من مبدأ أن "الحاجة" أم الاختراع، انطلق جاد نصر الله بمشروعه الخاص في أصعب الظروف الشخصية والعامة للبلد. مصلحته، فتحها على حسابه، وهو فيها المهندس وكل الشغيلة.
1. لماذا اسم "مصلحة" وكيف بدأت؟
"مصلحة" مشروع فردي "startup" انطلقت به مع بداية العام إثر التعافي من أزمة صحية حادة. حاولت الانخراط مجدداً بسوق العمل، لكن تردي الوضع الاقتصادي في البلد جعل من الصعب إيجاد وظيفة ثابتة بدخل معقول. ثم راودني حلم تأسيس عملي الخاص: بدأت بالتفكير كيف يمكنني تنفيذ ما أحبه وأتقنه، خارج المؤسسة التقليدية، وتقديم خدمة مختلفة عن التي يوفرها السوق بطفرة. مسألة أخرى لعبت دورها في تحديد خياري، عندما استعرضت كل المشاريع التي قدمتها للأصدقاء والأقارب، منذ تخرجي من الجامعة حتى الآن، أي خلال السنوات العشر الماضية، تفاجأت بحجمها، وتوصلت لخلاصة أنه بإمكاني تحويل هذه "الخدمات" إلى "أعمال" أتقاضى مقابلها أتعابي، شرط أن أضعها ضمن إطارها الصحيح، أي المهني. أطلقت إذن "مصلحة" لي وللآخرين، مشتركة، تمكنني من العيش من جهة وتلبي توصيات أصحاب الطلبات من جهة أخرى.صحيح أن القرميد جزء من تراثنا اللبناني وتحثنا البلديات والجمعيات للمحافظة عليه، لكن لصقه كيفما اتفق فوق سطح أي بناء تشويه لمفهومه الأصيل ولا يخدم الهوية العمرانية.
تعتبر استشارة معماري، أو مصمم داخلي أو مهندس نوعاً من الرفاهية، مع أن إنشاء المساحات الحياتية بطريقة خلاقة حق للجميع
2. ما هي الخدمة المختلفة التي تقدمها "مصلحة"؟
الفئة المستهدفة من المشروع هي الطبقة الوسطى، الذين لم يعتادوا استشارة معماري، مصمم داخلي أو مهندس تقني لبناء أو ترميم منازلهم أو محالهم، وبالتالي شراء هذه الاستشارة كمنتج. يعود الأمر إلى غلاء أجور المهندسين لدرجة أن تكليفهم يبدو كرفاهية لا يمكن لذوي الدخل المحدود أن يطالوها، وإلى محاولة إرضاء الذوق الخاص مباشرة، بلا تقدير لأهمية الجانب العلمي في إنشاء المساحات الحياتية. تأتي "مصلحة" لتؤمن مقاربة واقعية ولتنزع "الهيبة" عن هذا العالم بجعله في متناول الجميع لا حكراً على الميسورين، من حيث خدمة تقوم على ثلاث تقديمات: أ- إنجاز المشاريع الصغيرة والكبيرة: تصميم قطعة أثاث بيتية، مساعدة بانتقاء المفروشات وإعادة توزيعها بشكل مدروس… ترميم أو هندسة شقة، مبنى أو جزء منه، وفق ما يطلق عليه اليوم إسم "outsourcing" وهي الطريقة التي صارت تلجأ إليها مكاتب الهندسة للحد من عدد موظفيها. ب- طلب كلفة منطقية وغير مبالغ فيها. ج- تحفيز "الجمهور" الذي تكلمت عليه بداية للتعود على شراء خدمات المهندس وأن يلبي ذوقهم وحاجتها الفعلية وفق المعايير الصحيحة.3. جاد، أنت صاحب مهنة حرة، كيف تؤمن سوقك؟
أفعل هذا من خلال شبكة علاقات أعمل دائماً على توسيعها، وأحرص على تقديم منتج نوعي يروج لنفسه بنفسه. عادة، عندما يحتاج صاحب أو صاحبة الطلب، إجراء تعديل أو إضافة ما على بيتوتهن، يذهبون عند النجار، أو البلاط أو معلم الحديد فيعرضون عليه ما لديهم وليس ما يحتاجه صاحب الطلب بالفعل، محاولين إقناعه بعبارات: "هيدي حلوة أستاذ! "، "هيك ما بتظبط مدام!" أما أنا، فأتدخل لأقود العملية من ألفها الى يائها: أصمم، أقترح مروحة خيارات من المواد، أحصل على السعر الأنسب وأكلف الشخص الأفضل لكل مهمة أو أقوم بها بنفسي، كل هذا بالتوافق مع صاحب الطلب.4. أنت أيضاً "one man show"، كيف يمكنك أن تجعل العمل متكاملاً؟
نعم، لأنني في مرحلة التأسيس. لكن أعتقد حتى بعد تطوير "مصلحة" لن أُكبّر الفريق لأبقى المصاريف منخفضة وأحافظ على هامش الربح القليل الذي أتقاضاه، هذه فكرة "مصلحة" أصلًا! ليس سهلًا جعل العمل متكاملًا عندما يكون المطلوب أكثر من مجرد استشارة، أي إقامة ورشة. للأسف نحن نفتقر لليد العاملة غير الباهظة والحرفيين الماهرين الشغوفين بصنعتهم. أغلب الأحيان نرى أن الحرفي نشأ داخل مجتمعنا نتيجة الحاجة أو التسرب المدرسي ولا يشعر بالحب تجاه ما يفعله. لكل هذه الأسباب أُخرج مشاريعي كاملة بيدي الاثنتين وأتحمل وحدي كامل المسؤولية تجاه العملاء.5. ما الذي توفره "مصلحة"؟
العلم والخبرة: نتيجة سنوات من الدراسة وبعد العمل على عدد لا يستهان به من المشاريع المختلفة. الجمال والفن: نتيجة حوار أقيمه مع المهتمين، فأحترم رغبتهم حتى لو لم تعجبني، مع الحرص فقط على الابتعاد عن التزييف أو نسف مقاييس الأصول الهندسية. بالنهاية، لو مهما طالت مدة إقامتي بالمشروع وتعلقي به، يبقى لصاحبه وصاحبته وليس لي.6. ما هي علاقة الديكور الداخلي للبيوت بهندسة المدن؟ وكيف يتكامل أو يتصارع الفضاءان الداخلي الخارجي؟
قولبة الهندسة ضمن مفاهيم فلسفية معقدة وداخل أطر فخمة تجعلها تبدو كأنها للنخب. لكنها حقيقًة أبسط بكثير، كونها تشكل مسرح المعاش اليومي والعادي. برأيي، لا ينفصل ترتيب البيوت عن تنظيم الأحياء لأن صانعها واحد، الإنسان - الساكن فيها، أي ابن بيئتها وثقافتها. يقوم دورنا كمهندسين على تنفيذ رغبة السكان بتحقيق الشكل الذي يسد حاجاتهم ويمتع خيالاتهم في أماكنهم الخاصة أو العامة، فقط مع احترام شروط السلامة والقواعد السليمة وعدم المشاركة في الفوضى القائمة. دعيني أعط مثالين من خلال أمرين شائعين في لبنان: صحيح أن القرميد جزء من تراثنا وتحثنا البلديات والجمعيات للمحافظة عليه، لكن لصقه كيفما اتفق فوق سطح أي بناء تشويه لمفهومه الأصيل ولا يخدم الهوية العمرانية. الأمر نفسه بخصوص القانون اللازم على أن تكون 60% من واجهات الأبنية حجرية، فهل يكفي وضع حجارة معينة لجعل المنشأ يرضي النظر؟ أي إضافة على الإبداع والتجديد تتحقق هنا؟ وهل فيه ضرورة عملية تُذكر؟ أختم بهذه الاسئلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 16 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت