شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الدولار والحروب: هل تفسّر لنا حاجات أمريكا المالية والاقتصادية حروبها الخارجية؟

الدولار والحروب: هل تفسّر لنا حاجات أمريكا المالية والاقتصادية حروبها الخارجية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 8 أكتوبر 201806:33 م
أصبحت النظريات التي تربط سياسة الولايات المتحدة الخارجية بالحاجات المالية والاقتصادية موضوعاً ساخناً مؤخراً. وسرعان ما اكتسبت واحدة من هذه النظريات شعبية واسعة لأنها تفسر تدخلات الولايات المتحدة العسكرية من خلال حروب عملة مزعومة. يشير هذا الاعتقاد إلى مجموعة من المصادفات المنذرة بالخطر حين يصبح قرار بلد ما بالتخلص من الدولار الأمريكي كعملة للتداولات الخارجية متبوعاً بنوع من الانتقام من قبل الولايات المتحدة. والسؤال هنا هو: هل تشكّل إمكانية الإضرار بالدولار سببا كافياً لتوجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ولقوى العالم الكبرى؟ في تشرين الأول عام 2000، قام العراق باستبدال اليورو بالدولار كعملة لثمن صادراته النفطية. وكان العراق في ذلك الوقت ينتج 5% من النفط العالمي. وقد أعطى دفع ما يعادل 60 مليون دولار من اليوروهات يومياً مقابل النفط الخام دفعاً قوياً لليورو، وعلى هذا الأساس فإن الضرر الذي لحق بالدولار بهذا الشكل لم يكن مصادفة، ولانتيجة عرضيّة. كان الرئيس صدام حسين قد صرّح فعلاً أنه يريد التخلص من عملة دولة معادية. صحيح أن الولايات المتحدة قامت بغزو العراق عام 2003، لكن هيئة النزاهة العراقية ترى أن الولايات المتحدة قدمت 935 بياناً كاذباً حول العراق باعتباره يشكل تهديداً بين عامي 2001 و2003.
هل ينذر استبدال الدولار كوسيلة للدفع مقابل النفط في تعاملات الدول بحروب مستقبلية وشيكة؟ هنا تحليل لنظرية اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة
هل كان إعلان حكومات العراق وليبيا وسوريا خطتها لاستبدال الدولار في المعاملات الخارجية، سبباً في الحروب التي دمرتها؟
ونذكر أيضاً أن الرئيس الراحل معمر القذافي تخلص من الدولار، ودعا الدول الإفريقية إلى اعتماد عملة ذهبية موحدة، وبعد ذلك بوقت قصير، شهدت ليبيا إسقاط النظام عن طريق العنف المروع الذي مازالت آثاره قائمة حتى الآن. ومما يعزّز رأي هذه النظرية هو الفترة القصيرة التي استغرقها المتمردون (أسابيع فقط) لتأسيس البنك المركزي الخاص بهم. وليس سرّاً أنهم لم يتخلّوا عن فكرة العملة الذهبية وحسب، بل باعوا كذلك أول شحنة من النفط للولايات المتحدة عبر صفقة أتمّها المجلس الوطني الانتقالي للمتمردين في أيار 2011. يبدو إذاً كما لو أن تبديل العملات هو بمثابة مسيرة نحو الموت؛ وحتى الأزمة السورية، كما ترى هذه النظرية، جاءت بعد صدور مرسوم وقعّه رئيس الوزراء السوري ناجي العطري عام 2006 لاستبدال اليورو بالدولار في المعاملات الخارجية. قامت إيران مؤخراً باستبدال اليورو بالدولار في إعلان تقريرها عن كمية القطع الأجنبي، كما أشارت إلى وجود توترات مع الولايات المتحدة قائلة إن الدولار لم يعد له مكان في إيران اليوم. وهذا، وفقاً للحكمة التقليدية المضلَّلة، يشكّل الأساس لتدهور العلاقات الإيرانية- الأمريكية. اتبعت روسيا المسار ذاته. إذ يقول ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، إن روسيا تحتاج إلى الانتقال للعملات المحلية في عمليات الدفع مقابل صفقات النفط. بمعنى آخر، على روسيا أن تستبدل الدولار كوسيلة للدفع مقابل النفط في تعاملاتها مع إيران وتركيا. فهل يشير ذلك إلى توتر سياسي ساخن يكون سبباً لتدخلين عسكريين مستقبليين؟ لنعد النظر في ما يؤثر على سعر الدولار فعلا. من المعروف لدى الجميع أن العالم كان يعتمد نظاماً نقدياً ترتبط فيه العملة بالذهب، ليصبح بهذا إصدار كمية عملة بناء على كمية الذهب في احتياطي البلد. لكن معيار الذهب هذا تم التخلي عنه عام 1930، بقرار وضغط من الولايات المتحدة، وتأتي قيمة العملة اليوم من العرض والطلب، كما هو الحال في قيمة السلع والخدمات. وعلى العموم؛ يتأثر سعر الدولار الأميركي اليوم بثلاثة عوامل هي: 1- العامل الأول هو سوق الصرف، فالتجار يشترون العملات ويبيعونها. وسوق الصرف الأجنبي هو الذي يحدد سعر الصرف من خلال أسعار العرض والطلب. وبناء على ذلك، فإن استعمال الدولار في التعاملات يزيد الطلب عليه، وبالنتيجة، يزداد سعره، والعكس بالعكس. 2- أما العامل الثاني الذي يؤثر في الدولار فهو سندات الخزانة، وهي عبارة عن صكوك دين تصدرها حكومة الولايات المتحدة لتمويل الإنفاق الحكومي. وإذا ازداد سعر فائدة سندات الخزانة، ازداد الطلب على السندات. وعندما يبادل الناس السندات بالدولارات، ينخفض العرض بالنسبة للدولار، فيزداد سعره. 3- العامل الثالث هو كمية الدولارات التي تحتفظ بها الحكومات الأجنبية. فكلما احتفظت الدول الأجنبية باحتياطي دولار أكبر، انخفض العرض وارتفع، بالنتيجة، سعر الدولار. لا بد من الإشارة هنا إلى أن النظرية التي ذكرناها أعلاه تقتصر فقط على العامل الأول. يتعرقل قطار الأفكار هذا بطرق عديدة. فعلى سبيل المثال، تقوم الصين حالياً باستبدال عملتها (اليوان) بالدولار للدفع مقابل النفط. لكن هذا كما يبدو لا يشير إلى أن الولايات المتحدة ستوجه ضربة عسكرية ضد الصين. وفي الحقيقة، تحتفظ الصين بأكثر من تريليون دولار في احتياطي القطع الأجنبي، وهو مبلغ مؤثر في سعر الدولار أكثر بكثير من تجارة النفط العالمية. وتستطيع الصين أن تبيع وتخفّض قيمة الدولار في أي وقت تريده، لتدعم بهذا عملتها المحلية. وسترحب واشنطن بذلك كونها تضغط على الصين باستمرار لتتوقف عن ممارسة قمع مصطنع لقيمة اليوان، من أجل تصدير المزيد من السلع إلى الولايات المتحدة. بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يحاول الوصول إلى معدل تضخم بقيمة 2% لتلبية هدفه في تحقيق استقرار الأسعار والوصول للحد الأقصى للعمالة. التأثير على سعر الدولار يمكن أن يكون ورقة سياسية، لكنه لا يبرّر نفقات الحروب، لأن تجارة النفط الدولية اليومية عبر العالم تقدّرفي حدود خانة الرقم الواحد من مليارات الدولارات. وهو أقل من 0.1 % من كمية النقد المتداول والتي تقدَّر حالياً بحدود 14 تريليون دولار أميركي. لنأخذ حرب العراق مثالاً. لقد كلّفت هذه الحرب 1.7 تريليون دولار أميركي فيما عدا الفوائد التي قُدمت للمحاربين القدامى. والعراق ينتج أربعة ونصف مليار برميل نفط في اليوم، وبناء على هذه الحقيقة الواضحة؛ فإن قبول الدفع باليورو لا يبرّر الكثير بالمقارنة مع تكاليف الحرب. قد يكون هنالك دوافع مالية اقتصادية وراء تدخلات أمريكا العسكرية، لكن هل تكفي عملية التلاعب بالعملات وتخفيض قيمتها لتوضيح وتفسير تدخلات الولايات المتحدة عسكريا في العالم؟ إن تحديد أسباب التدخلات الأمريكية العسكرية في العالم، وفهمها على نحو صحيح يحتاج إلى المزيد من التأمل والتفكير والبحث لكي نصل إلى جواب مقنع وحاسم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard