هذه القبعة الحمراء المعروفة بشكلها المسطح شكلت جزءاً من تاريخ الشرق الأوسط لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ قبل أن تختفي مع الوقت لمصلحة القبعات الأجنبية.
بين الأحمر الفاتح والأحمر الداكن والخيوط الحريرة السوداء التي تتدلى من جنبه، تحول الطربوش إلى "فولكلور" يحظى برمزيةٍ اجتماعيةٍ ودينيةٍ في الثقافات المختلفة.
فكيف بدأ الطربوش بالظهور ومن ساهم في انتشاره في العالم؟
نشأة الطربوش
إن كلمة طربوش مشتقة من الكلمة الفارسية "سربوش" التي تعني "غطاء الرأس". يعتبر "الطربوش" سيد الأزياء الشعبية إذ ارتبط بأوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وجاء ليحلّ محل العمامة التي تعد "موضة إسلامية قديمة". فكيف كانت بدايات الطربوش؟ تنقسم الآراء وتتعدد بشأن بداية ظهور الطربوش، فالبعض يعتبر أنه ظهر في بلاد اليونان والبلقان، أما البعض الآخر فيرجح أصوله إلى المغرب القديم خاصة أنه يسمى FEZ استناداً إلى مدينة فاس المغربية وبالتالي كان الرجال في المغرب يرتدونه من باب الاحتجاج بوجه الاحتلال الفرنسي، في حين أن البعض الآخر نسب اختراعه إلى الأتراك، بحيث جعل قائد الأسطول العثماني حسين باشا جنوده يعتمرون الطربوش. وفي العام 1828 انتشر الطربوش بقوة خاصة بعدما أمر السلطان العثماني محمود الثاني بجعل الطربوش غطاء رسمياً للرأس، وعليه خضعت البلاد العربية الخاضعة للحكم العثماني بدورها لهذا الفرمان، الأمر الذي ساهم في انتشاره في بلاد الشرق، وتحديداً في مصر. فمع الحكم العثماني وصل الطربوش إلى مصر، وعرفت صناعة الطرابيش فترة ذهبية، خاصة في عهد محمد علي باشا، الذي أبدل عمامته بالطربوش بعد أن أقره زياً رسمياً وجزءاً من الزي العسكري وأمر بإنشاء مصنع للطرابيش لئلا يستوردها المصريون من الخارج.انتشر الطربوش بقوة خاصة بعدما أمر السلطان العثماني محمود الثاني بجعل الطربوش غطاء رسمياً للرأس، وعليه خضعت البلاد العربية الخاضعة للحكم العثماني بدورها لهذا الفرمان.
يرجح البعض أصول الطربوش إلى المغرب القديم خاصة أنه يسمى FEZ استناداً إلى مدينة فاس المغربية، كان الرجال في المغرب يرتدونه من باب الاحتجاج بوجه الاحتلال الفرنسي.شهد الطربوش تغييرات كبيرة في شكله، ففي بداياته كان قصيراً، ومع الوقت أخذ يكبر الى أن كاد يغطى الرأس حتى الأذنين، وهو نوعان: مصنوع من الجوخ الملبس على قاعدة من القش أو من الصوف المضغوط.
أزمة دبلوماسية
شهد "الطربوش" ازدهاراً واحتل مركز الصدارة بين أغطية الرأس خاصة أن التمسك به جاء كردة فعل على إدخال القبعة الأوروبية باعتبارها لباس المستعمرين. وفي تركيا سرعان ما تحول "الطربوش"إلى زي شعبي، إذ كانت هناك علاقة وثيقة بين غطاء الرأس والدين، إلى أن صدر قرار يقضي بمنع لبس الطربوش. بهدف دفع تركيا نحو الحداثة، قام مصطفى كمال أتاتورك في العام 1925 بالغاء ارتداء الطربوش وغيره من أغطيه الرأس وفرض القبعة الحديثة بديلاً، خاصة أنه كان يعتبر "الطربوش" علامة من علامات التخلف. وقد أثار هذا القرار موجة غضب كبيرة في تركيا جرى التعامل معها بطريقة دموية، وفق ما تشير إليه صحيفة daily Sabah إذ اندلعت ثورات ذهب ضحيتها 10 أشخاص تم إطلاق النار عليهم من قبل السلطات التي إعتبرت أن الشعب التركي سيتمدن ويتطور عندما يتّبع موضة ارتداء القبعة تماماً كما تفعل الدول المتقدمة. ولم تتوقف القصة عند هذا الحدّ، إذ كاد الطربوش أن يشعل أيضاً أزمة دبلوماسية بين تركيا ومصر. ففي العام 1930، تراجعت العلاقات بين مصر وتركيا لدرجة أن مسألة ارتداء الطربوش ساهمت في تأجيج خلاف ديبلوماسي بين البلدين. وفي التفاصيل التي نشرتها صحيفة "الأهرام" أن عبد الملك حمزة، سفير مصر في تركيا، ذهب في 29 أكتوبر 1932 إلى فندق قصر انقرة لحضور الاحتفال بالعيد الوطني التركي، وكان يعتمر الطربوش على اعتبار أنه رمز للوطنية، إلا أن أتاتورك طلب من السفير خلع طربوشه، الأمر الذي أزعج هذا الأخير فقرر الانسحاب من الحفل. وهكذا تعرض الطربوش لسيل من الانتقادات خاصة في ظل بعض الآراء الداعية إلى إسقاطه انطلاقاً من تعتباره "موضة قديمة مرّ عليها الزمن"، كما أنه حاول الوقوف بوجه القبعة الأجنبية إلا أنه خسر المعركة. وبالرغم من أن إستخدامه قد تنتهى إنما بقي مترسخاً في الذاكرة الشعبية نظراً لدلالاته ورمزيته.مكانة اجتماعية
من الملك فاروق والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اللبناني بشارة الخوري... شخصيات بارزة اعتمرت الطربوش من باب تكريس نفوذها وسلطتها. في الماضي كان ينظر إلى الرجل الذي لا يعتمر الطربوش وكأنه عارٍ ومجرد من ملابسه، فهذا "الأكسسوار" كان أساسياً لاستكمال زي الرجل في العديد من الدول العربية مثل لبنان، مصر، العراق، سوريا والمغرب. ومع الوقت، اكتسبت هذه القبعة الحمراء مكانة اجتماعية وأضفت على صاحبها الهيبة والوقار، إذ كان من يرتديها ينظر إليه باحترام ويلقب على الفور بالباشا أو الأفندي. ارتبط الطربوش بالعلم والمعرفة، إذ يحكى أن الشاعر المصري حافظ إبراهيم قابل في يوم من الأيام رجلاً أمّياً أعطاه رسالة ليقرأها له، وعندما أجابه إبراهيم بأنه لا يعرف القراءة، تعجب الرجل وقال له: كيف وأنت ترتدي "الطربوش"، وحينها خلع الشاعر طربوشه ووضعه فوق رأس الرجل وقال له: "الطربوش فوق رأسك تفضل أنت وإقرأ". وفي حين أن الطربوش كان يلازم الرجل حتى مماته، جاءت الموضة الأجنبية لتقلب الأمور رأساً على عقب إذ مع الوقت انقرضت صناعة الطرابيش ولم تعد موجودة بشكلها السابق إلا في أجزاء قليلة من العالم العربي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...