يحكي الفيلم المصري يوم الدين (إنتاج 2018) عن بشاي مريض الجذام الذي قضى أغلب سنوات عمره داخل مستعمرة الجذام الواقعة بمنطقة أبو زعبل بمحافظة القليوبية المصرية، والذي يقرر أن يترك المستعمرة وداخله حلم البحث عن جذوره، وأهله، وماضيه.
اللافت أن مخرج الفيلم أبو بكر شوقي اختار لفيلمه الروائي الأول مريض جذام حقيقياً لتأدية دور البطولة، وهو راضي جمال، فصار الفيلم أقرب لقصة واقعية عن مريض واجه المرض سنوات طويلة قبل أن يتعافى منه لكن آثاره لم تزل بادية عليه.
يحسب ليوم الدين الذي يعرض حالياً بدور السينما المصرية أنه ذكّر المصريين بقضية فئة مهمشة منبوذة في مصر، حكومة وشعباً، ولسنوات طويلة، فمستعمرة الجذام بقيت لعقود خارج الزمان والمكان والرحمة كذلك "خوفاً من العدوى".
مستعمرة أبو زعبل هي المكان الوحيد في مصر الذي يوفر العلاج لمرضى الجذام، وهي ليست مجرد مستوصف بل مكان يعيش حوله المصابون في أكواخ من الصفيح ويطلق عليها "عزبة الصفيح" التي تمتد على 12 ألف فدان. ولهذه الأرض قصة، فقد تبرع بها الملك فاروق بهدف إنشاء مستشفى خاص لمرضى الجذام، واختيار منطقة أبو زعبل لم يكن عشوائياً، بل مقصوداً فهي أكثر المناطق بعداً عن القاهرة، إذاً فالوصم بدأ مبكراً، منذ اختيار المكان لإيواء المرضى قبل عشرات السنين ليفصلهم عن باقي المجتمع.
يظهر تحقيق قامت به صحيفة "الأخبار اليوم" المصرية الحكومية الإهمال داخل المستعمرة، وأن المستشفى سقط من حسابات وزارة الصحة المصرية فتركت المرضى يعيشون حياة القرون الوسطى دون طعام صحي أو علاج أو حتى أطباء. ويظهر التحقيق كذلك أن بالمستعمرة القليل من الخدمات والأدوية والمستلزمات الطبية والطعام والكساء والأغطية التي تقيهم من برد الشتاء القارس.
مجتمع المستعمرة ضيق، فالكل يعرف بعضهم بعضاً جيداً، يتبادل المرضى الخدمة في محاولة للتعايش مع المرض، ومن يشفى عليه خدمة غيره قدر المستطاع، إذ يتحول إلى ممرض وحارس ومزارع وحتى عامل نظافة في خدمة زملائه.
يقول مخرج يوم الدين أبو بكر شوقي لرصيف22 إن الفيلم عرض حكاية بشاي المتعافى من المرض، والذي قرر على عكس باقي زملائه في المستعمرة الخروج من العالم الصغير الذي تربي وعاش فيه طوال عمره، بعد أن تركته عائلته بسبب مرضه، ليتعرف على عالم أوسع بكثير، عالم صاخب به الكثير من البشر والأحداث والحكايات.
لكن بشاي لم يكن بمفرده في رحلته للبحث عن جذوره، إذ يصاحبه طوال أحداث الفيلم طفل أسمر اللون، وحمار هزيل يجر عربة من الخشب.
عرض يوم الدين عالمياً لأول مرة في مهرجان كان السينمائي، في مايو الماضي، بحضور مخرجه أبو بكر شوقي وباقي فريقه، وهناك نافس على جائزة السعفة الذهبية، وفاز بجائزة فرانسوا شاليه، تقديراً لتميزه.
ويمكن القول إن اختيار يوم الدين للمشاركة في مهرجان "كان" مثّل مفاجأة للكثيرين، بسبب أن تنفيذه تم دون صخب، ولم تصاحبه دعاية ضخمة مثل بقية الأفلام المصرية التجارية، كما أن الفيلم لا يتضمن نجوماً، وبطل الفيلم نفسه ليس لديه خبرات تمثيلية.
يقول شوقي "يوم الدين ليس فكرة حديثة، بل هو مشروع مؤجل منذ حوالي عشر سنوات، فقد فكرت فيه حين أخرجت فيلماً وثائقياًً بعنوان "المستعمرة" في العام 2008، وكان هذا الفيلم يحكي عن الحياة في مستعمرة الجذام، وهناك تعرفت على راضي جمال، الذي أصبح صديقي، ومن ثم اخترته بطل فيلم يوم الدين".
ويضيف "أتمنى أن يكون فيلمي سبباً في أن تهتم الحكومة بمستعمرة الجذام، فداخلها مئات المرضى الذين يعانون الإهمال، وأن يكون الفيلم نقطة مضيئة للمجتمع تجعله لا يقوم بوصم مرضى الجذام أو يخاف منهم، ففي النهاية هم لم يختاروا المرض بل هو الذي اختارهم".
يتوسط المستعمرة مستشفى الجذام التي يعيش داخل أسواره أكثر من 770 مريضاً، بينهم 570 رجلاً و 200 امرأة، وبالمستشفى 3 أقسام اثنان للرجال والثالث للنساء.
ومن يموت من المرضى يدفن بالمقابر التابعة للمستعمرة، أما من يشفى فيظل حبيساً داخلها وإن حالفه الحظ يجد زوجة مصابة بنفس المرض فيتزوجها ويعيش معها في بيت من الصفيح في المستعمرة بعيداً عن الحياة في الخارج، وعن حكم الآخرين ونظراتهم الملأى بالخوف من الإصابة بالعدوى حتى دون لمس.
كان فيلم يوم الدين حقيقياً في كل تفاصيله، فقد عرض للجمهور معلومات مهمة عن المرض، منها أن سببه هو نوع من البكتيريا البطيئة التكاثر، والتي تؤثر على الجلد والأعصاب والغشاء المخاطي للقناة التنفسية العلوية والعينين، ويقول الأطباء إن المرض ليس شديد العدوى، لكن احتمال العدوى عبر رذاذ الأنف والفم أثناء المخالطة كبير، وهذا هو السبب في خوف أغلب البشر –حتى الكثير من الأطباء- من الوجود مع مرضى الجذام.
يقول الأطباء إن مرض الجذام ليس شديد العدوى، لكن احتمال العدوى عبر رذاذ الأنف والفم أثناء المخالطة كبير، وهذا هو السبب في خوف أغلب البشر –حتى الكثير من الأطباء- من الوجود مع مرضى الجذام.
ذكّر فيلم يوم الدين المصريين بقضية فئة مهمشة منبوذة في مصر، حكومة وشعباً، ولسنوات طويلة، فمستعمرة الجذام بقيت لعقود خارج الزمان والمكان والرحمة كذلك "خوفاً من العدوى".
من يموت من مرضى "الجذام" يدفن بالمقابر التابعة لمستعمرة "عزبة الصفيح"، أما من يشفى فيظل حبيساً داخلها وإن حالفه الحظ يجد زوجة مصابة بنفس المرض فيتزوجها ويعيش معها في بيت من الصفيح في المستعمرة بعيداً عن الحياة في الخارج
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين