شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
المساواة في الميراث: القرارُ في تونس والجدلُ في مصر

المساواة في الميراث: القرارُ في تونس والجدلُ في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 27 نوفمبر 201806:43 م
تسببت مصادقة مجلس الوزراء التونسي على مشروع قانون تعديل أحكام المواريث لإقرار المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، بجدل واسع في مصر وداخل أروقة مؤسسة الأزهر الدينية العريقة، بلغ حد اعتبار تونس “دولة غير إسلامية” ونظامها "غير مسلم" ويبدو أن القانون الذي لم يُطرح بعد للنقاش في برلمان تونس، يشغل مؤسسة الأزهر أكثر مما يشغل جامع الزيتونة في تونس. قلة قليلة من الأزهريين رحبت بالخطوة التونسية فيما أبقى السواد الأعظم من الأزهريين على رفضهم لها وبشدة. مقترح قانون المساواة في الإرث في تونس، استند في تقديمه إلى أن "قواعد وضعية وضعها المشترع وهي بالتالي قواعد مدنية قابلة للتطور بطبيعتها مثلها مثل بقية القواعد الوضعية الأخرى التي تدخل في المنظومة التشريعية الداخلية”. ومن المنتظر أن يشرع البرلمان التونسي بمناقشته في الفترة القادمة.

المساواة تقسم الأزهر

رغم أن القرار يخص تونس، إلا أن دولاً إسلامية عدة تراقب ما يحدث هناك، فمسألة الميراث في العرف الإسلامي بقيت على حالها بعد مرور 1400 على نشأة الإسلام: "للذكر مثل حظ الأنثيين” يقول الدين الإسلامي، ما يجعل خطوة تونس الجريئة بتعديل هذا الأمر مستندة إلى دستورها المدني الذي يقر بالمساواة، محل شك وريبة في عواصم إسلامية من بينها القاهرة. القرار التونسي (الذي خطا أولى خطواته العملية الجمعة) خلق حالة جدل في مصر، لا سيما بعد أن أطلق سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فتوى تبيح ما قامت به تونس و اعتبر أن قرارها بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة "صحيح فقهاً ولا يتعارض مع كلام الله".
رغم أن القرار يخص تونس، إلا أن دولاً إسلامية عدة تراقب ما يحدث هناك، فمسألة الميراث في العرف الإسلامي بقيت على حالها بعد مرور 1400 على نشأة الإسلام
القرار التونسي خلق حالة جدل في مصر، لا سيما بعد أن أطلق أستاذ الفقه في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي فتوى تبيح ما قامت به تونس معتبراً أن قرارها بالمساواة في الإرث "صحيح فقهاً ولا يتعارض مع كلام الله"
وأضاف "الهلالي"، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "الحكاية"، على قناة "MBC مصر"، أن "الميراث مسألة حقوق، وليست واجبات مثل الصلاة والصوم، مؤكداً أن مسألة الحقوق يكون فيها للناس الحق في التعامل بها". وبلهجة ثورية أعجبت ليبرالي مصر وضايقت إسلامييها، أشار الهلالي إلى أن الفقيه تتغير فتاواه بتطور ثقافته بمرور الوقت، متابعاً: "سنصل إلى ما وصلت إليه تونس بعد عشرين عاماً من الآن".
لكن حديث أستاذ الأزهر تسبب بتخوف الأزهر نفسه من أن يعتبر البعض كلامه رأي الأزهر، لذلك خرجت المؤسسة الدينية بعد حديث الهلالي بوقت قصير لتتبرأ منه، ونقلت وسائل إعلام محلية عن الدكتور أحمد زارع، المتحدث باسم جامعة الأزهر قوله إن "الدكتور الهلالي لا يمثل جامعة الأزهر من قريب أو بعيد بل يمثل شخصه، وما قاله يخالف نص القرآن ومنهج الأزهر". وبلهجة حادة أضاف زارع : "مجلس جامعة الأزهر يبحث الموقف مما قاله الدكتور الهلالي، الذي لا يمثلنا في شيء". من جهته خرج مركز الفتوي الإلكترونية بالأزهر ببيان طويل اعتبر فيه أن حديث الهلالي "يظهر عليه التخبط والتناقض، كما نعيب عليه أنه يُدخل في العلم ما ليس منه وإنما يتكلم كلاماً غريباً يظهر –لغير المتخصص- بأنه يقعد القواعد لكلامه وكأن الكلام هذا من أبجديات العلم". البيان اعتبر حديث الهلالي عن أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأوضاع "أمر غير سليم” وذكر أن "الأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي، فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس، كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق ...إلخ". البيان اعتبر أن أحكام الميراث ليست من قبيل الفتوى وإنما من باب الأحكام الشرعية "فلا يدخلها التغيير والتبديل لاباختلاف الأحوال ولا الأشخاص ولا الزمان ولا المكان”، أي باختصار غير قابلة للاجتهاد. واعتبر البيان أن فكرة الاجتهاد في الميراث تدليس وكذب وورد فيه: "ماتم عرضه من أفكار من قِبل الدكتور سعد الدين الهلالى، لا ترقى إلى درجة العلم من قريب أو بعيد ولا حتى الاجتهاد الذي يُثاب عليه صاحبه، وإنما هي وجهة نظره الشخصية، أو تلاعب وتدليس وكذب على الدين والعلم".

المساواة استخفاف وتضليل

لم يكتف الأزهر بما سبق، بل أصدر رداً على قرار السلطات التونسية بالمساواة بين الجنسين في الميراث، وهذه المرة جاء الرد على لسان هيئة "كبار العلماء بالأزهر" التي أصدرت بياناً حاد اللهجة قالت فيه: "تابعنا باهتمام بالغ ما يثار في الآونة الأخيرة حول بعض الثوابت الشرعية المحكمة التي يحاول البعض التحقير من شأنها والاستخفاف بأحكامها، بينما يجتهد آخرون في التقليل من قيمتها، بإخراجها من إطار القطعيات المحكمات إلى فضاء الظنيات". كبار علماء الأزهر وصفوا المجتهدين في مسألة الميراث بـ “المضللين”  وقالوا في بيانهم: "من تلك القضايا التي زاد فيها تجاوز المضللين بغير علم في ثوابت قطعية معلومة من الدين بالضرورة، ومن تقسيم القرآن الكريم المحكم للمواريث، ما يتعلق بنصيب المرأة فيه، والذي ورد في آيتين محكمتين من كتاب الله المجيد في سورة النساء، وهو أمر تجاوزت فيه حملة التشنيع الجائرة على الشريعة كل حدود العقل والإنصاف". البيان وصف المساواة بمحاولة الاستخفاف بالشريعة، وجاء فيه: "أنه بناء على تلك الخيالات المناقضة لقطعيات القرآن ثبوتا ودلالة، والتي يحسبها أصحابها انتصاراً لحقوق المرأة، جهلاً منهم بالتفاصيل الحكيمة لصور ميراث المرأة في الإسلام، والتي تأخذ في بعضها أكبر من نصيب الرجل، بل أحياناً ترث ولا يرث الرجل، فإنهم راحوا يطالبون بسن قوانين تلزم بالتسوية المطلقة بين المرأة والرجل في الميراث، ضاربين بأحكام القرآن القطعية المحكمة عرض الحائط". واعتبرت هيئة كبار العلماء بالأزهر أن النصوص الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد ومنها ما لا يقبل ذلك، وقالت إن آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم غير قابلة للاجتهاد واصفة المجتهدين فيها بالعابثين.

تونس ليست دولة إسلامية

الغضب من مشروع القانون التونسي بلغ حد اعتبار مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة،  تونس بلداً غير إسلامي، وقال في برنامج تلفزي: "تونس بلد لا تنص في دستورها أنها دولة إسلامية أصلاً"، مضيفاً أن "النظام أصلاً مش مسلم.. النظام لا يعترف أن الدين الرسمي هو الإسلام". غير أن كلام جمعة يتعارض مع المادة الأولى من الدستور التونسي، الذي ينص على أن "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها. لا يجوز تعديل هذا الفصل (المادة)".

ومفتى مصر الحالي أيضاً..

لم يختلف موقف مفتي الديار المصرية الحالي شوقي علّام عن مفتيها السابق، حيث أكد في بيان نشره على صفحته الرسمية على الفيسبوك أن المساواة في الميراث "أمر مخالف للشريعة الإسلامية ولإجماع العلماء على مر العصور". وأضاف، دون الإشارة إلى دولة تونس، أنه "لا اجتهاد في النصوص التي هي قطعية الدلالة قطعية الثبوت بدعوى تغيُّر السياق الثقافي الذي تعيشه الدول والمجتمعات الآن". وكانت قرارات تونسية عدة في مجال المساواة قد أثارت  بدورها ضجة إعلامية و”أزهرية” في مصر، أبرزها السماح للتونسية بالزواج من غير المسلم. ومنعت تونس منذ استقلالها عام 1956 تعدد الزوجات، وتستعد حالياً لتوسعة قاعدة الحقوق بما يؤسس لمساواة حقيقية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image