كشف تحقيق لموقع "News Deeply" الأمريكي استهداف الأمن المصري اللاجئين من منتقدي النظام السوداني المقيمين بالقاهرة، بموجب ما سمَاه "صفقة سرية" بين البلدين.
وحسب المعلومات الواردة في التحقيق، لاحقت أجهزة الأمن المصري عددًا من هؤلاء اللاجئين وطالبتهم بمغادرة البلاد، ما دفعهم إلى ترك أماكن سكنهم مع عائلاتهم في محاولة للاختباء عن عيون الأمن.
ويعيش المعارضون السودانيون في حالة من الخوف خشية إعادتهم إلى الخرطوم، في ظل بطء إجراءات إعادة توطينهم في الخارج، وعدم تمتعهم بحماية دولية نتيجة ضعف دور مفوضية الأمم المتحدة وانعدام ثقتهم بها.
"رجال أمن مصريون وسودانيون قالوا لي غادر مصر ولا تتواصل مع مفوضية اللاجئين"
عندما كانت الحكومة السودانية تقصف مستشفيات في إحدى ولاياتها في 2011، كان كريم (وهو اسم مستعار للاجىء سوداني) من بين النشطاء الذين قاموا بفضح هذه الفظائع. كما أن متابعته لأعمال مكافحة التمرد في جنوب كردفان، جعلته هدفًا لأجهزة الأمن السودانية، وفي ديسمبر 2012، استدعاه رجلان رشٰا عليه مادة غازية. وبعد أن تعافى، فر الرجل البالغ من العمر 46 عامًا إلى مصر المجاورة، حيث تم منحه وضع اللاجئ. كان كريم يعتقد أنه يمكنه مواصلة مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده من منطقة آمنة بالقاهرة، لكنه كان على خطأ. في يوليو الماضي، اتصل بهاتفه شخص مجهول، وطالبه بالقدوم إلى أحد العناوين في القاهرة. وقال له المتصل إنه يعمل في جهاز الأمن الوطني المصري، وهدده بالقبض عليه إذا لم يحضر. وعندما وصل كريم إلى المكان، وجد 3 مصريين وسودانيين، فأخذوه إلى غرفة صغيرة في مبنى كبير فارغ. وأجرى المصريون المحادثة. "قالوا لي غادر مصر دون أي ضوضاء ولا تتواصل مع وكالة الأمم المتحدة للاجئين. أخبرتهم أن الحكومة (السودانية) ألغت جواز سفري لكنهم لم يهتموا".كريم واحد من 48 لاجئًا سودانيًا تطاردهم الخرطوم في مصر، وفقًا لقائمة المطلوبين التي سربها أحد المنشقين في السفارة السودانية بالقاهرة. وقد تم تصوير نسخة مطبوعة من جزء من القائمة داخل السفارة وتقاسمها مع اللاجئين.
سلمت مصر بعض المعارضين البارزين للنظام السوداني هذا العام... الاتفاقية الثنائية سرية. لا يريدون أن يكشف الإعلام ذلكوكريم واحد من 48 لاجئًا سودانيًا تطاردهم الخرطوم في مصر، وفقًا لقائمة المطلوبين التي سربها أحد المنشقين في السفارة السودانية بالقاهرة. وقد تم تصوير نسخة مطبوعة من جزء من القائمة داخل السفارة وتقاسمها مع اللاجئين. ويقول 10 أشخاص من القائمة الجزئية (26 اسمًا) أنهم تعرضوا لتهديدات منذ أواخر يونيو، فيما يشك 17 معارضًا سودانيًا آخرين في أنهم مدرجون أيضًا في القائمة بعد تلقيهم اتصالات من المخابرات المصرية. وأُخبر بعض اللاجئين بمغادرة البلاد، بينما أُمر آخرون بإنهاء أنشطتهم السياسية أو مواجهة الترحيل من مصر. والعديد من أولئك الذين تم الاتصال بهم، مثل كريم، اختبأوا. موقع "Deeply" قال إن محنة هؤلاء تشير إلى وجود فجوة واضحة في الحماية الدولية للاجئين، إذ وجد اللاجئون الذين فروا من السودان لتحديهم حكومتهم القليل من الحماية في مصر، بسبب وجود تعاون أمني وثيق بين البلدين.
صفقة سرية: "ليست قضية حقوق إنسان، إنها قضية أمن قومي"
لدى مصر والسودان تاريخ في العمل معًا للقضاء على التهديدات الداخلية التي تواجه أنظمة كل منهما. فقد واجه جنود حفظ السلام المصريون الذين شكلوا الجزء الأكبر من بعثة الأمم المتحدة في جنوب كردفان في العام 2011 مزاعم متكررة بفشلهم في حماية السكان المحليين من اعتداءات الجيش السوداني وتسليم المنشقين إلى قوات النظام. وتحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظلت العلاقات الأمنية قوية، ففي خلال زيارة للخرطوم في يوليو الماضي، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، إن السيسي يعتبر أن الأمن السوداني "جزء من الأمن القومي المصري". ولا تزال طبيعة الترتيبات الأمنية بين البلدين سرية. أما حسام ناصر، الناطق باسم قطاع حقوق الإنسان في وزارة الداخلية المصرية، فقال إنه لا يعلم بوجود طلبات من الخرطوم للقاهرة لتسليم المعارضين السياسيين. وأضاف: "هذه ليست قضية حقوق إنسان. إنها قضية أمن قومي"، بحسب "Deeply". ونقل الموقع عن مصدر في السفارة السودانية بالقاهرة، تأكيده القاطع على وجود ترتيبات قوية بين الخرطوم والقاهرة في ظل وجود معارضين سودانيين في مصر. وأكد المصدر وجود ترتيب متبادل تم بموجبه البحث عن خصوم سياسيين سودانيين في مصر مقابل حملة قمع ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في السودان. وقال: "لقد سلمت مصر بعض المعارضين البارزين للنظام السوداني هذا العام... الاتفاقية الثنائية سرية. لا يريدون أن يكشف الإعلام ذلك". ورفض المتحدث باسم السفارة رشاد عبدالوهاب التعليق على نطاق تعاون السفارة مع أجهزة الأمن المصرية. وفي أوائل 2017، أفادت صحيفة "الحياة" أن الخرطوم بدأت إجبار أعضاء من جماعة الإخوان على مغادرة البلاد. وهو ما تحدث عنه أيضًا موقع "مدى مصر" الذي ذكر أن 13 شخصًا ألقى القبض عليهم في السودان بدعوى انتمائهم للجماعة. ولم تسجل الأمم المتحدة أو المنظمات الحقوقية المحلية طرد أي لاجئ سوداني من مصر، لكن القائمة المُسربة تسببت ببعض القلق لهم.ضعف الثقة بين مفوضية الأمم المتحدة واللاجئين السودانيين جعلهم دون حماية
لم يُفاجأ مُصعب برؤية اسمه على القائمة. كان الأمن المصري قد اتصل به في يونيو الماضي وأمره بمغادرة البلاد وعدم الاتصال بمفوضية اللاجئين. ورغم التهديدات، يقول مُصعب إن رجال الأمن الذين تحدث معهم جعلوا الأمر يبدو وكأنهم يقدمون له خدمة: "قالوا إنهم منحوني فرصة لمغادرة مصر بهدوء". جاء مصعب (اسم مُستعار) إلى القاهرة في 2015 هاربًا من الحرب في جبال النوبة بالسودان، حيث كانت الحكومة تقاتل مكافحة تمرد دموي ضد بقايا القوات التي خلفتها الحرب الأهلية التي دامت لعقود وقسمت السودان إلى بلدين. واعتاد مصعب توجيه انتقادات قوية لنظام عمر البشير من خلال كتاباته على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه في عام 2016، بدأ بتلقي تهديدات بالقتل عبر الهاتف وفيسبوك من تابعين للحكومة السودانية. وفي العام نفسه، يقول مصعب إن رجلين سودانيين - يشتبه في أنهما من عملاء الحكومة - قاما بمحاولة فاشلة لاختطاف زوجته وابنه خارج مطار القاهرة. وفي الوقت الحالي، يُخبىء الرجل أسرته لحين تمكنه من إيجاد وسيلة لتهريبها إلى خارج البلاد. ويقول إن الاتصال بمفوضية اللاجئين "أمر غير وارد". ولا تحظى العلاقات بين العديد من اللاجئين السودانيين والمفوضية بثقة كبيرة، لا سيما منذ فض اعتصام الآلاف منهم بالقوة في 30 ديسمبر 2005 حينما ضربت الشرطة المصرية 23 لاجئًا سودانيًا حتى الموت خارج مكتب المفوضية الرئيسي في القاهرة بسبب احتجاجهم على إدخال تغييرات على قواعد اللجوء. وسعت المفوضية إلى إصلاح علاقتها باللاجئين عن طريق إنشاء صندوق إسكان ومساعدات طارئة للمتظاهرين الذين بقوا على قيد الحياة، لكن أعمال القتل تركت حالة من عدم الثقة العميقة بين اللاجئين السودانيين في مصر. واعترفت أسير المدائن، نائبة ممثل المفوضية في القاهرة ورئيسة لجنة الحماية، بأن بعض اللاجئين قد لا يثقون بالموظفين المصريين. لكنها قالت إنهم يأخذون بواعث القلق المتعلقة بالحماية بكل جدية ويحافظون على سرية سجلاتهم من الحكومة. وقالت أيضًا إن المفوضية قد أبلغت، من قبل مسؤولين من سفارات أجنبية، بتهديدات تلقاها سودانيون من رجال الأمن المصري. وشددت المدائن على أنه تم وضع الحلول لمحنتهم على أساس كل حالة على حدة. وأشارت إلى أن قدرات المفوضية محدودة، وقد تشمل خيارات الحماية الأخرى نقل اللاجئين المُعرضين للخطر إلى مدينة أخرى في مصر أو تقديم المساعدة القانونية. وشددت على أنه ينبغي أن يتقدم اللاجئون إذا كانوا مُهتمين بالحماية. "هناك أوقات لا تستطيع فيها المفوضية إعادة توطين شخص ما... في بعض الأحيان تنفد الحلول". وقال العديد من اللاجئين، الذين يقولون إنهم تعرضوا للتهديد من الأمن المصري، إنهم حاولوا التقدم عبر الاتصال بخط المساعدة الخاص بالمفوضية، لكن هذا الرقم لم يعد يعمل.لا طريق خروج: "أفضل الهروب إلى ليبيا عن الموت في الخرطوم"
إحدى الطرق القانونية الوحيدة للخروج من مصر بالنسبة للاجئين كانت مكانًا لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة، لكن خفض إدارة ترامب لبرنامج اللاجئين في أكتوبر الماضي ترك القلة التي تم قبولها في طي النسيان. وبعد أن حصل "كريم" على موافقة بإعادة توطين في يونيو 2017، بدأ يحلم بمستقبل في ولاية كانساس حيث انتظرته مؤسسة خيرية كاثوليكية له ولعائلته. وتم تعليق هذه الأحلام بعد زيادة إجراءات التدقيق بالولايات المتحدة للاجئين القادمين من السودان و10 "بلدان عالية الخطورة" أخرى. وعندما اتصل كريم بالمنظمة الدولية للهجرة المُكلفة بإعداد سفره إلى أمريكا، قيل له إن أعمال الفحص الإضافي ما زالت مُستمرة. الآن هو هارب، ويقول إنه خائف من إعادته إلى الخرطوم، وأشار إلى أن الجزء الأكثر معاناة من الاختباء من السلطات هو اضطراره إلى الاختفاء بعيدًا عن زوجته وابنه البالغ 6 أعوام. ولفت إلى أنه حينما حاول زيارتهما سرًا، قبض عليه الأمن المصري في 19 يوليو الماضي. وبعد إطلاق سراحه: "قالوا لي هذه المرة لديك 72 ساعة لمغادرة مصر". حاليًا، يفكر في الهروب بواسطة مهربين عبر ليبيا، وهو الطريق الوحيد الذي يمكنه تحمل تكاليفه. ومع ذلك، فإن الفظائع التي يواجهها المهاجرون في ليبيا تجعله مُترددًا. فضلًا عن أن فكرة ترك عائلته أيضًا جعلته يتراجع عن خوض المخاطرة. وبعد أسبوع من المحاولة الأولى، خاطر كريم وقابل عائلته سرًا ولكن هذه المرة في مكان آخر. أخبرته زوجته أن ابنهما أصيب بصدمة عندما اعتقله رجال الأمن خارج منزلهم في القاهرة. وقالت أيضًا إنه كان يبكي قبل أسابيع بسبب غيابه الطويل. وقبل مغادرته تلك الليلة، عانق كريم ابنه ووعده بالعودة في وقت قريب، لكنه لا يعرف متى سيكون ذلك. "أخبرت ابني أنني لن أغادر مصر، لكن قد أضطر إلى ذلك... ما أعرفه هو أنني أفضل أن أجازف بحياتي في ليبيا على الموت في الخرطوم".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...