يعاني الناس بشكلٍ عام من العديد من المخاوف الغريبة، إلا أن هناك خوفاً واحداً يختبره معظم الأشخاص في مرحلةٍ من مراحل حياتهم: الخوف من الظلام ومن السواد القاتم. على مدى مئة عامٍ تقريباً، شهد اللون الأسود تحولاً كبيراً إذ شق طريقه تدريجياً من كونه لوناً مرتبطاً بالحزن إلى اللون الذي يطغى على عالم الموضة، ومع ذلك بقي الخوف من هذا الأسود مترسخاً في ذهن العديد من الأشخاص، مما ولد لديهم أيضاً الخوف من الليل. فما هي "سيكولوجية" اللون الأسود؟ ولماذا يشعر البعض بالخوف من الظلام؟
قوة اللون الأسود
من يتابع الأفلام يلاحظ دوماً أن هناك جرعة من "السواد" تطغى على أكثر المشاهد إثارةً وتشويقاً، فالمطاردات البوليسية ومشاهد "الأكشن" تكون مصورة في الليل، كما أن مشاهد القتل والخطف والسرقة لا تكون في وضح النهار بل في الظلام الدامس، أما الغرض من ذلك فهو زيادة معدل ضربات القلب لدى المشاهدين وجعلهم يتسمرون أمام الشاشة ويلمسون الخوف والرعشة.يحمل اللون الأسود رمزية معيّنة، وبالرغم من أنه بات خيار الناس الأول في المناسبات الراقية، فإنه اللون الذي لطالما إرتبط بالحزن وبالجنازات بحسب العديد من الثقافات. تعتبر "لياتريس إيزمان"، الخبيرة في الألوان، أن البشر ربطوا بشكل وثيق "المجهول" باللون الأسود، لكون هذا الأخير يمنعهم من رؤية الأشكال ويحجب التهديدات المحتملة: "نظرتنا للألوان الموجودة في الطبيعة لها تأثير مهم على النفس البشرية، ونحن نعرف منذ البداية أن الأسود هو لون الليل وهو اللون الذي يمكن أن يخفي الأفعال الشنيعة التي قد تُرتكب تحت غطاء الظلام".
مخاوف غير عقلانية
"الخوف كالألم، موجود لحمايتنا من أي ضررٍ محتملٍ، لذلك يجعلنا أكثر يقظةً لخطرٍ محتملٍ"، هذا ما قاله أستاذ علم النفس ومؤلف "The Anti-Anxiety workbook"، مارتن أنتوني، مشيراً إلى أنه مع الوقت طور البشر "نزعة" الخوف من الظلام. غالباً ما تنقسم المخاوف والهواجس إلى مجموعتين: بعض المخاوف تحصل بناء على تجارب حياتية محددة، في حين أن المخاوف الأخرى تكون "عالمية وبالفطرة"، ولعلّ الخوف من الظلام الذي يُعرف باسم "رهاب الظلام" Noctiphobia يندرج ضمن الفئة الثانية، لأنه الخوف الذي يتشارك فيه الناس بالإجمال، ومن أبرز أعراضه نوبات الهلع أثناء الليل والقلق الشديد وصولاً إلى الاكتئاب. يعتبر "رهاب الظلام" من أكثر أنواع الفوبيا انتشاراً بين الأطفال. فبحسب موقع "كات" فإن الأطفال هم أكثر عرضةً للتعرض إلى الخوف من الظلام، نتيجة خوفهم مما هو غير متوقع، إضافة إلى خيالهم الواسع.من هنا أوضح عالم النفس "توماس أولنديك" "أن الأطفال يصدقون كل شيء يمكن تخيله"، مما يولد لديهم مخاوف ليلية تتعلق بقدوم اللصوص أو التعرض للخطف أو قدوم شخص ما ليسرق ألعابهم منهم... بعبارة أخرى تساوي عقولهم الظلام بالجانب المرعب من الإحتمالات المفتوحة.
الخوف من النوم
"إن الظلام والسكون والوحدة والأعصاب المتوترة يمكن أن تفعل بعقولنا الأفاعيل".( مصطفى محمود). لا ينحصر "رهاب الظلام" بالأطفال بل يشكل خوفاً شائعاً لدى البالغين أيضاً، بحيث يتطور لدى البعض مع مرور الوقت ويصبح خوفاً مفرطاً وغير عقلاني مما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية ويتحول بشكلٍ رئيسي إلى عائق يحول دون استسلامهم للنوم. فقد وجدت دراسة حديثة أن الأرق لدى بعض البالغين قد يكون على صلة وثيقة بخوفهم من الظلام.وفي التفاصيل التي نشرتها صحيفة التايم الأميركية أن الباحثين من جامعة رايرسون في تورنتو قاموا باستجواب 93 طالباً، فطلبوا منهم تعبئة إستمارات تتعلق بسلوك نومهم، وعما إذا كانوا يخافون من الظلام في طفولتهم وعما إذا كان هذا الهاجس لا يزال يطاردهم حتى هذه المرحلة من عمرهم... والمفارقة أن نصف هؤلاء المشتركين اعترفوا بخشيتهم من الظلام وبأن هذا الخوف يؤثر سلباً على نومهم. وقد علّقت الدكتورة كولين كارني، الأستاذة في علم النفس، على هذه النتائح بالقول:" لم نتوقع أن يعترف الأشخاص بخوفهم من الظلام على اعتبار أن هذا الخوف مرتبط في الغالب بالأطفال"، وبالتالي يشعر البالغون بالحرج من فكرة الإفصاح عن خوفهم من الأماكن المظلمة، مشيرةً إلى أن الدراسة أثبتت أن الأشخاص الذين يعانون من الأرق اختبروا قلقاً استباقياً من الظلام. via GIPHY
في المقابل، إعتبرت الباحثة أنه في بعض الأحيان يختلط الخوف من الظلام ببعض المخاوف الأخرى، وبالتالي يخطىء البعض في تحديد الخوف الرئيسي الذي يمنعهم من النوم: "يختلف الرهاب من الظلام عن الخوف من العناكب إذ لا يعرف الناس بالضرورة أنهم يعانون من هذه المشكلة". وتشرح كارني: "قد لا يتمكن الفرد من النوم بمجرد أن يشعر بالظلام ويبدأ عقله بالتجول، فيفكر: ماذا لو اقتحم شخص ما منزلي؟ وبالتالي عوضاً عن الاعتراف بخشيته من الظلام يفترض أن لديه خوفاً من اللصوص".