يفضح الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة الجزيرة حول اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، لكنها امتنعت عن بثّه، احتمالات تجسس إسرائيل بطريقة غير قانونية على مواطنين أمريكيين، كما يكشف خوف هذا اللوبي من تغيّر الأجواء السياسية حياله.
هذا مما قاله المتخصص الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط ومدير مجلة "أوريان 21" آلان غريش، في تقرير طويل نشره في المجلة المذكورة.
قصة طوني كلاينفيلد
لكشف تفاصيل عمل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، كان على قاة الجزيرة القطرية اختراقه عبر شاب "مثالي" المواصفات. هذا الشاب هو طوني كلاينفيلد: بريطاني يهودي، مُجاز من جامعة أوكسفورد، ويتحدث ست لغات منها الهولندية واليديش، ومتمرس بشؤون النزاعات في الشرق الأوسط. تطوّع كلاينفيلد في إحدى المنظمات الموالية لإسرائيل، وتم توظيفه في "المشروع الإسرائيلي"، وهي رابطة تُعنى بتلميع صورة إسرائيل في وسائل الإعلام. طوال خمسة أشهر، اختلط كلاينفيلد بنخبة المسؤولين من كافة الرابطات المنضوية تحت لواء الدفاع المطلق عن إسرائيل، لا سيما اللوبي الإسرائيلي المؤثر في الولايات المتحدة الأمريكية (إيباك)، وارتبط بصداقات مع عدد منهم. تحدثوا معه بصدر مفتوح، تاركين جانباً اللغة الرسمية الجامدة وما تُمليه عليهم التوجيهات. اعترف هؤلاء لكلاينفيلد بأنهم يقومون بالتجسس على مواطنين أمريكيين بمساعدة وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، التي أنشئت عام 2006، ووُضعت مباشرة تحت سلطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكشفت له إحدى المسؤولات في الوزارة: "نحن حكومة تعمل على أرض أجنبية، وعلينا أن نتحلى بأعلى درجات الحيطة والحذر"، إذ أن بعض أعمالهم تجرّمها القوانين الأمريكية. قيل لكلاينفيلد إن "أعضاء الكونغريس لا يفعلون أي شيء إنْ لم يتم الضغط عليهم، والسبيل الوحيد لذلك هو المال". وقيل له إن أفضل وسيلة لمحاربة المناضلين لصالح فلسطين في حرم الجامعات هي "التحري عن أحوالهم الشخصية وبث أخبارهم على موقع إنترنت مجهول الهوية، وبعد ذلك تناقل أخبارهم هذه على صفحات الفيسبوك".التأجيل المفاجئ
قام كلاينفيلد بعمله ببراعة تامة، إلى درجة أنه، في نهاية فترة تدريبه في رابطة "المشروع الإسرائيلي"، عرض عليه رئيسه إيريك غالاغير وظيفة دائمة، وقال له: "أمنيتي أن تأتي للعمل معي. فأنا أبحث عن شخص لديه روح العمل الجماعي، نشيط في عمله، شغوف بمهمته، محب للمعرفة، جيد التكوين، لبق الحديث، كثير المطالعة. وأنت تجمع بين كل هذه الصفات". سجل كلاينفيلد عدداً من المحادثات بواسطة كاميرا خفية، وجمع بالتعاون مع أعضاء آخرين من الفريق الذي يرأسه فيل ريس، داخل القسم المختص بالتحري والاستقصاء في الجزيرة، كل المكونات المطلوبة لإنتاج تحقيق باهر. لكن التحقيق لم يظهر، فقد تم تأجيل البث الذي كان منتظراً مطلع عام 2018 الى أجل غير مسمى، بدون أي تعليل رسمي. وجاء في الصحافة اليهودية الأمريكية أن بث البرنامج لن يحدث إطلاقاً، وهو ما أكده في ما بعد كلايتون سويشر، مدير القسم المختص بالتحري والاستقصاء في قناة الجزيرة، قبل أن تعلن القناة أن سويشر سيكون في إجازة لمدة طويلة من عمله. قررت قطر تأجيل البث مقابل توقف الجناح اليميني في اللوبي الصهيوني عن التحريض عليها داخل الإدارة الأمريكية. وقام مورتون كلاين رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، والمقرب من ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب، بزيارة الدوحة وتفاخَرَ بالحؤول دون بث الفيلم الوثائقي.ماذا جاء في التحقيق؟
تسبب وقف هذا العمل الذي تطلّب أكثر من سنة بتململ داخل قناة الجزيرة. هذه الظروف سمحت بتسريب حلقات التحقيق الأربع، ومدة كل منها خمسون دقيقة، إلى آلان غريش، في شكلها شبه المُنجَز، ليشاهدها. يُظهر التحقيق حالة توتر سائدة في أوساط اللوبي الإسرائيلي في أمريكا منذ بضع سنوات، وحالة خوف دفين من فقدانه لنفوذه. ثمة هاجس يطارد هذا اللوبي تحت شعار "بي دي إس" الذي يحمل الأحرف الأولى باللغة الإنكليزية للكلمات الثلاث التالية: مقاطعة، سحب الاستثمارات، عقوبات، وهي حملة انطلقت عام 2005. يبدي مدير الشؤون الاستراتيجية في رابطة "مسيحيون متوحدون من أجل إسرائيل"، ومدير "الماكابي تاسك فورس"، ديفيد بروغ، قلقه من حملة مقاطعة إسرائيل في الجامعات، ويقول: "وضعنا سيئ في صفوف الشباب المولودين منذ عام 2000 وطلاب الجامعات. بل ولقد صلنا إلى حدٍّ أصبحت معه الغالبية تميل الى الفلسطينيين أكثر منها إلى الإسرائيليين".الكاتب الفرنسي آلان غريش يكشف محتوى الفيلم الوثائقي الذي أنتجته قناة الجزيرة حول اللوبي الإسرائيلي في أمريكا ثم امتنعت عن بثّه
لكشف تفاصيل عمل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، كان على قاة الجزيرة القطرية اختراقه عبر شاب "مثالي" المواصفات. هذا الشاب هو طوني كلاينفيلد: بريطاني يهودي، مُجاز من جامعة أوكسفورد، ويتحدث ست لغاتولمعرفة مدى خطر الحملة على إسرائيل، ينبّه جاكوب بين، المدير التنفيذي لـ"ائتلاف إسرائيل في حرم الجامعات"، وهو تجمع لمنظمات توظف أكثر من مئة شخص يعملون على التصدي لحملة المقاطعة في الجامعات، إلى أن "القاسم المشترك الوحيد بين أعضاء الكونغرس والرؤساء والسفراء بالذات أنهم قد أمضوا جميعاً فترة من حياتهم في الجامعات وتلقوا فيها تكوينهم"، ما يثير مخاوف من تأثرهم بأفكار حملة المقاطعة.
"استهداف الرسول"
يخشى بعض مؤيدي إسرائيل في أمريكا من استقطاب الحزب الديمقراطي لأشخاص "معادين لإسرائيل" مثل أنصار بيرني ساندرز، ما يهدد بانتهاء أمان دعم الحزبين الأمريكيين لإسرائيل. ولذلك، يرون أنه من الضروري استهداف منتقدي إسرائيل. كيف؟ يقول المدير التنفيذي للجنة الطوارئ من أجل إسرائيل نووا بولاك: "إذا ما أردتم النيل من الرسالة فعليكم النيل من الرسول"، مثل وصف حملة مقاطعة إسرائيل بأنها مجموعة معادية للسامية ومساندة للإرهاب، أو وصف منظمة "أصوات يهودية من أجل السلام" بأنها "أصوات موالية لحركة حماس". وفي عملية النيل من سمعة مَن يحمل الرسالة، لا بد من جمع المعلومات المختلفة حوله، بدءاً بحياته الشخصية ومروراً بانتماءاته السياسية وانتهاءً بنشاطاته المهنية. وأنشأ اللوبي جهاز تجسس في السنوات الأخيرة لهذا الغرض. يتباهى المدير التنفيذي للتجمع من أجل إسرائيل في الجامعات جاكوب باين بما يقوم به هذا الجهاز قائلاً: "عملياتنا في التقصي ترتكز إلى تقنيات عالية. عندما بدأت العمل منذ سنوات كانت ميزانيتنا تُقدَّر ببضعة آلاف من الدولارات، ولكنها بلغت اليوم مليوناً ونصف بل ربما مليونين. لست متأكداً من الرقم ولكن لا شك أنها جسيمة"، إلا أنهم حريصون على التكتم: "نقوم بالعمليات على نحو مضمون دون الكشف عن الهوية، فهذا مفتاح النجاح". وتوفّر وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية مساعدة في جمع البيانات الشخصية عن المواطنين الأمريكيين، واعترفت مديرتها العامة، سيما فاكنين-جيل بهذا الأمر في إحدى محاضرات المجلس الإسرائيلي الأمريكي. تقول: "في ما يتعلق بجمع المعلومات وتحليلها والعمل بشأن المنظمات المناضلة وتقفي أثر التمويل فهذه مهمة لا يستطيع القيام بها على أكمل وجه سوى بلد مُزود بالإمكانيات". وتضيف: "قرار الحكومة الإسرائيلية أن تكون لاعباً رئيسياً يعني الكثير، فبإمكاننا حشد مهارات غير متوفرة لدى المنظمات غير الحكومية في هذا المجال... نحن الطرف الوحيد في شبكة دعم إسرائيل القادر على سد الثغرات... فلدينا الميزانية والقدرة على توفير الكثير من الأمور"، ثم تتابع بنبرة التهديد: "كل مَن لديه صلة بحملة مقاطعة إسرائيل عليه أن يفكر ملياً ويطرح على نفسه السؤال التالي مرتين: هل أختار هذا المعسكر أم المعسكر الآخر؟".أسرار أخرى
ويكشف الفيلم الوثائقي أسراراً أخرى كالطريقة التي يجري فيها الاضطلاع بكل معاملات ونفقات الصحافيين الأمريكيين في القدس من قبل منظمة "المشروع الإسرائيلي"، ومرافقتهم عن كثب في كل تحركاتهم بل وتزويدهم بالصور الجاهزة التي يكفي إرسالها إلى الولايات المتحدة. كما يكشف كيف يتم تمويل إجازات فاخرة لأعضاء الكونغرس الأمريكي في إسرائيل، بالتحايل على القانون الأمريكي، وكذلك كيف يتم الضغط على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء حتى تغيّر بياناتها الصحافية أو مقالاتها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.