تتنازع الخرطوم والقاهرة، منذ عام 1958 على أحقية امتلاك مثلث حلايب، المثلت الحدودي الغني بالمعادن والثروة السمكية. وتبلغ مساحته 20,850 كيلومتراً، ويقع أقصى الشمال الشرقي للبحر الأحمر من جهة السودان، ويضم ثلاث بلدات كبرى هي: أبو رماد وشلاتين وحلايب.
القاهرة تعده من بين أراضيها، بموجب اتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري عام 1899، التي عبرها تقاسمت بريطانيا ومصر استعمار وإدارة السودان. ورسمت "الاتفاقية" الحدود الدولية السودانية المصرية، واعتبرت كل الأراضي الواقعة عند خط العرض 22 شمالاً مصرية، وهو الترسيم الذي ترفضه السودان.
لكن بعد مرور 3 سنوات، قامت الإدارة البريطانية بإعادة ترسيم الحدود، وضمت مثلث حلايب للسودان عام 1902، بعد أن وجدت القبائل السودانية تعيش داخل الحدود المصرية، ومع احتجاج تلك القبائل. فأصبح المثلث داخل الأراضي السودانية، وهو ما تسميه مصر "خط التقسيم الإداري ولا تعترف به"، بحسب الصحافي السوداني محمد لطيف.
حين نال السودان استقلاله عن دولتي الحكم الثنائي عام 1956، ولد كيانه السياسي الحديث، بحسب ما رسم حدوده الاستعمار. وتقول مصر إن ضم مثلث حلايب للسودان بداية، كان إدارياً وليس سياسياً. بينما يعلل الجانب السوداني أحقيته بالمثلث، كون الاستعمار البريطاني حدد الأراضي السودانية بما فيها المثلث، عند ضمه للسودان سياسياً وليس إدارياً.
وأخيراً، قال الرئيس السوداني عمر البشير إن الوثائق والأحداث التاريخية تؤكد سودانية حلايب. وأضاف أن الحكومة على الرغم من حرصها على علاقاتها الدولية، لا تسمح بالتفريط في جزء من أرض الوطن.
في حين قال المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، رداً على البشير، إن الموقف المصري واضح في ما يتعلق بموضوع حلايب، وتم التعبير عنه خلال المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية مصر والسودان، أثناء زيارة وزير خارجية السودان الأخيرة إلى مصر يوم 9 يناير الماضي. ورأى أبو زيد أن الاجتماع الأخير بين وزيري الخارجية تم فيه الرد على جميع الاستفسارات المثارة، وكيفية معالجتها من قبل الدولتين في إطار علاقاتهما الأخوية.
وفي اجتماع بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره السوداني إبراهيم غندور، قال الأخير: "قضية حلايب لا سبيل لحلها إلا بالحوار بين مصر والسودان". مؤكداً أن كل مصري يؤمن أن حلايب مصرية، وفي الوقت نفسه كل سوداني يؤمن أن حلايب سودانية، لذا لن تحل تلك القضية إلا بالحوار بين البلدين".
ويقول رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود البروفيسور عبد الله الصادق علي، إن السودان يملك وثائق تثبت سودانية مثلث حلايب. لكن مصر تؤكد أن التعديلات الإدارية التي جرت عام 1902، جاءت لأغراض إنسانية، هي التيسير للقبائل التي تعيش على جانبي خط الحدود، وهي مجرد قرارات إدارية صدرت استجابة لرغبات المسؤولين المحليين في المناطق المتنازع عليها.
ويقول خبير القانون الدولي المصري البروفيسور أيمن سلامة: "إذا كان الأصل أن تتطابق الحدود الإدارية للدولة مع حدودها السياسية، فإنه في بعض الحالات يمكن أن يكون هناك اختلاف بينهما مثل حالة السودان ومصر، وفقاً للقرار الإداري الصادر عن ناظر الداخلية المصري، حين تنازلت مصر للسودان عن إدارة بعض أجزاء من إقليمها، مثلث حلايب، فبموجب هذا التنازل تقوم الدولة المتنازل لها بمباشرة سلطاتها الإدارية على هذه الأجزاء، من دون أن يؤثر ذلك على حقوق السيادة الإقليمية الثابتة للدولة المتنازلة عن هذه الأجزاء".
ويضيف: "الحدود السياسية الخطية وحدها هي التي تتميز عن غيرها من أنواع الحدود أو المفاهيم ذات الصلة بإقامة خطوط أو مناطق فاصلة بين الدول مقارنة بالحدود الإدارية، والحدود الجمركية، وخطوط الهدنة أو وقف إطلاق النار".
عام 1958 أرسل رئيس الوزراء السوداني الراحل عبد الله خليل، حشوداً عسكرية إلى المثلث الحدودي، رداً على محاولة الجيش المصري السيطرة عليه، ما بدا نذير حرب تلوح في أفق الدولتين الجارتين. وتقدم السودان حينها بشكوى رسمية لمجلس الأمن يتهم فيها مصر بالتعدي على حدوده، لكن الجانب المصري سحب قواته من حلايب بأوامر من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
كانت تلك المرة الأولى التي أثارت فيها مصر مسألة كون حلايب مصرية، والسبب وراء محاولة السيطرة تلك هو اعتراضات مصر على إجازة قانون سوداني اعتبرت بموجبه حلايب دائرة جغرافية انتخابية سودانية. وأجرى السودان انتخابات بمثلث حلايب عام 1954، ولم يعترض الجانب المصري.
ويعيش في مثلث حلايب بمناطقه الثلاث، نحو 30 ألفاً من قبيلتي البشاريين والإمرار، وبعض القبائل الأخرى المتحدرة من قومية البجا السودانية، الموجودة في شرقي السودان منذ آلاف السنين، ويعملون في التجارة والرعي.
كانت الحكومات السودانية تدير المثلث، وفيه قوات من الجيش والشرطة، إلى أن بسطت عليه مصر سلطاتها عام 1995، بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في أديس أبابا، والتي اتهم مبارك الخرطوم بتدبيرها.
منذ ذلك الوقت، ارتفعت وتيرة السيطرة المصرية على المثلث الحدودي، إلى أن شهد إجراء انتخابات، للمرة الأولى من الجانب المصري عام 2011، وفي انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2014، والانتخابات البرلمانية عام 2015.
لكن الخرطوم أعلنت في 2014، أن قوة من فرقة المشاة البحرية السودانية ما تزال ترابط في مثلث حلايب، بينما تقول مصر إن المثلث خاضع للسيطرة المصرية الكاملة.
منعت مصر السودان من إجراء إحصاء سكاني في مثلث حلايب عام 2008، بينما اعتبر السودان المثلث من بين دوائره الانتخابية عام 2010، وضمنته المفوضية العليا للانتخابات في السودان، من بين الدوائر الانتخابية أيضاً استعداداً للانتخابات التي جرت عام 2015.
ويقول محللون إنه إذا كان الحديث يدور عن أن المثلث منطقة تكامل، فيجب أن يترجم ذلك إلى موقف سياسي واضح، لوقف "عملية تمصيره" الآخذة في الاتساع، خصوصاً بعد أن تدحرجت الحدود السودانية عملياً نحو 30 كلم جنوبي حلايب، عند منطقة محمد قول في العمق السوداني، يقول مصدر أمني لرصيف 22. بالإضافة إلى أن الإدارة المصرية المنفردة في المثلث، وإجراء الانتخابات عليه، وتأكيد مصر أنه منطقة مصرية، وسحب تعبير التكامل من قاموس إعلامها الرسمي، ومضيها قدماً في فرض سياسة الأمر الواقع يضر بفرص التوصل إلى حل. وربما يدفع ذلك الخرطوم للتوجه إلى المسار القانوني عبر التحكيم الدولي، وتحريك ملف الشكوى الموجود في مجلس الأمن، ما قد يعقد الأزمة بشكل كبير.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، الدكتور الطيب زين العابدين، إن الخرطوم كانت قد عرضت 3 خيارات على القاهرة في عهد الرئيس حسني مبارك، لحل المشكلة هي: التحكيم الدولي، أو إقامة منطقة تكامل بين البلدين في المنطقة، أو التوصل إلى تسوية سياسية تؤدي إلى اقتسام الأرض. لكن مصر رفضت وأصرت على بقاء الوضع على ما هو عليه.
مثلث حلايب وفكرة الحدود السودانية المصرية بصفة عامة، ليسا مسألة نزاع حدودي وحسب، إنما ورقة ضغط سياسية ومتنفساً شعبياً تستخدمها الدولتان لتجييش الرأي العام فيهما، ومقياس لتردي وتحسن العلاقات بين البلدين، فكلما كانت العلاقات طيبة بينهما، يتم نسيان المثلث، والعكس صحيح.
كما تعد ورقة يلعبها الفرقاء السياسيون، فتتهم المعارضة السودانية نظام البشير بتفريطه في سيادة البلاد، إذ يضع الإثيوبيون بدورهم، يدهم على منطقة الفشقة، الغنية بالأراضي الخصبة، شرقي البلاد من الناحية الجنوبية. بينما تقول الخرطوم الرسمية، عبارتها القديمة: "لا تفريط في أي شبر من أراضي السودان". وهذا ما يكذبه الواقع بذهاب نحو ثلث التراب السوداني بعد انفصال جنوب السودان في 9 يوليو 2011، واندلاع نزاع حدودي كلف البلدين حربًا اقتصادية وعسكرية باهظة التكاليف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 19 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...