شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الرواية الأمنيّة تقول إن يوسف قنديل لفّق قصة تعذيبه... فلماذا لا يكون الخبر سعيداً؟

الرواية الأمنيّة تقول إن يوسف قنديل لفّق قصة تعذيبه... فلماذا لا يكون الخبر سعيداً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 16 نوفمبر 201809:15 م

بين ليلة وضحاها تحوّل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود" يونس قنديل من ضحيّة إلى لاعبٍ لدور الضحيّة، وبين الاثنين فرق شاسع.

بعدما كان قنديل قد حصد تعاطفاً واسعاً، قبل أيام قليلة عندما انتشر خبر اختطافه في ظروف غامضة في منطقة عين غزال في العاصمة الأردنية عمان، ومن ثم العثور عليه بعد ساعات من البحث في "وضع حرج بعد تعرّضه للضرب المبرح والتعذيب النفسي والجسدي من قبل الخاطفين"... كشفت التحقيقات التي أجرتها ادارة الأمن الوقائي في مديرية الأمن العام زيف ادعاء قنديل واختلاقه لكل الحادثة بالتعاون مع ابن شقيقته.

كان أكثر ما لفت المتابعين في حادثة تعذيب قنديل هو ذاك الوشم الذي قيل إن الخاطفين تركوه على ظهره، وشم عبارة "مسلمون بلا حدود"، ثم تعذيبهم النفسي له بالقول إنهم وضعوا قنبلة على رأسه تنفجر إذا ما تحرك فتبيّن لاحقاً أن ما كان على رأسه نسخة من القرآن.

كل المعطيات كانت تقدّم صورة "مثقف متنوّر" سعى جُناة إلى "إخراس صوته وكسر قلمه وإسكات عقله عن التفكير"، بحسب بيان مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" نفسها، والذي شرح أن الخاطفين طلبوا من قنديل التوقف عن الكتابة والحديث.

وقبل الحادثة بقليل، كان قد قيل إن قنديل تلقى آلاف التهديدات، لا سيما وسط الحديث عن تنظيم "مؤتمر انسدادات المجتمعات الإسلامية والسرديات الإسلامية الجديدة"، والتي ضغطت التيارات  الإسلامية لإلغائه.

هكذا بدت الحادثة "منطقيّة"، منطقيّة بالقدر نفسه الذي استطاعت فيه أن تثير المخاوف على الحرية والتعبير، لا سيما وأنها أعادت إلى الذاكرة أحداث شبيهة من أبرزها قتل الكاتب ناهض حتّر بسبب مشاركته لرسمة اعتُبرت مسيئة للأديان.

ولكن أيام قليلة كانت كافية ليظهر زيف هذا الاعتقاد، بحسب التحقيقات الأمنيّة.

بين ليلة وضحاها تحوّل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود" يونس قنديل من ضحيّة إلى لاعبٍ لدور الضحيّة... لقد لفّق قصة تعذيبه حسب ما أظهرت التحقيقات
الخاسرون كثر من تلفيق رواية تعذيب يونس قنديل، في وقت توجد نسخ أصليّة كثيرة على شاكلتها، والمستفيدون كثر أيضاً أبرزهم السلطات الرسميّة والتيارات الإسلاميّة والمخافظة

قد يشكّك البعض في التحقيقات نفسها نظراً لتاريخ الروايات الأمنيّة في التلفيق بدورها، خاصة وأن من بين الاتهامات لقنديل كان "تشويه سمعة الوطن". ولكن ما ظهر في الرواية الأمنية كان التالي: حين بدأ الأمن بجمع الأدلة - بعد ادعاء قنديل باعتراض أشخاص مجهولين وملثمين لمركبته وإغلاق الطريق عليه وإجباره على التوقف تحت تهديد السلاح - كانت القناعة تتزايد بشأن اختلاق قنديل نفسه للحادثة.

وكشف المحققون أنهم تمكنوا من إلقاء القبض على أحد أقرباء يونس (ابن شقيقته) بعد الاشتباه في علاقته المباشرة بالقضية، وبالتحقيق معه اعترف باختلاق الجريمة مع قنديل بناء على طلبه، وعلى إثر ذلك جرى استدعاء قنديل ومواجهته بالأدلة فاعترف بالحقيقة، وعمدت السلطات الأمنية لتسليمهما إلى المدعي العام.

وشغلت قصة قنديل مواقع التواصل الاجتماعي، فهاجم كثر المنظمة باعتبارها ضلّلت الرأي العام الأردني ساعية لصنع بطولة وهمية، كما دشن الناشطون وسم "كاذبون بلا حدود" على فيسبوك، في حين تصدّر وسم # يونس_قنديل على تويتر.

من جهتها، أعلنت كتلة الإصلاح النيابية، المنبثقة عن حزب جبهة العمل الإسلامي، أنها ستقدم شكوى إلى القضاء بتهمة التشهير بحق عدد من الشخصيات والمؤسسات، حسب ما كشفته النائب ديمة طهبوب.

وكان قنديل ربط الحادثة بـ"التهديد والتحريض" الذي تعرض له من قبل شخصيات حزبية بعد منع مؤتمر "حقيقة الله" الذي تعقده المنظمة في العاصمة عمان.

وبينما انشغل البعض بتحليل شخصية قنديل وما يعانيه من اضطرابات دفعته للعب دور الضحيّة، فإن اختلاق حادثة من هذا النوع - في حال تمّ التثبت تماماً من الرواية الأمنيّة - يخيف كثراً من المثقفين والإعلاميين والحقوقيين الذين دافعوا عن قنديل ويدافعون عن أية حادثة من هذا النوع، يشكل فيها الترهيب الجسدي وصولاً للقتل الباب العريض لقمع محاولات التغيير والتنوير.

الخاسرون كثر من تلفيق روايات مماثلة، في وقت توجد نسخ أصليّة كثيرة على شاكلتها، والمستفيدون كثر أيضاً.

من المستفيدين، التيارات الإسلامية والمحافظة، التي للمناسبة لم تندّد بالتعرّض لقنديل قبل ظهور الرواية الرسميّة، وها هي تحتفي ليس ببراءة صفحتها من الحادث وإنما بالشماتة اللاحقة بخصومها.

و هناك السلطات الرسميّة المعروفة بتقييدها للحريات وترهيبها للرأي المتنوّر. هذه السلطات تقرّر، بانتقائية اعتادتها، الاحتفاء باختلاق رواية يمكن أن تحدث فعلاً بسهولة، ولكن فعل الاختلاق يدعم نظرية تحاول الاستفادة منها دائماً وهي وجود من يسعى لتشويه سمعة الوطن وإثارة الفتن.

بكل الأحوال، وإن ثبتت الرواية الأمنيّة، فبالتأكيد قنديل مُدان ومن عاونه في قصته، لكن ما سبق الحادثة وما تلاها أظهر شكل التعامل مع التعددية الفكرية والحريات، وخطوط التماس الموجودة بين التيارات الإسلامية والأخرى المنفتخة، فضلاً عن أنه خصّب الأرضيّة التي كان الملك الأردني عبدالله الثاني قد تحدث عنها في مقال نشره مؤخراً، وتوقع البعض أن يكون تمهيداً لقانون الجرائم الإلكتروني الذي سيترك تبعات كثيرة على حرية التعبير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image