اعتبر علماء النفس أن الظلال الوردية قادرة على التقليل من العدوان، من هنا تم استخدام اللون الوردي في بعض السجون لتقييد السلوك العدواني بين السجناء، ومن ناحيةٍ أخرى يعتبر هذا اللون "صديق" الحركات النسوية ورمزاً من رموز الإثارة الجنسية. فما هي الجوانب الخفية التي تميز التاريخ الثقافي للون الوردي وكيف انتقل مع الوقت من عالم الذكورية بامتياز إلى عالم الأنوثة المفرطة؟
تكريس القوالب النمطية
عندما نفكر باللون الوردي، تُستحضر في مخيّلتنا فوراً صور الفتيات الصغيرات اللواتي يتباهين بثيابهنّ الوردية أمام المرآة، وينجذبن نحو أميرات ديزني اللواتي يتميّزن بفساتينهنّ المصبوغة باللون الزهري. في الواقع منذ أن يدرك الأهل الهوية الجنسية لمولودهم الجديد، يجهزون كل الترتيبات اللازمة لاستقباله وفق الأسلوب التقليدي المترّسخ في أذهانهم: الأزرق للصبي واللون الوردي للفتاة، فيختارون لون الزينة وغرفة النوم والملابس بحسب جنس المولود، وهكذا يكرّسون بطريقةٍ غير مباشرةٍ الصورة النمطية التي ورثوها عن الأجيال السابقة. ولكن هل تعكس المعايير الجنسانية الاختلافات البيولوجية بين الجنسين أم أن المسألة كلها متعلقة بالشق الثقافي؟ أكد موقع bigthink أنه من الصعب على العلماء العثور على إجابةٍ شافيةٍ على هذا السؤال الدقيق، غير أن عالم الاجتماع "ماركو ديل غويديس" اعتبر أن هناك تداخلاً بين العوامل الثقافية والبيولوجية، خاصةً بعدما وجدت دراسة صدرت في العام 2007 أن الذكور والإناث قد يكونون حساسين لمناطق مختلفة من سلم الألوان.المرحلة الإنتقالية
بالرغم من أن اللون الوردي يرتبط اليوم بالأنوثة وبعالم الفتيات، فإن الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى هذا اللون قد تبدّلت على مر السنين. ففي علم النفس البشري، تم ربط اللون الزهري بعالم الأنوثة وما يقترن به من قوالب نمطية: الضعف والخجل والهدوء، إلا أنه وفق المؤرخة "آنماري أدامز" فإن هذا اللون لم يكن يشير في السابق إلى الأنوثة، لكونه كان من الشائع أن ترتدي البنات اللون الأزرق فيما تختار الأمهات اللون الزهري للأولاد الذكور، لكونه كان يحمل سمات الرجولية.المفهوم القديم للون الوردي كمرادفٍ للأنوثة الهشة التي قدمها الغرب قبل 150 عام قد بدأ يهتز، لكون هذا اللون انتقل إلى مرحلةٍ مميزةٍ. إنه لون مفعم بالحيوية، عابر للهوية الجنسية، إنه قوي. وُجد لكي يبقى.
اقترن اللون الوردي أيضاً بعالم الإثارة الجنسية وبالإيروتيكية لكونه يوحي بالعريّ، وعليه إزداد الإقبال على اللون الزهري وأصبحت الملابس الداخلية الوردية اللون شائعة بشكلٍ متزايدٍ.فقد أوضحت خبيرة الألوان "لياتريس إيزمان" أن اللون الزهري ارتبط باللون الأم وهو الأحمر الذي يدلّ على الشغف والقوة والعدوانية، وبالرغم من تخفيض مستوى ظله إلا أن اللون الوردي إرتبط لفترةٍ طويلةٍ بعالم الذكور. كما كشف مقال نُشر في مجلة The Infants في العام 1918 بعنوان: "وردي أم أزرق" أن القاعدة العامة كانت تنص على أن اللون الوردي للبنين والأزرق للبنات، والسبب يعود إلى القوة التي يحملها اللون الزهري مما يجعله ملائماً أكثر لشخصية الذكور. فكيف انتقل هذا اللون من عالم الرجال إلى عالم النساء؟ اعتبرت "فاليري ستيل"، صاحبة كتاب Pink: The History of a Punk, Pretty, Powerful Color, أن اللون الوردي لطالما كان في مرحلةٍ انتقاليةٍ، وكذلك المواقف الاجتماعية تجاهه:"إذا عدنا إلى القرن الثامن عشر، لوجدنا أن الصبيان والفتيات من الطبقات الراقية كانوا يرتدون الألوان الوردية والزرقاء وغيرها من الألوان بشكلٍ موحد".
وخلال العامين الماضيين حين كانت "فاليري" تغوص في تاريخ الألوان، لاحظت أن الناس بدأت تتخذ موقفاً جديداً تجاه هذا اللون:" لقد رأينا صعود اللون الزهري مع النسويات حول العالم اللواتي اعتبرنه علامةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ قويةٍ"، هذا وأشارت إلى أن المفهوم القديم للون الوردي كمرادفٍ للأنوثة الهشة التي قدمها الغرب قبل 150 عام قد بدأ يهتز، لكون هذا اللون انتقل إلى مرحلةٍ مميزةٍ، على حدّ قولها: "إنه لون مفعم بالحيوية، عابر للهوية الجنسية، إنه قوي. وُجد لكي يبقى". إن مسار اللون الزهري غنيّ بالتقلبات والتغيّرات التي طرأت عليه وعلى نظرة الناس له، ففي الغرب أصبح اللون الوردي رائجاً في منتصف القرن الثامن عشر، عندما بدأ الأرستقراطيون الأوروبيون يرتدون الملابس الوردية كرمزٍ للرفاهية، وفي تلك الحقبة لم يكن هذا اللون حكراً على أي جنس، لأن الرضع من كلا الجنسين كانوا يرتدون الملابس البيضاء، مع العلم أن الصبيان كانوا يميلون إلى اللون الوردي لكونه يحمل نفحةٍ "ذكورية" كما أشرنا في السابق.
أما ارتباط اللون الوردي بالبنات فقد بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، وفق ما تؤكده "فاليري ستيل" بالقول:" أصبح الرجال في الغرب يرتدون الملابس الداكنة والرصينة، تاركين الخيارات الأكثر إشراقاً إلى الإناث"، من هنا بدأ "تأنيث" اللون الوردي الذي أصبح يجسّد الرقة والنعومة، وبحلول الخمسينات من القرن الماضي، أصبح اللون الزهري أكثر تشابكاً بالهوية الجنسية وذلك بفضل سياسة التسويق في أميركا ما بعد الحرب إذ استخدمته كرمز للأنوثة المفرطة، مما عزز الصورة النمطية الشائعة اليوم: الوردي للفتيات والأزرق للفتيان".
هذا التغيير لن يحصل ما لم يتوقف الرجال عن تبرير ارتدائهم للون الزهريواللافت أن اللون الوردي اقترن أيضاً بعالم الإثارة الجنسية وبالإيروتيكية لكونه يوحي بالعريّ، على حدّ قول "ستيل"، وعليه إزداد الإقبال على اللون الزهري وأصبحت الملابس الداخلية الوردية اللون شائعة بشكلٍ متزايدٍ، وكذلك تم التشديد على الإثارة التي يحملها هذا اللون في الأدب والفن وعلاقته بالجسم الأنثوي. ونتيجةً لذلك، انتقل اللون الوردي من لون خاص بالطبقة الراقية إلى لون مبتذل بيد الطبقة العاملة، وبات اللون المفضل لدى العاملات في مجال الدعارة بعد أن وجدن أنه يشعل الحماسة الجنسية.
دلالات مثيرة للجدل
استعاد اللون الوردي بعض جاذبيته في ستينات القرن الماضي، حين اعتمدته بعض الشخصيات العامة على غرار "مارلين مونرو" و"جاكي كينيدي" كعلامة على الفخامة، وبالرغم من ذلك بقي هذا اللون مصدراً للجدل والنقاشات المفتوحة، بحسب قول "ستيل":" أعتقد أن اللون الوردي هو واحد من أكثر الألوان إثارةً للجدل. إنه يثير عواطف قوية، سواء كانت جيدة أم سيئة".وبالرغم من طابع الإثارة والأنوثة، إلا أن اللون الزهري اقترن أيضاً بالتحركات الاحتجاجية وحملات التوعية في بعض المجتمعات، فقد استخدمت على سبيل المثال المثلثات الوردية من قبل النازيين في معسكرات الإعتقال للتعرف على المثليين الجنسيين، إذ كان هذا اللون رمزاً لنشاط المثليين في السبعينات، إضافةً إلى أنه كان يطلق على مرض الإيدز في فرنسا اسم "الطاعون الوردي". ومع الوقت اكتسب اللون الوردي قوةً وبات يحمل رسائل إجتماعية مهمة: فقد تم استخدامه في الحملات الهادفة إلى التوعية من مرض سرطان الثدي، أما في الولايات المتحدة الأميركية فقد لجأت السيدات إلى اللون الوردي في التظاهرات للتأكيد على حقوقهنّ الاجتماعية والجنسية.
ولكن ماذا عن رجال اليوم الذين يرتدون الملابس الوردية؟
اعتبرت "جو باوليتي"، صاحبة كتاب Pink and Blue: Telling the Girls From the Boys in America أنه لا يمكن لرجال اليوم أن يختاروا اللون الوردي من دون أن يكون هناك تصريح ضمني عن موقفٍ معيّنٍ. فقد أوضحت "باوليتي" أنه في حال كان أحد أصدقائها الذكور يضع ربطة عنق وردية اللون أو يرتدي قميصاً زهرياً، فسوف يعمد إلى تبرير ذلك من خلال القول مثلاً:" أنا شخص نسوي، لست متمسكاً بالأدوار الجنسية". وتؤكد "باوليتي" أننا لم نصل بعد إلى النقطة التي يكون فيها اللون الوردي مجرّد لون كسائر الألوان الأخرى، معربةً عن أملها في أن يتغيّر هذا الوضع في نهاية المطاف، مشددةً على أن هذا التغيير لن يحصل "ما لم يتوقف الرجال عن تبرير ارتدائهم للون الزهري".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.