صباح اليوم الأحد، وقف عشراتُ المصريين في طابورٍ طويلٍ أمام نقطة بيعٍ مؤقتة (شادر في اللهجة المصرية) أقامتها وزارةُ الداخلية قربَ محطة مترو الشهداء في القاهرة. زحامٌ شديدٌ على البطاطس التي اختفت فترةً من مطابخ أغلب المصريين الأيامَ السابقة بسبب غلاء سعرها بشكلٍ غير مسبوق، فصارت نادرةً عند أغلب الباعة، ما جعل وزارة الداخلية تقرّر التدخلَ لتوفيرها بسعر 6 جنيهاتٍ فقط. قبل أكثرَ من أسبوع ودون سابق إنذارٍ قفز سعر البطاطس من خمسة جنيهاتٍ ( حوالي ربع دولار) إلى أكثر من 13 جنيهاً للكيلو الواحد، سعرٌ لم تبلغه البطاطس في مصرَ من قبل، حيث كانت من الخضار المتوفرة الزهيدة الثمن وفي متناول جميع الأسر. تقول أمل راشد، ربّة منزل: "منذ أكثر من أسبوع وأنا غيرُ قادرةٍ على شراء البطاطس لأسرتي، كنت أفضلها لأن سعرَها رخيص وكان استخدامي الأساسي لها في عمل شطائر لأطفالي لتناولها في المدرسة، فجأة وجدت السعر ارتفع، وغير متوفرة لدى أغلب التجار". تحمّل راشد الحكومة المصرية المسؤولية في حدوث هذه الأزمة، قائلة إن الأسواق تحتاجُ لرقابةٍ شديدةٍ من قبل السلطات "هم من يعطون التجارَ الفرصة لرفع أسعار السلع، لا توجد رقابةٌ من أي نوع، اليوم البطاطس وغداً تزيد أسعار باقي السلع، الحلّ في الرقابة على البائعين، وجعلهم لا يتحكمون فينا بقراراتهم التي تصعِّب حياتنا". أما "الحاج محمد"، بائع خضروات في منطقة بولاق الدكرور في الجيزة، فيعزي أزمةَ البطاطس، إلى تجار الجملة الرئيسيين الذين يبيعون تجار التجزئة المنتجاتِ الزراعية، ويقول لرصيف22 إن تجارَ الجملة يشترون المنتجات من المزارعين، ويخزنوها في مخازنهم في أسواق الجملة ثم يبيعونها لتجار التجزئة بالسعر الذي يحددونه. يضيف: "الناس تظن أننا (الباعة) السببُ في غلاء سعر البطاطس وغيرها من المنتجات، لكن السبب الحقيقي التجارُ الكبار، وكي لا يتهمنا الناس بالجشع قررنا عدمَ شراء البطاطس من تجّار الجملة، فنحن نعلم جيداً أن الناس لن تدفع 13 جنيهاً لكيلو بطاطس، بعد أن تعودوا عليها أرخص من ذلك، ما سيجعلها تتلف لدينا ونخسر أموالنا بسببها".
تحولت أزمةُ البطاطس إلى مادةٍ للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي ، على سبيل المثال قالت مغردة مصرية: "منذ متى تأكلون البطاطس يا خونة؟".
وغّرد مستخدمٌ معارض للنظام المصري: "الناس اللي نزلت تقف في طوابير البطاطس أكثر من اللي نزلت تنتخب بلحة (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) البطاطس بقى ليها شرعية أكتر من بلحة".
وبسخريةٍ كتب آخر: "البطاطس مش كل حاجة، ياما ناس عندها بطاطس لكن مش سعيدة".
لكن اللافتَ وجودُ تغريداتٍ كثيرة تحمل أبعاداً سياسيةً، وتحمّل النظامَ المصري المسؤولية فيما وصلت إليه أحوالُ المصريين، كما غرد البعض معلقاً على صور الطوابير أمام "شوادر" وزارة الداخلية بأنها إهانة كبيرة للمصريين أن يقفوا في طوابير لشراء منتجٍ بسيطٍ ورخيص مثل البطاطس.
ونشرت وسائل إعلامٍ محليةٌ بعضَ الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة من الأزمة.
كما نقلت وسائلُ إعلام عن رجال دينٍ قولهم إن "محتكري البطاطس مطرودون من رحمة الله".
أزمة البطاطس جعلت وزارةَ الداخلية تخصص نقاطَ بيعٍ مؤقتة لتوفيرها بسعرٍ مخفض، رافعةً شعار "كلنا واحد". لكن مراقبين يعتبرون ذلك ليس حلاً وأن الأفضل هو التحكمُ في السوق المصرية بدرجةٍ أفضل من ذلك حتى لا تتكررَ الأزمة.
السبب تجّار الجملة؟
تحمّل الحكومة المصرية تجارَ الجملة مسؤوليةَ غلاء البطاطس، إذ يقول ممدوح السباعي رئيسُ الإدارة المركزية للمكافحة بوزارة الزراعة المصرية لرصيف22 إن التجار يشترون البطاطس بسعرٍ لا يزيد عن جنيهين للكيلو من المزارعين، ثم يقومون بتخزينها في مخازنهم بأسواق الجملة، ثم بيعها لتجار التجزئة بسعرٍ مبالغٍ فيه. يضيف السباعي أن الوزارة اكتشفت وجودَ كمياتٍ هائلةٍ من البطاطس في الثلاجات المعدة لتخزينها لدى تجار الجملة أثناء حملاتٍ حكومية تمت في أكثر من سوق للجملة في محافظات مصرية مختلفة، وهذا من وجهة نظره يثبت أن "جشعَ التجار هو سبب الأزمة".ما قصة طوابير البطاطس في مصر؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...