أمل حسين، طفلةٌ يمنية، في السابعة من العمر، تعيش مثل ملايين أطفال اليمن حالةَ جوعٍ حادّ جعل قفصَها الصدري يخرج عن جلدها. صورة قاسية؟ صورةٌ قاسيةٌ بالطبع مثل صور الجوع القاسية حتماً، لا سيما حين يتعلق الأمرُ بطفل. لكن هذه الصورةَ التي تلخص معاناةِ أطفال اليمن، حذفها فيسبوك. ما فتح جدلاً: هل نخبر الجمهورَ بما يحدث في اليمن؟ أم علينا أن نزيّن الواقع؟ أليس التزيين تدليساً؟ بعد ساعاتٍ قليلة من نشر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يوم 26 أكتوبر، تقريراً عن اليمن تتصدرُه صورةُ الطفلة أمل، بقفصها الصدري الناتئ فوق الجلد، حذف موقعُ فيسبوك، بشكلٍ مؤقت، منشوراتِ القُرّاء الذين شاركوا أصدقاءهم ذلك المقال. "مشاركتك لا تتوافق مع معايير المنصة المجتمعية"، هكذا راسل فيسبوك كلَّ شخصٍ قام بنشر مقال نيويورك تايمز، لكن تسرُّع فيسبوك بحذف منشورات الملايين جعله يتراجع بعد ذلك. إذ قالت متحدثةٌ باسم الموقع للصحيفة: "كما توضح معايير مجتمعنا لا نسمح بصورٍ عاريةٍ للأطفال، لكننا نعرف أن هذه صورةً ذات أهمية عالمية". وأضافت: "نحن بصدد استعادةِ المشاركات التي حذفناها على هذا الأساس". وعلى خلفية جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، جاء تقريرُ نيويورك تايمز بعنوان "مأساةُ الحرب السعودية" ليسلطَ الضوءَ من جديد على الحرب التي تشهدها اليمن نتيجة "عاصفة الحزم". وتعليقاً على صور أطفال اليمن الذين فتك بهم الجوعُ، كتب الصحافيان إريك ناغورني ومايكل سلاكمان: "بعض القرّاء سيرغبون في إشاحة نظرهم عنها، والبعض الآخر سيريد معرفةَ الأسباب وراء نشرنا هذه الصور أصلاً"، وأضافا "نطلب منك النظرَ لأن هذه وظيفتنا كصحافيين، إعطاءُ صوتٍ إلى الذين تُركوا وحدهم، إلى الضحايا، إلى المنسيين. مراسلونا ومصورونا يبذلون جهوداً كبيرةً ويعرضون حياتَهم للخطر غالباً للقيام بهذه المهمة". ولفت ناغورني وسلاكمان إلى أن قرارَ نشر "صور الموت" ليس سهلاً، لكن، بحسب قولهم، مأساةُ اليمن ليست بسبب كارثةٍ طبيعية، بل هي أزمةٌ بطيئةُ الحركة سببها قادة دولٍ أخرى على استعداد لتحميل المدنيين معاناةً شديدةً لدفع أجنداتهم السياسية. وأعربت نيويورك تايمز عن أسفها للفت الأنظار كلّها على مقتل شخصٍ واحد، وهو الصحافي خاشقجي الذي تم اغتياله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، في الوقت الذي تعاني فيه اليمن من "كارثة ضخمة" لا تلقى التغطيةَ ذاتها. واعترفت الصحيفة أن الصور التي نشرتها "وحشيةً"، قائلةً إنها تكشف الرعب الذي يعيشه اليمن، تاركةً الخيار للقارئ، إما يتمعّن بتفاصيلها لفهم ما يحدث، أو يتجاهل القصة. وكانت منظمة الأمم المتحدة قد حذرت في وقت سابق من هذا الشهر من أن اليمن سيعرف، في حال لم يفعل العالم شيئاً، مجاعةً على "نطاق واسع جداً"، فالجوع يهدد 13 مليون شخص، ما قد يتحول إلى أسوأ مجاعة في العالم منذ قرن، وفقاً لمنسقة الأمم المتحدة لشؤون اليمن، ليز غراندي. ويشن "التحالف العربي" بقيادة السعودية حرباً في اليمن منذ 2015 بدعوى دعم الحكومة اليمنية وإعادتها للسلطة من جديد، بعد أن أطاح بها الحوثيون، لكنه بعد مضي أربع سنوات، لم يحقّق غايته، بل تسبب بمقتل الآلاف من المدنيين في قصفٍ استهدف منازلَ وحفلاتِ زفاف ومآتمَ وأسواقاً ومدارس حسب ما يؤكده تقرير فريق خبراء التقصي الأممي في جرائم الحرب في اليمن، فيما ينفي التحالف باستمرار تعمَّده استهداف المدنيين.
ماذا يفعل الصحافي بمشاهد الحرب الكارثية القادمة من اليمن؟ هل عليه تزيينها؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...