شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
نيوزويك تُصنّفُ النبيذَ التونسي ثالثَ أفخر نبيذ بالعالم…والرومان يوافقون على هذا  

نيوزويك تُصنّفُ النبيذَ التونسي ثالثَ أفخر نبيذ بالعالم…والرومان يوافقون على هذا  

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 فبراير 201908:21 م

ارتباط تونس بالنبيذ قصةٌ حبٍ مُعتَّق عمرها آلاف السنين. على مر العصور الفينيقية والقرطاجنية والرومانية والبيزنطية، طورت قرطاج (تونس) صناعةَ النبيذ، وذاع صيتها في ذلك في العهد الفينيقي حين ازدهرت زراعة الكروم في أراضي قرطاج الخصبة، وتمكن المزارعون من تطوير أجود أنواع النبيذ في عصر اتسم بالازدهار الاقتصادي والمعرفي فكانت قرطاج مطمعَ روما حتى سماها الرومان لصيتها الزراعي ولخماراتها المزدهرة حين احتلوا قرطاج “مطمورة روما”.

غير أن زارعة الكروم وثقافة النبيذ تقلصت في العصر الإسلامي، حين دخل الإسلام إفريقية (تونس اليوم) في القرن السابع الميلادي، لكن صناعة النبيذ لم تُدفن.

تفخر تونس بماضيها التليد في ثقافة النبيذ، وإلى اليوم يحمل أجودُ نبيذ تونسي اسم Magon  وهو اسم عالم قرطاج Magon صاحب أقدم مخطوطة في الهندسة الزراعية في العالم، وكأن تونس تخاطب العالم شاهرةً قنينة ماغون: هذه صناعة نبيذنا الضاربة في القِدم.

إلا أن صناعة النبيذ في تونس مرت كذلك بفترات صعبة، في الستينيات والسبيعينات من القرن الماضي، بعد مغادرة أصحاب مزارع الكروم الأوروبيين تونس بعد الاستقلال وسيطرة ديوان الكروم على صناعة النبيذ، فأصبحت الصناعة تقدم الكمّ على النوع، ونتيجة ذلك انخفضت الجودة التي كانت فخر النبيذ التونسي لعصور طويلة، لكن الأمر تغير في بداية التسعينيات حين تفطنت الدولة إلى أخطائها فضخت رؤوس الأموال لاستعادة سمعتها في صناعة النبيذ وقامت بتجديد المعاصر وجلبت مختصين من فرنسا، وشيئاً فشيئاً عاد المستثمر الأجنبي لحقول الكروم الخصبة في تونس وبدأ عصر ذهبي للخمور يشق طريقه من جديد مستعيداً مجده القديم.

هذا المجد التليد والتميز الذي نجحت تونس في المحافظة عليه حتى بعد صعود التيار الإسلامي بعد ثورتها عام 2011، جلب انتباه الصحافة الدولية، فصنفت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع الماضي النبيذَ التونسي ثالثَ أفخر نبيذ في العالم. وقالت المجلة إن تونس هي ثالثُ خمسِ وجهات تُقدم، وفق ما أكده خبراء للمجلة، أفخَرَ أنواع النبيذ المصنع في بلدان لا تشتهر أساساً بتلك الصناعة، بعكس الأسماء التقليدية الشائعة في صناعة أجود النبيذ مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا.

وأشارت نيوزويك إلى أن كاثي بيلي، الرئيسة التنفيذية لشركة ترافيس لتوريد الخمور، كانت أول من جلب النبيذ التونسي إلى الولايات المتحدة عام 2018، كاشفةً "تجربة فريدة لصناعة النبيذ في شمال أفريقيا".

نكهة "فريدة" للنبيذ التونسي

لاحظت نيوزويك أن مناخ البحر الأبيض المتوسط المعتدل الذي تتميز به تونس يساعد على إنتاج أفضل محاصيل العنب التي "تتمتع بنكهة متوسطية مميزة” حيث تمتد مزارع الكروم على أراضي المنطقة الشمالية الشرقية من تونس، على الرغم من أن رياح الشهيلي وهي رياح صحراوية جافة وحارة قد تهب من مدغشقر وتصل تونس في فصل الصيف ويمكن أن تحرق الكروم وتدمر هذه المحاصيل.

لكن المجلة تؤكد أن هذه الرياح "نادرة" لحسن الحظ، مضيفةً أن تونس لديها عدة شركات لإنتاج النبيذ الفاخر والرائج عالمياً مثل Ceptunes Didona الذي يصنع منذ عام 2012، و نبيذ Mornag AOC الأسود المميز، ونبيذ Domaine Neferis Rose Magnifique الذي أطلق عام 2016، بالإضافة إلى نبيذ Sidi Salem AOC.

وفي تصنيف نيوزويك، حلّ النبيذ الإسباني المنتج في جزر الكناري كأفضل الأنواع عالمياً من وجهات غير شهيرة لإنتاج النبيذ، تلاها النبيذ الكرواتي. بينما حل النبيذ المكسيكي في المرتبة الرابعة بعد تونس وأخيراً النبيذ الأمريكي المصنع في ولاية أيداهو.

مطمورة روما

صناعة النبيذ المتجذرة في التاريخ التونسي تعود بدايتها إلى عهد الفينقيين، وكان القرطاجيون أول من أجرى بحوثاً على زراعة العنب في تونس (كانت تحمل اسم قرطاج) ثم انتشرت تلك الزراعة في القرن الثامن قبل الميلاد.

 ويوضح محمد بن الشيخ، رئيس نقابة مصنعي المشروبات الكحولية، أن تونس اشتهرت قديماً بأنها "مطمورة روما" لأنها كانت تزود عاصمة الإمبراطورية الرومانية بالحبوب والنبيذ.

ويشير الشيخ إلى ما كتبه القرطاجي ماغون صاحب أقدم مخطوط في الهندسة الزراعية في العالم (عاش في القرن الثالث قبل الميلاد) عن ازدهار زراعة الكروم في تونس في تلك الحقبة، حتى بات اسمه يطلق على نوع محلي شهير من النبيذ في تونس Le Magon-Le Vieux Magon ومع الفتح الإسلامي انخفض إنتاج تونس من النبيذ لكنه لم يتوقف، وعاود الانتعاش في نهاية القرن 19 مع الوجود الإيطالي والفرنسي في تونس.

ومن جديد تراجعت صناعة النبيذ في تونس بعد الاستقلال عام 1956، لتعاود رحلة الصعود مرة أخرى في الثمانينات والتسعينات بفضل تشجيع الدولة للاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا القطاع وبفضل الفكر المتفتح للتونسيين أيضاً.

وعام 2018، رفعت مزارع الكروم في شمال تونس إنتاجها لتلبية الطلب المتزايد على النبيذ المحلي، بالتزامن مع فرض الحكومة التونسية رسوماً جمركية مرتفعة على النبيذ المستورد من الخارج لتشجيع الإنتاج المحلي، الذي تزايد الإقبال عليه.

طريق النبيذ يقطع طريق الإرهاب 

كانت تونس سباقة للاستثمار في ما يعرف بسياحة النبيذ ويطلق عليها كذلك “طريق النبيذ" والفكرة مبتكرة وناجحة: إعادة رسم طريق النبيذ للسائح كما المواطن، وحمله في جولة من مزارع الكروم في مرناق (شمال البلاد الشرقي) إلى مصانع عصرها المنتشرة بين ولايات المنطقة الشمالية.

كان طريق النبيذ فكرة جيدة لتنشيط السياحة، لاسيما عقب الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها تونس منذ عام 2011 والتفجيرات الإرهابية التي التي تسببت في تراجع السياحة بشكل ملحوظ. وبغرض جذب المزيد من السياح، تنظم بعض الوكالات رحلات سياحية على طريق النبيذ الذي يمر شاقاً مزارع العنب والزيتون الموجودة منذ مئات السنين من العاصمة تونس وصولاً إلى ولاية نابل شمالاً.

ولا توفر هذه الرحلات السياحية، والتي تنظم منذ سنوات بعيدة، مجرد استكشاف حقول الكروم وطرق صناعة الخمور بل تمنح الزوار فرصة تذوق أفخر أصنافه، لمن يرغب وتقدم فرصة  التعرف على المناطق التاريخية الواقعة على هذا المسلك باسطة للزائر سلسلةَ مشاهد طبيعية رائعة في طقس متوسطي ملائم.

يمر طريق النبيذ بكهوف قرمبالية (مدينة صغيرة تقع في ولاية نابل على بعد 40 كلم عن العاصمة) الشاهدة على الحضارات المتعاقبة على تونس، وقصر الديكتاتور الإيطالي موسوليني الواقع في تلك الربوع.

أما مشروع ماغون الذي يموله الاتحاد الأوروبي بين صقلية وتونس، فيمثل حلقة تعاون سياحية ثقافية عابرة للحدود بين دول الاتحاد وتونس، تقوم فكرته على تعزيز التراث الأثري وإحياء ثقافة النبيذ والتقاليد الغذائية الخاصة بمنطقة البحر المتوسط.

ويربط المشروع بين أكبر مزارع الكروم في أوروبا، وقرطاج وكركوان وهما موقعان أثريان تونسيان صنفتهما اليونسكو تراثاً إنسانياً، وتعودان إلى العهد البوني فيما يعرف بـ "المسار الثقافي لمجامع الكروم”.

ارتباط تونس بالنبيذ قصةٌ حبٍ مُعتَّق عمرها آلاف السنين. على مر العصور الفينيقية والقرطاجنية والرومانية والبيزنطية، طورت قرطاج (تونس) صناعةَ النبيذ، وذاع صيتها.
تفخر تونس بماضيها التليد في ثقافة النبيذ، وإلى اليوم يحمل أجودُ نبيذ تونسي اسم Magon  وهو اسم عالم قرطاج Magon صاحب أقدم مخطوطة في الهندسة الزراعية في العالم، وكأن تونس تخاطب العالم شاهرةً قنينة ماغون: هذه صناعة نبيذنا الضاربة في القِدم.
صنفت مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع الماضي النبيذَ التونسي ثالثَ أفخر نبيذ في العالم. وقالت المجلة إن تونس هي ثالثُ خمسِ وجهات تُقدم، وفق ما أكده خبراء للمجلة، أفخَرَ أنواع النبيذ المصنع في بلدان لا تشتهر أساساً بتلك الصناعة.
يعتبر العديد من التونسيين النبيذ جزءًا من ثقافتهم وتاريخهم، "أن تشرب دون أن تسكر فهذا ليس محرماً” يقول بعضهم وما هذا باجتهاد ديني بل طريقة عيش نابعة من ثقافة حب الحياة المستميتة في البقاء في تونس رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة منذ 8 أعوام.

النبيذ..بين السُكر والمزاج

ينظر العديد من التونسيين إلى النبيذ على أنه جزء من ثقافتهم وتاريخهم، "أن تشرب دون أن تسكر فهذا ليس محرماً” يقول بعضهم وما هذا باجتهاد ديني بل طريقة عيش نابعة من ثقافة حب الحياة المستميتة في البقاء في تونس رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة منذ 8 أعوام.

فئة من التونسيين تؤمن بأن الإسلام دين حريات، ولهذا لا ترى في تعايش المساجد ومزراع كروم الخمور على أرض واحدة من التناقضات بل من مميزات بلادهم. وفي البلد الذي يفخر بانفتاحه على مختلف الثقافات ويحترم الحريات، تقف الحانات رمزاً التنوع الثقافي ودليلاً صريحاً على التسامح وضمان الحرية الشخصية للمواطن والزائر.

ويرتبط المثقفون التونسيون بعلاقة "مميزة" مع الخمور وخاصة النبيذ، ويؤكد معز الوهايبي وهو أستاذ جامعي في نظريات الفنّ بمدينة القيروان أن تناول الخمر في خضم النقاشات الفنية أو الثقافية أو حتى السياسية من السِمات المميزة للفئة التي ينتمي إليها.

ويحتل النبيذ الوردي Le rosé مكانةً خاصة لدى التونسيين وله شعبية واسعة لدى الندماء، وتُنتج مخمرة دومين كوروبي كميات تجارية هامة منه، إلى جانب  12 مخمرة أخرى في إطار شراكة بين عدة ملاكين تونسيين لمزارع الكروم ومستثمر فرنسي.

مصدر اقتصادي هام

تنتج تونس 32 مليون قارورة نبيذ سنوياً، يتم تسويق أغلبها في السوق المحلية، خاصةً في الفنادق والمطاعم السياحية. وتأتي صناعة النبيذ في المرتبة الثالثة بعد زيت الزيتون والقمح على المستوى الزراعي.

وتصل أرباح صناعة النبيذ التونسي إلى 80 مليون يورو (91 مليون دولار) سنوياً، توفر ما يعادل 25 مليون يورو (28 مليون دولار) من الضرائب التي تستفيد منها الدولة، لكن تبقى الصادرات متواضعة نسبياً (لا تزيد عن 11 مليون دولار سنوياً)، بسبب غياب سياسات التسويق في الخارج وصغر مساحات مزارع الكروم، التي تقتصر على 15 ألف هكتار.

وتعتمد تونس النظام الفرنسي لـ "مراقبة المنشأ الجغرافي" للنبيذ الذي يعتبر شهادة مطابقة لمواصفات الجودة، الأمر الذي يؤهل النبيذ التونسي بقوة للمنافسة العالمية وتصدير كميات أكبر. ويأمل القائمون على هذه الصناعة أن تقوم الحكومة التونسية بدور أكبر في دعمها وترويجها عالمياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image