دعونا نخبركم عن تونس، المدينة التي تصدح بمعالم التاريخ والحب والجمال. هي المدينة التي أبحرت إليها أليسار أو عليسة، مؤسسة قرطاج هرباً من صور المدينة اللبنانية، فوقعت في حب الأرض، واستقرت فيها ملجأً ووطناً. كيف لا وهي تونس الخضراء، فيها ولد ابن خلدون، ولا يزال تمثاله يقف شامخاً في شارع الحبيب بورقيبة، أشهر شوارع العاصمة. وعلى إحدى بواتها المتموّجة في اتجاه البحر، بنى سيدي أبو الحسن الشاذلي زاويته ودرّس تعاليمه الصوفية.
تأسركم المدينة بقدرتها على جمع كل هذا التاريخ، مع كم هائل من الحداثة، ولتسهيل مهمّة اكتشاف الجانبين، لا تفوّتوا فرصة زيارة مختلف المعالم، حتى إن كانت زيارتكم قصيرة، ولا تتعدى 48 ساعة.
اختاروا دار ضيافة في المدينة العتيقة على غرار دار بن قاسم، التي تبعد 20 دقيقة عن مطار تونس قرطاج الدولي، وهي أحد أفضل الأماكن المناسبة لاستكشاف جانبي المدينة العصري والعتيق، فالدار نفسها تحفة معمارية. يمكنكم أيضاً حضور إحدى الفعاليات الثقافية، التي يحتضنها المكان، واستكشاف الثقافة التونسية عن قرب، فليلى بن قاسم، المالكة، معروفة بدعمها للإبداع الفني والثقافي، وتفتح أبواب دارها للشباب لتنظيم منتديات ولقاءات ومناظرات.
[caption id="attachment_79119" align="alignnone" width="700"] دار بن قاسم[/caption]
افتتحوا نهاركم بفطور تونسي، يتكون أساساً من قهوة بالحليب وصحن زيت زيتون وعسل، ومعجون أوشامية (حلاوة)، وخبز فرنسي ساخن "يقرمش". يمكنكم تناوله في باحة الفندق المشمسة أو على التراس المطل على شوارع المدينة العتيقة، المرصعة أرضها بحجارة بيضاء لمّاعة، والمغلّفة جدرانها بأغصان الياسمين. أما إن كنتم تفضلون تناول الفطور أو فنجان الشاي داخل المدينة العتيقة، فما عليكم إلا أن تتوجهوا إلى قهوة المرابط، وهو مقهى داخل زاوية ولي صالح، يحتوي على قبر لأحد أولياء المدينة الصالحين. بداية اليوم سلسة وهادئة هنا، فمعظم المحالّ تفتح أبوابها بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً. لا وجود للمراكز التجارية، بل محال تقليدية لبيع زيت الزيتون المطعّم بنكهات الحبق وإكليل الجبل، ومتاجر لبيع الحقائب المصنوعة من الجلد الطبيعي، وغيرها من المحال المتخصصة بصناعة الحلي والزخارف والنحاسيات التقليدية.
[caption id="attachment_79113" align="alignnone" width="700"] قهوة المرابط[/caption]
فور الانتهاء من الفطور، ابدأوا رحلتكم من ساحة القصبة، التي تبعد 3 دقائق عن الفندق في المدينة العتيقة، وتتوسط مجمعاً للوزارات والمنظمات الحكومية. لطالما ارتبط اسم هذه الساحة بتاريخ تونس، ما كُتِب منه وما يُكتب الآن. ففيها ضريح الشهيد فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، وفيها أيضاً حدثت اعتصامات الثورة التونسية وما بعدها. وإذا وصلتم في الوقت المناسب، لا تفوتوا مراسم تحية العلم في الصباح الباكر، أو وقت الغروب.
[caption id="attachment_79108" align="alignnone" width="700"] ساحة القصبة[/caption]
توجهوا بعدها إلى أسواق المدينة العتيقة، واستمتعوا بجولة في متاهة من الأزقة الضيقة، المغطاة بالقباب، ومتعوا حواسكم برائحة البخور والعنبر، والألوان الزاهية التي تملأ المكان. هنا تسمعون الباعة يتكلمون العربية بلهجة مطعّمة بالفرنسية والإيطالية والإنجليزية، والتشيكية والروسية والإسبانية وغيرها. لا تستغربوا فلقد تعلموها كلها في السوق.
المدينة مقسمة إلى أسواق حسب الاختصاص، كسوق البركة وسوق الذهب ووسوق الشواشين (الشاشية هي القبعة التقليدية الحمراء المصنوعة من الصوف)، وسوق العطارين للعطور والبخور، وسوق البلاغجية حيث تباع البلغة، أي الحذاء التونسي التقليدي، وسوق البلاط، وسوق الأعشاب الطبية وغيرها.
أجمل ما يمكن القيام به في تونس العاصمة خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلةبعض الباعة قادرون على توقع جنسيتكم دون أن تتكلموا فيكلمونكم بلغتكم. مهارة يعتبرونها "ماعون خدمة"، أو أدوات العمل. الكل يدعوكم للدخول إلى محله ويصر على ذلك، لا تترددوا في الدخول فكل واحد من هذه المحالّ عبارة عن متحف: تحف ديكور يدوية الصنع، وملابس تراثية، كالسفساري الحريري و'مريول فضيلة'، والجبة والبرنوص، والحلقة والحزام والشيشخانة والريحانة، وهدايا وآلات موسيقية، وجِمال خشبية، ومسابح من عنبر، كلها تتشارك المكان نفسه. بعد أن تنتهي جولتكم في الأسواق المكتظة بالحياة، يمكنكم التوجه إلى فندق العطارين، "بش تفطر" طبعاً، لقد حان وقت الغداء. مكان هادئ وراقٍ يختص أساساً في الأكلات التونسية، كالكسكسي بالعصبان أو باللحمة أو بالحوت أي السمك، والسلطة المشوية بزيت الزيتون والتونة، أو السلطة الخضراء والطاجين وغيرها. لا تفوتوا الكسكسي بالحوت مع صحن 'سلاطة' مشوية و'بريكة بعضمة مروّبة'، هكذا، ستتذوّقون الأكل التونسي على أصوله. باحة المطعم مغطاة بالزجاج، ومجهزة بمكيف، فيمكن للزائر الاستمتاع بأشعة الشمس من دون إزعاج صيفاً. الأشجار الصغيرة التي تزين المكان، ورائحة شجرة الفل، والموسيقى الهادئة، ستأخذكم في رحلة قصيرة إلى الأندلس وتعطيكم من الطاقة ما يكفي للعودة إلى زحام الأزقة والطرقات. [caption id="attachment_79128" align="alignnone" width="700"] فندق العطارين[/caption] فور الانتهاء من الغداء، توجهوا إلى جامع الزيتونة الواقع في الزاوية على بعد أمتار، وهو أحد أشهر المعالم التاريخية الإسلامية في المدينة، وثاني أقدم مسجد في تونس. تم إتمامه عام 732، وهو أكبر الوجهات السياحية فيها. توجهوا بعد ذلك إلى شارع الحبيب بورقيبة، وهو مركز المدينة وحبلها السري، الذي يصل جانبها العتيق الذي يحده باب بحر، بالجانب العصري الذي تحده محطة قطار الضاحية الشمالية. [caption id="attachment_79109" align="alignnone" width="700"] جامع الزيتونة[/caption] ساعتان كافيتان لزيارة أهم المعالم في هذا الشارع. فور خروجكم مشياً من أزقة المدينة العتيقة، يعترضك باب بحر، وهو أحد أبواب تونس العتيقة التسعة عشر، وعلى بعد نحو 200 متر، يقف ابن خلدون، ماسكاً مقدمته بين يديه، وعلى يساره في الجهة المقابلة للشارع، يفتح يسوع ذراعيه لزوار الكاتدرائية. توغّلوا إلى قلب الشارع بعدها، لتأخذوا صوراً للمسرح البلدي، الذي يعود بناؤه إلى عام 1902. هنا القلب النابض للشارع، حيث سترون الناس موزعين على مقاهي الرصيف. على الدرج ستجدون حبيباً يختلس قبلة من حبيبته على غفلة من المارة، حسناء تأخذ سلفي مظهرةً كل ما يمكن إظهاره من مفاتنها، وشباباً يلعبون الورق، مراهقاً يراقب مرور الوقت وآخر بجانبه، يتوجه بكلمة إلى متابعيه على Snap Chat. مجموعة من "الهرادس"، كما يُطلق عليهم، وهم عشاق الـHard Rock، بمظهرهم الداكن يلعبون على الغيتار. ستسمعون قهقهات في الزحام، اختلفت معانيها وأسبابها، لكنها اتفقت جميعها على الاستمتاع بأجواء وصخب المدينة. [caption id="attachment_79122" align="alignnone" width="700"] كاتيدرائية تونس[/caption] إذا شعرتم بالجوع، فالعشاء جاهز في دار الجلد، وهو مطعم يقدم وجبات تونسية وعالمية فاخرة. لكن إذا كنتم لا تمانعون في زيارة المطاعم الشعبية، فعليكم بمطعم ولد الحاج في باب سويقة. أطلبوا "كسكروت"، سندويش كفتاجي أو عياري "بزايد هريسة"، أو شطّة أو صحفة لبلابي، "الكله بنين"، ولا ألذ تحضيراً للسهرة. [caption id="attachment_79116" align="alignnone" width="700"] دار الجلد[/caption] هذا إن كنتم من عشاق السهرات الشبابية، والموسيقى العالمية، فـ"الكاربيديم" Le Carpe Diem مكان ولا أروع لذلك. هنا صخب الحياة. ستجدون أنواعاً مختلفة من الموسيقى كل ليلة، من الهيب هوب للإلكترو والـR&B وصولاً للفرق الشبابية المحلية. الكوكتيلات رائعة أيضاً، ولكن لا بدا أن تجربوا السلتيا Celtia، وهي البيرة التونسية التي يعتبرها التونسيون مشروباً وطنياً. [caption id="attachment_79123" align="alignnone" width="700"] أجواء الكاربيديم[/caption] الرحلة لا زالت في أولها. تناولوا فطوركم في مقهى العلي في قلب الأسواق العتيقة، ثم توجهوا إلى شارع الحبيب بورقيبة لركوب المترو رقم 4، أو التاكسي، لزيارة متحف باردو في الفترة الصباحية. أما إذا كنتم على عجلة من أمركم، وتودون الاستفادة القصوى من زيارتكم، فتوجهوا مباشرةً إلى قرطاج، لتسافروا أكثر من 3000 سنة في ذاكرة تونس الفينيقية والرومانية والمسيحية.
دليل مفصّل لـ48 ساعة من العشق في بيروت
من أبرز الأماكن التي يجب زيارتها: متحف قرطاج والمسرح الأثري، الذي يحتضن مهرجان قرطاج الدولي، وكاتدرائية سانت لويس (Saint Louis Cathedral) المعروفة بـ"الأكروبوليوم" (Acropolium) والعديد من الأماكن الأخرى، كحمامات أنطونينوس، ومقام القرابين. إذا ضربكم الجوع، تحرّكوا إلى فندق Villa Didon Carthage للغداء. يقع الفندق على ربوة، ويطل على مدينة قرطاج والساحات الخضراء الشاسعة والممتدة على الشاطئ. أطلبوا سمكاً مشوياً على الطريقة التونسية، وطاجين، وإذا كنتم من عشاق النبيذ، لا تفوتوا تجربة نبيذ فيو ماجون Vieux Magon التونسي. [caption id="attachment_79126" align="alignnone" width="700"] حمامات أنطونينوس[/caption] بعد الظهر، شوارع سيدي بوسعيد بانتظاركم للسباحة و"البرونزاج" في شاطئ أميلكار، الجزء السفلي للقرية، إذا كان الجو حاراً، أو إلى مقهى الميناء إذا كان بارداً. بعد العصر، يمكنك الانتقال إلى الجانب العلوي من القرية البحرية، حيث تعبق الشوارع الضيقة بروائح الفل والياسمين القادمة من حدائق المنازل. تتميز سيدي بوسعيد باللّونين الأبيض والأزرق، والقباب والشوارع الضيقة، والأبواب الزرقاء المرصعة بأقراص حديدية سوداء. أطلبوا كأس شاي تونسي "كاس تاي بالبندق" أي بالصنوبر، في القهوة العالية، أو قهوة سيدي الشبعان، التي تغنى بها الفرنسي باتريك برويال Patrick Bruel في أغنيته كافي دي ديلس Café Des Delices. [caption id="attachment_79124" align="alignnone" width="700"] Cafe Des Delice[/caption] وإذا كنتم ممن شاهدوا فيلم "صيف في حلق الوادي" A Summer in La Goulette، وما تزالون تمتلكون الطاقة لاستكشاف هذا المكان الساحر في الفترة المسائية، إذن هيا بنا! حلق الوادي حياة داخل الحياة، هي ضاحية صقلية على الجانب الجنوبي للمتوسط، فيها ولد وعاش العديد من الفنانين الأوروبيين- التونسيين المشهورين كالإيطالية-التونسية كلاوديا كاردينال، والتونسي- الفرنسي هنري طيبي الذي تغنى بصيفها في أغنية La Goulette. توجهوا إلى شارع روزفلت، لتستمتعوا بأشهى أكلات السمك في مطعم Le Chalet، الدوراد Dorade والقاروس والسباغيتي في Fruits de mer، والبريك بالتونة، كلها لها طعم خاص هنا. بعد ذلك، اشتروا بعض المكسرات، واجلسوا على تراس مقهى ميلاد بالكورنيش. لا تترددوا في طلب قهوة عربية بالزهر، واستمتعوا بأغاني أم كلثوم والشيخ إمام، أو الهادي الجويني وصليحة وسيدي علي الرياحي، واحمل معك كل هذا الجمال أينما ذهبتم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...