آتٍ من عالم السينما والتلفزيون، أكاديمياً وعملياً، يشتغل علي حمود، بالتوازي، على فنه التشكيلي المختلف وبه. يقوم التفاعل بين عوالمه الثلاثة المذكورة على "الصورة"، أساسها، نتاجها والمحرك لها. يستمد منها فكراً وفكرًة على حد السواء، كما يروي من خلالها خاطرة، حادثة أو قصة، فحسب.
"اختراع العزلة"
"اختراع العزلة" هو معرضه الصولو الأول، مقامٌ حالياً في غاليري Tree of Art ومستمرٌ حتى نهاية الشهر الجاري. اتخذ اسمه من كتاب لبول أوستر قرأه من زمان، ومع أنه نسي عما يتحدث، إلا أن عنوانه بقي عالقاً في ذهنه، فاستقى منه ثيمة إنسانية معاصرة: "العزلة" وتقدم الفرد بالانغماس بها في زمننا الحاضر."اختراع العزلة" معرض تكرس لوحاته فكرة الانطواء على النفس والانكفاء ضمنها، لتتحول كل الحدود إلى عالم ضيق - واسع
يبدو الشخص بدايةً كاملاً مكتملاً، واقفاً، ملوناً في دفئ النور، ثم يغيب تدريجياً حتى لا يبقى منه إلا ظل أسود جالس بتعب، مطرق التفكير حيناً، متأملاً أحياناً وسط برودة الظلام والوحشة، هكذا، إلى أن يتبخر كلياً: عن "اختراع العزلة"
يتحدث علي حمود ببطء وهدوء، تسير كلماته على رؤوس أصابعها، فهل يخشى خرق صمت المنعزلين/المنعزلات بفتحه، أمام أعيننا، شبابيك على عوالمهم الحميمة؟يضم المعرض ١٨ لوحة بحجم صغير (30 × 40) يكرس بحد ذاته فكرة الانطواء على النفس والانكفاء ضمنها من أجل أن تتحول كل الحدود إلى عالم ضيق - واسع. يمكن للزائر/ الزائرة تتبع التسلسل المنطقي للرسوم، منذ الدخول، من اليمين إلى اليسار، كأنها شريط مصوّر مقصوص من واحد من تلك الكتب (bandes dessinées) التي راجت قديماً وما زالت تحظى بجمهور ذوّاق حتى اليوم. هنا، يروي الرسام سيرًة لعزلة يخترعها صاحبها (الذي قد يكون هو) ويطورها عبر انسلاله من الخارج، في الطبيعة وعلى الأوتوستراد، إلى الداخل، في الغرف وخلف الحيطان. يظهر الشخص بدايةً كاملاً مكتملاً، واقفاً، ملوناً في دفئ النور، ثم يغيب تدريجياً حتى لا يبقى منه إلا ظل أسود جالس بتعب، مطرق التفكير حيناً، متأملاً أحياناً وسط برودة الظلام والوحشة… هكذا، إلى أن يتبخر كلياً ويصير على الرائي البحث عنه ليكتشف اختباءه المكثف في زاوية ما، إثر تركه لجزء من خياله على البلاط، مثلاً، في بيوت أو مداخل أبنية تعود خطوط هندستها إلى موضة الريترو، نقل روحها من شارع بدارو القريب إلى مزاجه. ظهّر علي حركة هذا الاختفاء بالحرفة، باستعماله مادة الباستيل الطبشوري على الخشب، إذ يخرج من احتكاك المتكسر على الصلب غبار كثيف يتطاير، ما يلبث أن يتبدد: "يتبخر"، كما يقول.
"شق الروح"
ثمة عنصر يجمع كل الأعمال بقوة، شقّ يقطع الأرض إلى قسمين غير متساويين، سمّاه "شق الروح" وتفاجأ بتكراره عفوياً، باعثاً له برسالة من أعماق لا وعيه لم يتمكن بعد من فك شيفرتها. بالعودة للحديث عن العزلة - الثيمة، يفكر الفنان أنها هروب من كل الضغوطات التي يحمّلنا إياها بلدنا والمنطقة التي نحن في خضم صراعاتها، في السياسة والمجتمع ونتيجة لتزايد العبء الاقتصادي. هو لا يعتقد أنها ممارسة سلبية، ولا انقطاع حتى لو بدت هكذا بالشكل. على العكس، لأنها تمكّن المرء من معرفة ذاته والتواصل معها، من أجل المضي نحو ما يتجاوزها بصفاء ذهني وسلام نفسي. أمرٌ آخرٌ جديرٌ بالذكر هو أنه لم يقصد ولا مرة العزلة بمعناها القاموسي المباشر. صحيح أن "بطل" اللوحات المُطْلق كائن منفرد، لكن فرديته تنبع من إحساسه بها لا من وجودها المادي. لأن العزلة الحقيقة تبدأ من الرأس، يمسي اختراعها ممكناً ولو في عرض جموع مجمّعة، في قلب العائلة وإلى جانب الأصدقاء. يتحدث علي حمود ببطء وهدوء، تسير كلماته على رؤوس أصابعها، فهل يخشى خرق صمت المنعزلين/المنعزلات بفتحه، أمام أعيننا، شبابيك على عوالمهم الحميمة؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...