وجدت بعض وسائل إعلام الدول المقاطعة لقطر، في نشر هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نص رسائل ومكالمات تتعلق بصفقة الرهائن القطريين في العراق، فرصة كبيرة للهجوم على الدوحة وإعادة الحديث عن أنها "دولة تدعم الإرهاب".
في المقابل، حاول الإعلام القطري استخدام بعض الجمل التي جاءت في تحقيق "بي بي سي" ليقول من خلالها إن الدوحة تعرّضت للابتزاز وإن اضطرارها إلى توفير المال للخاطفين مقابل الإفراج عن رعاياها "استغلته الدول المعادية لقطر كي تروّج أنها تمول الإرهاب"، بحسب ما نشره موقع الجزيرة نت.
وفي الخامس من يونيو 2017، أعلنت كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطع علاقاتها بقطر. وتتهم الدول الأربع الدوحة بتمويل جماعات متطرفة، إلى جانب التحالف مع إيران، لكن الأخيرة تنفي هذه الاتهامات.
ومنذ ذلك الحين والحرب الإعلامية بين الدول الخمس لا تتوقف.
ما الذي عرضته بي بي سي؟
في ديسمبر 2015، أُعلن عن اختطاف 26 قطرياً، بينهم أفراد من العائلة الحاكمة، في منطقة واقعة في جنوب العراق، بعد 25 يوماً من توجههم إلى هناك لممارسة الصيد. وقتها لم تعلن أية جهة المسؤولية عن اختطافهم، لتظل مسألة الخطف وتفاصيلها غارقة في الغموض، إلى أن تم تحرير الرهائن في أبريل 2017، بعد مفاوضات كلفت قطر الكثير من المال. وعرض تحقيق حديث نشرته "بي بي سي" رسائل نصية وصوتية جرى تبادلها بين وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والسفير القطري في بغداد زايد الخيارين. وتقول "بي بي سي" إنها حصلت على نسخ من هذه المراسلات من "حكومة مناوئة لقطر" لم تسمها. عرض التحقيق تضارب الآراء حول ما حصل بعد اختطاف القطريين يوم 16 ديسمبر 2015، إذ تناولت إحدى الروايات موافقة قطر على دفع فدية بلغت مليار دولار لإطلاق سراح الرهائن، وتقاضت هذا المبلغ جماعات وأشخاص تصفهم الولايات المتحدة بأنهم "إرهابيون". وبحسب هذه الرواية، شاركت في مفاوضات إطلاق سراح المخطوفين كتائب حزب الله في العراق وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وكذلك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وعرضت "بي بي سي" الرواية الرسمية القطرية التي تنفي دفع أية أموال "لإرهابيين"، وإنما للحكومة العراقية. وحسب هذه الرواية، ما زال هذا المبلغ مودعاً في المصرف المركزي العراقي في بغداد رغم عودة كل الرهائن إلى بلدهم. وكان القطريون المخطوفون قد سافروا إلى العراق لممارسة هوايتهم في صيد الصقور، وفي صباح أحد أيام ديسمبر، اقتحمت مخيمهم الصحراوي مجموعة من الشاحنات المزودة بمدافع رشاشة. مرت أسابيع عديدة لم تسمع فيها الحكومة القطرية أي خبر عن مصير رعاياها المخطوفين، ولكن في مارس 2016، بدأ الموقف يتغير حين علم مسؤولون قطريون أن الخاطفين ينتمون إلى كتائب حزب الله، وهو تنظيم عراقي مسلح تدعمه إيران.نماذج من نص الرسائل التي عرضتها "بي بي سي"
أظهرت معظم الرسائل التي نشرتها "بي بي سي" أن كتائب حزب الله كانت تسعى إلى الحصول على أموال من الدولة الخليجية الغنية. على سبيل المثال، جاء في رسالة نصية أرسلها السفير الخيارين إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن: "قلت لهم أعيدوا إلينا 14 من رجالنا، وسوف نعطيكم نصف المبلغ"، دون أن يتضح حجم المبلغ في الرسالة. وتشير رسائل نصية وصوتية إلى أن الخاطفين زادوا مطالبهم وعدلوها أكثر من مرة، فعلى سبيل المثال طالبوا بأن تتخلى قطر عن التحالف الذي تقوده السعودية لقتال الحوثيين في اليمن، وأن تسعى إلى إطلاق سراح العسكريين الإيرانيين الذين كان يحتجزهم معارضون في سوريا. لكن "بي بي سي" تؤكد أن المطالب كانت دائماً تتمحور حول المال. وإضافة إلى الفدية الرئيسية، كان زعماء كتائب حزب الله يطالبون بمبالغ لأنفسهم أيضاً. على سبيل المثال، ذكر التحقيق أن مفاوض الكتائب انفرد بالسفير القطري وطلب منه مبلغ 10 ملايين دولار لنفسه. وفي 16 أبريل 2016، بدأ اسم جديد بالظهور في الاتصالات بين الوزير وسفيره، وهو قاسم سليماني. أما في شهر نوفمبر 2016، فقد دخل عامل جديد على سير المفاوضات، إذ طالب سليماني قطر بالمساعدة في تنفيذ الاتفاق المعروف "باتفاق البلدات الأربع" في سوريا، في إشارة السماح للمقيمين في بلدتي مضايا والزبداني السنيتين الواقعتين قرب الحدود مع لبنان بمغادرة البلدتين الخاضعتين لحصار تفرضه عليهما قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معها، مقابل السماح بنفس الأمر في بلدتي كفريا والفوعة الواقعتين في ريف محافظة إدلب، شمال سوريا، والخاضعتين لحصار تفرضه عليهما جبهة النصرة وفصائل أخرى. وبموجب الاتفاق المذكور، خرج الآلاف من البلدات الأربع، بينهم عدد كبير من المقاتلين. وقال السفير في رسالة إلى وزير الخارجية: "كتائب حزب الله اللبناني وكتائب حزب الله في العراق، كلهم يريدون المال وهذه هي فرصتهم". وتقول "بي بي سي" إن الحكومة التي أمدتها بهذه المادة تعتبر أن المفاوضات كانت حول مبلغ مليار دولار، بالإضافة إلى 150 مليون دولار على شكل مدفوعات جانبية، أو "عمولات". لكن الشبكة الإخبارية ترى أن النصوص غامضة، مرجحة أن صفقة البلدات الأربع ربما كانت مطلوبة لتحرير الرهائن، بالإضافة إلى 150 مليون دولار من المدفوعات الشخصية للخاطفين. ويرى تحقيق "بي بي سي" أن الحصار الاقتصادي المفروض على قطر من قبل بعض جيرانها، أدى إلى "حملة مكثفة ومكلفة من القرصنة والتسريب وحملات علاقات عامة في كل من واشنطن ولندن".حرب إعلامية بعد تحقيق "بي بي سي"
نشر موقع الجزيرة نت القطري تقريراً بعنوان "بي.بي.سي تكشف استغلال دول الحصار اختطاف قطريين بالعراق"، مقتطعة من التقرير قوله إن "قطر تعرضت للابتزاز لتوفير المال للخاطفين مقابل الإفراج عن رعاياها، وهو الأمر الذي استغلته الدول المعادية لقطر كي تروج أنها تمول الإرهاب".وجدت بعض وسائل إعلام الدول المقاطعة لقطر في نشر "بي بي سي" نص رسائل ومكالمات تتعلق بصفقة الرهائن القطريين في العراق، فرصة كبيرة للهجوم على الدوحة وإعادة الحديث عن أنها "دولة تدعم الإرهاب"
تراشق إعلامي بعد تقرير جديد عن قصة تحرير قطر لرهائنها المخطوفين في العراق... في رسالة نصية، قال السفير القطري لوزير الخارجية: "قلت لهم أعيدوا إلينا 14 من رجالنا، وسوف نعطيكم نصف المبلغ".في الحقيقة، عرضت "بي بي سي" أغلب وجهات النظر في القضية، ولكن موقع الجزيرة اختار منها ما رأى أنه يتفق ووجهة النظر القطرية، معتبراً أن التقرير "تضمن تأكيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن حكومته حصلت على المبلغ الذي دفعته قطر، وأن المبلغ مودع في البنك المركزي العراقي". في المقابل، وجد موقع فضائية سكاي نيوز عربية، الممولة من الإمارات، أن تقرير "بي بي سي" يفضح "أكبر فدية في التاريخ دفعتها قطر للإرهابيين"، وأن رسائل وزير خارجية قطر وسفيره التي عرضها التقرير "تفضح تفاصيل فدية المليار". أما موقع فضائية العربية السعودية، فاعتبر أن تقرير بي بي سي "يثبت دفع قطر نحو مليار دولار لإرهابيين في العراق". وأطلق تقرير تلفزيوني نشره الموقع على القضية تسمية "صفقة القرن". وأيضاً، نشر الموقع مقالاً للكاتب السعودي مشاري الذايدي قال فيه إن "بي بي سي تكشف قطر". لم يختلف الأمر في الإعلام المصري، إذ نشر موقع صحيفة اليوم السابع المقربة من النظام تقارير عدة حول ما نشرته "بي بي سي"، كلها تعتبر أن تحقيق هيئة الإذاعة البريطانية يفضح قطر. كما قام مذيع فضائية صدى البلد المصرية المقربة من النظام أحمد موسى بإطلاق وسم على وسائل التواصل الاجتماعي باسم "بي بي سي تفضح إرهاب قطر". وانتهت أزمة خطف الأمراء القطريين في أبريل 2017 حين وصلت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية القطرية إلى العاصمة العراقية بغداد حاملة مئات ملايين الدولارات إلى الوسطاء وعادت بالرهائن، حسبما أكد مسؤولون قطريون. ما هي الأطراف التي حصلت على الفدية؟ و كم كانت؟ تقول الجهة المناوئة لحكومة قطر إن المبلغ الذي تم دفعة تجاوز مليار دولار إضافة إلى 150 مليون دولار على شكل رشاوي، وكانت حصة الأسد من هذا المبلغ لكتائب حزب الله العراقي. وأقر المسؤولون القطريون بأن مبالغ كبيرة تم إرسالها ولكن إلى الحكومة العراقية وليس إلى جهات "إرهابية" وكانت بهدف إنفاقها على "التنمية الاقتصادية" ولتعزيز "التعاون الأمني". ويقول المسؤولون القطريون: "كان الهدف تحميل الحكومة العراقية كامل المسؤولية عن سلامة الرهائن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...