شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
علاقات قديمة مع إسرائيل وتقارير عن لقاءات جديدة... هل يركب السودان قطار التطبيع؟

علاقات قديمة مع إسرائيل وتقارير عن لقاءات جديدة... هل يركب السودان قطار التطبيع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 30 نوفمبر 201805:50 م
انتشرت خلال الأيام الماضية تقارير عدّة عن اقتراب السودان وإسرائيل من تطبيع العلاقات بينهما وتبادل الزيارات بين مسؤوليين من كل من الدولتين، على الرغم من استمرار الخرطوم في التأكيد على أن العداء مع إسرائيل "مستمر إلى يوم الدين". ووفقاً لتقارير إسرائيلية، لا يتم تعريف السودان في القانون الإسرائيلي كدولة معادية، أما في القانون السوداني فتُعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا يسمح للمواطنين السودانيين بالدخول إليها. في الماضي، استخدمت إيران السودان كقاعدة لتهريب الأسلحة إلى غزة، كما أقامت بالقرب من العاصمة الخرطوم مصنعاً لتصنيع الصواريخ لصالح حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. وتعرضت السودان بين عامي 2008 و2014، لعدة غارات جوية إسرائيلية، استهدفت شحنات أسلحة كانت ستُرسَل إلى غزة، وسفينة حربية إيرانية راسية في بورتسودان، ومصنعاً للصواريخ.

تاريخياً... ما شكل العلاقة بين السودان وإسرائيل؟

كان السودان أول محطة عربية انطلق منها قطار التطبيع مع إسرائيل، وذلك في إطار مساعي الخرطوم للحصول على الاستقلال عن مصر وبريطانيا. وأثناء زيارة إلى العاصمة البريطانية لندن للقاء مسؤولين بريطانيين من أجل المطالبة بدعم استقلال السودان عن مصر، اجتمع الصديق المهدي، الابن الأكبر للسياسي عبد الرحمن المهدي، ونائب الأمين العام لحزب الأمة محمد أحمد عمر مع مسؤولين إسرائيليين في السفارة الإسرائيلية في لندن، في 17 يونيو 1954، واتفقا على أن يكون عُمَر رجل الاتصال الدائم بين الجانبين. وبعد فترة وجيزة من ذلك اللقاء، التقى مسؤولو حزب الأمة السوداني مع محافظ بنك إسرائيل دافيد هوروفيتس في العاصمة التركية إسطنبول، من أجل بحث "فصل السودان عن أي اعتماد اقتصادي على مصر". واتفق الجانبان على منح مساعدات مالية لحزب الأمة على شكل قروض لتمكينه من مواجهة النفوذ المصري في السودان، كما اتفقا على استثمار إسرائيل أموالاً في مشاريع اقتصادية في السودان، وفي مشاريع تدرّ أرباحاً مالية على حزب الأمة. واقترح الحزب السوداني على المسؤولين الإسرائيليين شراء القطن من أراضي المهدي، زعيم الحزب، لثلاث سنوات مقدماً، بمليون ونصف مليون جنيه إسترليني. ووفقاً لتقارير منشورة، تكثفت الاتصالات بين إسرائيل وحزب الأمة السوداني عشية العدوان الثلاثي الإسرائيلي-الفرنسي-البريطاني على مصر للضغط على القاهرة، وجرى الاتفاق على تقديم إسرائيل قرضاً لحزب الأمة السوداني قيمته 100 ألف دولار من غير ضمانات، وقرضاً آخر للمهدي قيمته 300 ألف دولار، مقابل ضمانات. وبحث الجانبان إقامة بنك زراعي في السودان من أجل إدارة ملف الاستثمارات الإسرائيلية هناك، واقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية دافيد بن غوريون أن يسافر المدير العام لوزارة الزراعة الإسرائيلية إلى الخرطوم، لبحث النشاط الإسرائيلي في السودان. وفي سبتمبر 1956، زار زعيم حزب الأمة السوداني مصر، برفقة صديقه الشخصي رئيس البرلمان السوداني محمد صالح الشنقيطي، وأجريا محادثات مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وقدم الشنقيطي تقريراً إلى مسؤول إسرائيلي في جنيف، في 27 سبتمبر 1956، عن تلك المحادثات. وعقدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مئير اجتماعاً رسمياً سرياً مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل في صيف 1957 في أحد فنادق باريس. وتقول التقارير أيضاً إن رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي دعا عام 1979 خمسة مسؤولين من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى الخرطوم للقاء الرئيس السوداني جعفر النميري هم: يعقوب نمرودي ودافيد كيمحي وآل شفايمر ورحافيه فاردي وهانك غرينسبان، وذلك لبحث سبل دعمه داخلياً. وتشير التقارير أيضاً إلى أن أرييل شارون التقى في مزرعه يمتلكها عدنان خاشقجي في كينيا مع الرئيس السوداني جعفر النميري ورئيس المخابرات السودانية عمر محمد الطيب وكل من عدنان خاشقجي ويعقوب نمرودي وآل شفايمر. وفي بداية عام 1980، وصل إلى الخرطوم مسؤول في جهاز الموساد واجتمع مع عمر محمد الطيب ومسؤولين سودانيين آخرين من أجل الاتفاق على نقل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الخرطوم.

هل تَجري حالياً اتصالات بين السودان وإسرائيل؟

تكشف تراجي مصطفى أبو طالب، رئيسة "جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية"، أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان أجرى مؤخراً اتصالات مباشرة مع إسرائيل بدون وسطاء. وقالت أبو طالب من كندا لرصيف22 إنها مطلعة على الاتصالات التي يجريها الحزب الإسلامي الحاكم مع إسرائيل، مشيرة الى أن المباحثات مستمرة بين الجانبين من أجل الاتفاق على بعض القضايا السياسية والاقتصادية. وذكرت أن تل أبيب تريد إبعاد السودان عن المعسكر الإيراني ومنع تدفق أية أسلحة من الموانئ السودانية إلى سيناء ثم إلى حماس، كما تريد من السودان وقف الهجرة غير الشرعية القادمة من إفريقيا باتجاه إسرائيل. أما المطالب السودانية، وفقاً لأبو طالب، فتمحورت حول مساعدة الخرطوم في التكنولوجيا والاقتصاد، لا سيما أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية، مشيرة إلى أن الحزب الحاكم يريد أيضاً كسر العزلة الدولية والحصول على استثمارات غربية ورفع العقوبات الأمريكية على السودان. وقالت أبو طالب التي استقبلها الرئيس السوداني عمر البشير عام 2016 في الخرطوم إن الدول المجاورة للسودان سواء تشاد أو إثيوبيا أو مصر باتت على علاقة وثيقة مع إسرائيل، لذلك لا يمكن أن تكون الخرطوم بمعزل عمّا يجري حالياً من إعادة ترتيب للعلاقات الإفريقية الإسرائيلية. في يناير 2016، أكد وزير الخارجية السوداني السابق إبراهيم غندور أن السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل، كما كشفت وكالة السودان للأنباء (سونا) في ذلك الوقت أن مسألة التطبيع مع إسرائيل كانت موضوعة ضمن جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني. وأشارت الوكالة إلى أن أغلبية أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مؤتمر الحوار الوطني يوافقون على إقامة علاقات "مشروطة" مع إسرائيل. وكشفت تسريبات ويكيليكس أن المستشار السابق للرئيس عمر البشير مصطفى عثمان إسماعيل، اقترح على الولايات المتحدة أن تتضمن عودة العلاقات مع واشنطن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ففي وثيقة، أكّد إسماعيل للقائم بأعمال السفير الأمريكي سابقاً في الخرطوم ألبرتو فرنانديز، أنه "إذا مضت الأمور بصورة جيدة مع الولايات المتحدة، فقد تساعدوننا في تسهيل الأمور مع إسرائيل، الحليف الأقرب لكم في المنطقة". وفي أغسطس 2017، قال وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي في مقابلة معه إنه يدعم علناً تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإسرائيل. وتضم قائمة التصريحات الصادرة عن الحزب السوداني الحاكم والتي تنادي بالتطبيع مع إسرائيل كرم الله عباس الشيخ، والي ولاية القضارف الأسبق الذي أعلن انتماءه إلى مدرسة داخل الحزب الحاكم تطالب بالتطبيع، وكذلك الرئيس السابق للجنة الاستثمار والصناعة في البرلمان السوداني عبد الحميد موسى كاشا الذي طالب بالتطبيع مع إسرائيل قائلاً: "ما دمنا قد قبلنا بأمريكا فلنقبل بإسرائيل".

تركيا تستضيف اجتماعات بين سودانيين وإسرائيليين

كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن تل أبيب تعمل حالياً على بناء علاقات مع السودان، مشيرةً إلى أن إسرائيل حثت واشنطن ودولاً أخرى على تحسين علاقاتها مع الخرطوم منذ عامين، وذلك بعد أن قطعت الأخيرة علاقتها مع إيران. وقالت الصحيفة إن تطبيع العلاقات مع السودان يعني تقليل كبير في ساعات الرحلات الجوية للطيران الإسرائيلي المتجه نحو أمريكا الجنوبية. وأشار تقرير للقناة العاشرة الإسرائيلية إلى أن مسؤوليين في وزارة الخارجية الإسرائيلية التقوا سراً مع مسؤولين في المخابرات السودانية في إسطنبول قبل عام في محاولة من تل أبيب لإقامة علاقات مع الخرطوم.
رئيسة "جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية" تقول إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان أجرى مؤخراً اتصالات مباشرة مع إسرائيل بدون وسطاء، وإن مباحثات مستمرة بين الجانبين من أجل الاتفاق على بعض القضايا السياسية والاقتصادية
تقارير عن اتجاه السودان نحو التطبيع مع إسرائيل... كانت الخرطوم أول محطة عربية انطلق منها قطار التطبيع مع إسرائيل، فقد اجتمع مسؤولون من "حزب الأمة" مع مسؤولين إسرائيليين في السفارة الإسرائيلية في لندن عام 1954، في إطار مساعي السودانيين للاستقلال عن مصر
وجاء في التقرير أن الاجتماعات بين الجانبين عُقدت في مكاتب رجل أعمال تركي مقرّب من الرئيس البشير، وأن الجانبين ناقشا خلال الاجتماع العلاقات بين إسرائيل والسودان والمساعدات الإسرائيلية للخرطوم في مجالات الاقتصاد والصحة والزراعة. والدبلوماسي الإسرائيلي الذي شارك في الاجتماع هو بروس كاشدان، وهو دبلوماسي مخضرم عمل منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي مبعوثاً خاصاً لوزارة الخارجية إلى دول الخليج، ويشغل حالياً منصب مبعوث خاص للسودان. وذكر التقرير أن كاشدان التقى مع وفد برئاسة أحد مساعدي الرئيس السوداني وهو محمد عطا، سفير السودان حالياً لدى الولايات المتحدة، مضيفاً أنه تم تعيين الأخير من قبل البشير مسؤولاً عن "الملف الإسرائيلي".

السودان الرسمي... نفي متواصل

تحاول التصريحات السودانية الرسمية تكذيب كل ما يرد في التقارير المذكورة. فقد نفى وزير الإعلام السوداني بشارة جمعة المزاعم الإسرائيلية عن زيارة مرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الخرطوم، أو الحديث عن تطبيع العلاقات، وقال: "العداء بين السودان ودولة إسرائيل فكرياً ودينياً مستمر إلى أن تقوم الساعة". وأكد مستشار وزير الإعلام السوداني الدكتور ربيع عبد العاطي لرصيف22 أن التطبيع مع إسرائيل ليس ضمن أجندة المؤسسات السياسية والدستورية، مضيفاً أنه يبدو أن الإدارة الإسرائيلية تحاول بتصريحاتها أن تستخدم أنابيب لاختبار مدى إمكانية اختراق الصف العربي وتمزيق كيانه. من جانبه، أكد الباحث السوداني وائل علي أنه ليس من أولاويات الحكومة السودانية الحالية إقامة علاقات علنية مع إسرائيل، مشيراً إلى أن الأخيرة تستغل مساعي الخرطوم لرفع العقوبات الأمريكية عنها والأزمة الاقتصادية السودانية من أجل التقرب منها والتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وقال الباحث السوداني لرصيف22 إن إسرائيل تربط رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات بالكامل عنها بشرط تطبيع العلاقات معها أولاً، لكن السودان لن يرضخ لهذه الضغوط ولديه أوراق أخرى يمكن استخدامها لتحسين العلاقات مع واشنطن. وبرأيه، ستظل أية اجتماعات أو اتصالات بين الجانبين سرية ولن تصل إلى تقارب رسمي وعلني وتبادل دبلوماسيين لأن الرأي العام السوداني ليس مهيئاً لهذه الخطوة.

هل سيتم نقل مياه النيل إلى إسرائيل؟

تمتلك تل أبيب مقترحاً قديماً لنقل مياه نهر النيل عبر ترعة السلام في سيناء إلى إسرائيل، لكن هذه الخطوة لم ترَ النور بسبب عدم موافقة كافة دول حوض النيل عليها ومنها السودان. ويقول الدكتور هاني رسلان، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل في المركز، إنه لا توجد مؤشرات جدية على حدوث تقارب أو تطبيع بين السودان وإسرائيل في المرحلة المقبلة علنياً، لكن ما يجري حالياً هو إطلاق تصريحات من وقت إلى آخر من قبل مسؤولين سودانيين لتهيئة الرأي العام لهذه الخطوة في المستقبل. وأضاف رسلان لرصيف22 أن إسرائيل كي تحقق مشروعها المذكور يجب أن تمتلك علاقات مع كافة دول حوض النيل، وهي بالفعل طبعت مع الجميع إلا السودان، لكن لا بد من موافقة مصرية كمفتاح لتنفيذ هذا المخطط، مشيراً إلى أن هناك صعوبة في تنفيذه بسبب تزايد الاستهلاك المحلي. وكشف رسلان أن السودان بات يسمح لمواطنيه مؤخراً بالسفر إلى تل أبيب بعد أن كان ذلك ممنوعاً عليهم في الماضي. ويختم رسلان حديثه بأن البشير معزول دولياً منذ عام 2009 بسبب ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وهو يريد كسر العزلة، وسيرحب بأية مساعدة تسمح له بلقاء مسؤولين غربيين وتنقذه من الأزمة الاقتصادية الحالية.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image