مع دخول فصل الشتاء وبدء حفلات عيد الميلاد وليلة رأس السنة، يحتاج المزاج إلى شيء من النبيذ. وفي قطاع غزة الذي يعتبر مجتمعاً متديناً إلى حد كبير، لا يوجد نبيذ في الأسواق. فحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي سيطرت على قطاع غزة صيف عام 2007، تمنع بيع الخمور وتحظره في القطاع المحاصر. فقد أغلقت جميع الأماكن والمحال التي كانت تبيع المشروبات الروحية وأحرقتها، وفرضت رقابة صارمة على المعابر والأنفاق التي تهرّب البضائع عبرها من مصر، تحسباً لتهريب مواد مخدرة أو مشروبات روحية.
لذلك لجأ غزيون إلى صناعتها في منازلهم. عائلة أم جورج البالغة (51 سنة) واحدة من عشرات العائلات التي تلجأ إلى صناعة المشروبات الروحية في منازلها بقطاع غزة. تقول أم جورج لرصيف22: "كانت المشروبات الروحية متوافرة نوعاً ما في غزة ونشتريها من حين إلى آخر، أما بعد سيطرة حماس على غزة فبات من المستحيل تداولها، لذا نضطر لصناعتها يدوياً". وهي تؤكد أن ما تصنعه في منزلها ليس للبيع، بل للاستخدام الشخصي ولكي تعطي أصحابها المقربين منه.
وهكذا نُعد النبيذ...
تأتي أم جورج بكميات من العنب الأسود الخليلي وتنقعها في جاط مياه ثم تعصرها وتصفيها جيدآ، وتضع عليها شاشاً أبيض حتى تجف. بعد ذلك تضعها في جالونات بلاستيك كبيرة وتترك فراغاً فيها بمقدار 30 سنتيمتراً حتى تستطيع متابعتها وتحريكها بعود خشب كبير لفترة تقارب الـ6 شهور. وبعد التأكد من تخمير العنب، تأتي بشاش أبيض من القطن وتصفّيه وتسكّره وتصبه في عبوات زجاج لكي يكون جاهزاً للشرب. يلجأ محمد (29 سنة) أيضاً إلى تحضير النَّبيذ في منزله منذ أكثر من عامين. يقول لرصيف22: "صناعة النبيذ خارجة عن طبيعة مجتمعي المتدين، لكني أعتبر أن شرب الخمر حرية شخصية، أنا أستخدم موادّ طبيعية، لكن كثراً غيري من الشباب والشابات يلجأون إلى المخدرات وغيرها بعد منع المشروبات الروحية". يعتمد محمد الطريقة نفسها في التحضير، إلا أنه بعد أن يعصر العنب الأسود، يضيف مقادير محددة من السكّر والخميرة قبل أن يعبئه في جالونات بلاستيك ويحكم إغلاقها ببالونات أو قفازات طبية، فهي الأكثر احتمالاً حتى تنتفخ وتعود إلى شكلها الطبيعي.ما رأي القانون؟
للشرطة الفلسطينية في قطاع غزة طريقة خاصة في التعامل مع مصنعي النبيذ المنزلي، مع أنه غير ممنوع وفق القانون الفلسطيني. يقول النقيب حمادة كحيل مسؤول الشؤون القانونية في غزة لرصيف 22: "إن المشروبات الروحية غير ممنوعة ولا نستطيع تقديم أحد إلى القضاء، لكن طبيعة قطاع غزة المحافظ جداً تجعل التعامل أشبه بالواجب الاجتماعي، فيُصادَر ما عند مواطنين وهم قلة ولا يُحبَسون". ويقول كحيل بالنسبة إلى معاقرة المسكرات، ينص القانون الثوري الفلسطيني لعام 1970 قانون منظمة التحرير على "أن كل من وجد في حالة سكر ظاهرة في محل عام مباح للجمهور، يُعاقب بالحبس لمدة شهر أو بغرامة لا تقل عن عشر جنيهات، وإذا تصرف تصرفاً مقروناً بالشغب وإزعاج الناس كانت العقوية ثلاثة أشهر" . ونص قانون المسكرات لعام 1927 أيام الانتداب البريطاني في غزة، على أن "من يصنع المسكرات أو يستعمل جهاز التقطير بهدف بيعها من دون رخصة من وزارة الصحة"، يعتبر مرتكباً جرماً ويعاقب بغرامة مالية قدرها مئة جنيه. ويقول: "أما القانون 7 للمجلس التشريعي لعام 2013، فلم يتطرق إلى عقاب شارب الخمر أو مَن يقوم بتصنيعه وإنتاجه"، ويضيف: "خلال العام الماضي، صودر ما يقارب من 50 زجاجة كحول ممن كانوا يحاولون إدخالها إلى غزة بشكل شخصي، من طريق معبر بيت حانون إيرز".طرق مختلفة
يقول الياس (32 سنة) لرصيف22: "لاحظت في الآونة الأخيرة انتشار المخدرات بشكل كبير، رغم تأثيرها السلبي في المجتمع، فخطورتها تفوق خطورة المشروبات الروحية" . ويتبع طريقتين مختلفتين في صناعة النَّبيذ. يقول لرصيف22: "في نهاية موسم العنب خلال شهر أغسطس من كل عام، أشتري 70 كلغ من العنب الأسود، ثم أفرطه وأنقعه، وبعد ذلك أضعه في برميل وأُخرج منه أنبوباً وأوصله إلى عبوة مياه لكي أضمن خروج الهواء من البرميل وعدم دخول الأوكسجين حتى لا يفسد". ويضيف: "أنتظر لمدة شهر ونصف الشهر تقريباً حتى تنتهي عملية التفاعل، فأراقب عبوة الزجاج بعد انتهاء المدة الزمنية للتفاعل، والتأكد من توقف التخمر، أفتح البرميل وأتذوق النبيذ، ثم أعبئ زجاجات أعدها مسبقاً به، وأحكم إغلاقها وأخزّنها في مكان جاف". ويشير الياس إلى أنه كان يقوم في المواسم السابقة بملأ برميلاً خشباً مبطناً بالنايلون 40 كلغ من قطوف العنب من دون أن يغسلها، ويضيف إليها فنجاناً من الخميرة ثم يغطي البرميل بالنايلون ويواريه في الرمل لعام أو أكثر"، لافتاً إلى أنه لا يستخدم الخلاط الكهربائي كي لا يؤثر طعم البذور المطحونة في النبيذ أو يتسبب في تعفنه. يصبح النبيذ جاهزاً في موسم الأعياد، ويثبت سكان غزة أن الحاجة أم الاختراع. لم ينشر رصيف22 أسماء الشخصيات كاملة حفاظاً على خصوصيتهمرصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 18 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت