 أجهض بعد عام باتفاقية عراقية إيرانية برعاية جزائرية. كما قادوا حركة مسلحة في العراق منذ 1920 إلى أن تحقق لهم حكم ذاتي وحماية جوية أمريكية سنة 1992 ثم فدرالية إقليم كردستان العراق رسمياً منذ 2003. وفي تركيا أيضاً، خاصوا صراعاً مسلحاً منذ 1924 انتهى بقمع السلطة التركية لهم، ثم استؤنف الصراع في 1980 من قبل حزب العمال الكردستاني. ويرجع الدكتور ياسين رؤوف ممثل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالقاهرة، لرصيف22 فشل محاولات الأكراد السابقة في إقامة دولتهم المستقلة، إلى حجم المؤامرات الدولية والإقليمية التي تعرضوا لها، ولأخطاء ارتكبوها في عدم تفاهمهم مع القوى الكبرى التي تسيطر على المنطقة. ويعتبر ياسين أن الأكراد أسسوا في القرن العشرين دولتين كان لهما طابع مؤسسي هما مملكة كردستان وجمهورية مهاباد، لكنهما سقطتا سريعاً.خاض الأكراد خمس تجارب استقلال خلال القرن العشرين ولكنها كلها باءت بالفشل...
مملكة كردستان
أقيمت بمدينة السليمانية العراقية وريفها عام 1922 بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، ودامت سنتين حتى تحركت القوات العراقية بدعم جوي وبري للاستعمار البريطاني وسيطرت على السليمانية وأنهت سيطرة البرزنجي. [caption id="attachment_104528" align="alignnone" width="700"] محمود الحفيد البرزنجي[/caption] إلا أن الحفيد استطاع ثانيةً الإغارة على القوات وأخرجها من المدينة لتعود إلى سيطرته مجدداً. ولكن الجيش العراقي استعاد بدعم البريطانيين السيطرة على السليمانية وأجبر الحفيد على مغادرة المنطقة واتخاذ الجبال مقراً لشن حرب عصابات استمرت حتى عام 1926 حين عقد اتفاقاً مع البريطانيين قضي بأن يغادر هو وأسرته العراق، وفق ما يؤكد كابان. [caption id="attachment_104529" align="alignnone" width="700"] السليمانية[/caption] ويقول الدكتور ياسين إن الحفيد مؤسس مملكة كردستان، تم القبض عليه ونفيه إلى الهند ثم عاد بعد أن كسرت شوكته. لم تنجح هذه المحاولة الكردية لأسباب عديدة تتعلق بعدم فهمها لطبيعة مصالح الاستعمار البريطاني التي تتطلب ذكاءً ودقة في التعامل والتحرك لتحقيق المطالب المشروعة، بحسب كابان الذي يشير إلى أن البريطانيين اكتشفوا آنذاك الحقول النفطية في كركوك والمنطقة، وكانوا يبحثون عن أمن واستقرار للاستفادة من تلك الثروة المكتشفة، ولم تكن ثورة الحفيد بمستوى الوعي المطلوب للتعامل مع الاستعمار حتى يتم تبادل المصالح والنفوذ. ويؤيد ياسين هذا الرأي معتبراً أن خطأ الحفيد الأساسي هو معاداته الاحتلال الإنجليزي للعراق، لافتاً إلى أنه كان لتدينه أثر سلبي في علاقاته مع دول المحور نظراً لتأثره بالدولة العثمانية.كردستان الحمراء
لم يشكل الوجود الكردي في المثلث الأرميني الروسي الأذربيجاني قوة يمكن الاعتماد عليها في إقامة وضع كردي خاص اعتماداً على القوة الذاتية والدعم الداخلي. لكن هذه الدول الثلاث استخدمت الورقة الكردية لتحقيق مصالحها، ودفع الأذريون الأكراد إلى إعلان جمهورية كردستان الحمراء التي امتدت من 1923 إلى 1929 في ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة هامة تقع بين أرمينيا وأذربيجان.واستهدف الدعم الأذري للأكراد خلق حلف للضغط على أرمينيا، في إطار الصراع بين الأرمن والأذريين، يوضح كابان. وكان عدد الكرد 40 ألفاً، ويشكلون 70% من سكان تلك المنطقة التي أقاموا فيها جمهورية كردستان الحمراء، وعاصمتها مدينة لاجين. ويشير كابان إلى أن التحالفات الإقليمية والدولية نجحت في إنهاء تلك الدولة الوليدة، بل جاء عام 1935 ليشهد تهجير الأكراد من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا والشيشان وأبخازيا وداغستان نحو أقاصي روسيا وسيبيريا.
جمهورية لاجين
التجارب الكردية في تلك المنطقة الواقعة بين أذربيجان وأرمينا لم تتوقف واستمرت ليصدر عام 1992 إعلان جديد عن ولادة جمهورية لاجين الكردية برئاسة وكيل مصطفاييف، ولكن لم يكتب لها النجاح وانهارت بسرعة فلجأ مصطفاييف إلى إيطاليا. وبرأي كابان، فإن الممارسات الأذرية التي كانت تتلقى دعماً مباشراً من الأتراك والصمت الروسي والمحاولات الأرمينية للسيطرة على المنطقة كانت الأسباب الرئيسية لإفشال التجارب الكردية هناك. ولكن هناك رأي آخر مختلف تماماً، إذ يعتبر ياسين أن كردستان الحمراء وجمهورية لاجين، ليستا دولتان كرديتان، بل جمهوريتان أذريتان.جمهورية آرارات
يؤكد ياسين أن جمهورية آرارات الكردية في تركيا لم تكن دولة بالمعنى المتعارف عليه، بل كانت ثورة في شكل جمهورية.
ويوضح كابان أن الكورد في تركيا قادوا سلسلة من الموجهات مع السلطة بدأت بثورة في مناطق جبال آرارات باسم "ثورة آغري" عام 1930، بقيادة إحسان نوري باشا (1896-1976) الذي أسس حزباً سياسياً كردياً باسم "خويبون" ثم أعلن ثورة عارمة في وجه الدولة التركية، وأعلن مناطق جبال آرارات دولة كردية مستقلة، ليبدأ مع الدولة التركية حرباً شاملة في المنطقة الكردية بتركيا.
[caption id="attachment_104590" align="alignnone" width="700"] إحسان نوري باشا[/caption] ومنيت القوات التركية في البداية بخسائر فادحة، وهو ما استدعى من الأتراك إعلان نفير عام واستدعاء آلاف الجنود والمتطوعين لمحاصرة تلك المنطقة و"ارتكاب الجرائم بحق المدنيين حتى لجأ نوري باشا وعائلته ولفيف من الثوار إلى إيران"، بحسب كابان.جمهورية مهاباد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت مملكة إيران ضعيفة جداً، واستغلت المعارضة الكردية ذلك الوضع بمساعدة الاتحاد السوفياتي، وأعلنت جمهورية مهاباد. سقطت مهاباد سريعاً لأسباب داخلية تتعلق بغياب الدعم العشائري، ومناهضة الإقطاعيين، ولأسباب خارجية تمثلت باتفاق شاه إيران مع المخابرات البريطانية والأمريكية، وعقده اتفاقات نفطية مع الزعيم السوفياتي ستالين، أدت إلى أن تترك روسيا الجمهورية الفتية تسقط بهجمات الجيش الإيراني، والقبض على كاظي محمد رئيس مهاباد وأعوانه وإعدامهم، حسب ياسين. ويقول كابان إن ثورة البرزانيين الأكراد بالعراق اندمجت مع التحركات الكردية في إيران عام 1946 ونتج عنها قيام جمهورية مهاباد الديمقراطية، "فتطور الحراك الكردي من الهبات القبلية إلى نضال قومي".دروس الماضي ودولة المستقبل
برأي ياسين، تعلم الأكراد من دروس الماضي، وأصبحوا يوازنون بين مصالحهم ومصالح القوى الكبرى الآتية إلى المنطقة. ويقول إن الاستفتاء المزمع إقامته بكردستان العراق من أجل الانفصال، في الخريف المقبل، يمثل مطلباً شعبياً. ويستبعد أن يعقب هذا الاستفتاء إعلان دولة كردستان المستقلة، مؤكداً أن ذلك ربما يستغرق وقتاً أطول قد يصل إلى 10-15 سنة، لافتاً إلى أن الاستفتاء سيكون ورقة في يد الأكراد بالأمم المتحدة وأمام القوى العظمى، وسيمثل الخطوة الأولى نحو الاستقلال. ويضيف ياسين: "الدولة الحلم ستمر بعدة مراحل من ضمنها التفاوض مع الدولة العراقية، والمرحلة التالية موافقة الدول الكبرى والأمم المتحدة، وهو أمر يتطلب بعض الوقت".أنقاض الدول الفاشلة
"لن تقوم دولتنا إلا على أنقاض الدول الفاشلة، التي استقطعت أرضنا وقسمتها فيما بينها"، يقول ياسين، مضيفاً أن دولة الأكراد القادمة تنتظر سقوط وتفكيك الدولتين الفاشلتين العراق وسوريا من أجل إعلانها وربما من بعدها إيران وتركيا لإعلان دولة كردستان الكبرى. وبرأيه، لا يرغب الأكراد السوريون في الاستقلال ويطالبون بسوريا ديمقراطية، ولكن في حالة تفكيك سوريا فإنهم جاهزون لإعلان دولتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...