فلورانس نايتنجيل، عمر الشريف، كاميرون دياز، كيت موس، جون ترافولتا وغيرهم من المشاهير العرب والأجانب، جرّبوا الحمام التركي من خلال زيارتهم حمام "جاغال أوغلو" (Cağaloğlu Hamam) في إسطنبول. الحمام المدرج في كتاب السفر الشهير "1001 مكان سياحي لا بدّ أن تراه قبل الموت"، لا يزال يستقطب يومياً آلاف السياح الأجانب والعرب للاستمتاع بطقوس الحمامات العثمانية القديمة، تلك الطقوس التي سحرت العديد من الفنانين العالميين ودفعتهم إلى تخليد تلك الحمامات وتصوير جمالها من خلال لوحاتهم.
وتعد تلك الحمامات من أبرز معالم الحضارة العثمانية القديمة، وتضاهي في عراقتها الحمامات الرومانية والفينيقية، إلا أنها تختلف عنها في قواعدها الاجتماعية.
البصمة العثمانية
تناولت أوزلام أكالاي، أستاذة الدراسات التاريخية العثمانية في جامعة "أسكي شهير"، أبرز الفروقات بين الحمامات العثمانية وسابقاتها، وقالت لرصيف22: "نظراً لاتباع التعاليم الإسلامية بعد دخول الأتراك في الإسلام تم فصل حمامات النساء عن حمامات الرجال، فالحمامات القديمة كانت للعائلة بجميع أفرادها، ولم يكن هناك فصل وتمييز. كانت مشتركة للجنسين معاً". وأضافت: "الحمام قديماً كان عبارة عن كوخ صغير فيه موقد مخصص لإشعال النار بالخشب لتدفئة المكان فقط، إذ لم يكن الحمام وقتها للاستحمام بالماء بل للتعرّق لا غير، التعرّق الذي يفتح مسام الجسم بالحرارة المرتفعة ليفرك الروّاد بعدها أجسادهم بقطع صغيرة من لحاء الأشجار لتنشيط الدورة الدموية".تطورت الحمامات في عهد السلاجقة والعثمانيين، واكتسبت أهمية كبيرة بعد دخول الأتراك في الإسلام، لتشديد الدين الجديد على النظافة والطهارة، فشيّدت الحمامات في الصروح الدينية والاجتماعية لتلبية احتياجات الشعب، وأصبح بناؤها فنّاً معمارياً قائماً بذاته امتاز به العثمانيون عمّن سبقوهم إليه.
متنفّس اجتماعي للنساء
وتشدّد أوزلام أكالاي على أنّ الحمام في العهد العثماني "لم يكن مكاناً للتعرّق والاستحمام فقط، بل كان ملتقى اجتماعياً، والذهاب إليه متنفّس للنساء يتحرّرن فيه من المجتمع التركي المنغلق آنذاك، وكنّ يسقن الحجج المتنوعة للخروج من منازلهنّ إلى تلك الحمامات مرّة في الأسبوع، حاملات معهن "البقجة" وهي قطعة القماش التي فيها المناشف والصابون والنعال والأمشاط وغيرها من احتياجات الاستحمام المختلفة، بالإضافة إلى المأكولات المتنوعة. وهناك يتبادلن الأحاديث ويبحثن عن العرائس لأبنائهن، ويحتفلن بالولادة والزواج وليالي الحنّاء والختان وغيرها من المناسبات الاجتماعية.صالونات تجميل تلك الأيام
كانت الحمامات التركية في العصر العثماني أشبه بصالونات التجميل في أيامنا هذه. والنساء كنّ يقصدنها للاستحمام والاهتمام بنضارة بشرتهنّ والحفاظ على جمالهنّ. فطقس التكييس في تلك الحمامات يمتد لساعات وساعات تتخلص خلاله النساء من بقايا الجلد الميتة التي تسبب التجاعيد ما يمنحهنّ بشرةً ناعمة حريرية وزهرية اللون. وكان الصابون المستخدم فيها يصنع بعناية شديدة من مزيج مواد طبيعية لا تضرّ البشرة، تضاف إليها العطور والروائح المختلفة وفقاً للطلب، وبعد استخدام الصابون على الشعر كانت النساء يستخدمن كريمات للشعر مصنوعة من أزهار الخبّازة البريّة لمقاومة تأثير الصابون على خشونة الشعر ومنحه نعومة كنعومة الحرير. بعد ذلك يدهنّ وجوههنّ بمزيج من الطين والزيوت الطبيعية التي تقتل الجراثيم وترطّب البشرة وتحافظ على حيويتها. ولا ننسى طبعاً جلسات التدليك التي تستخدم فيها الزيوت، كزيت الزيتون مع أوراق الأزهار وزيت السمسم وزيت اللوز الذي كان يستخدم لطلي الأصابع والأظافر. والنساء في العصر العثماني لا يستغنين عن ماء الورد الطبيعي والليمون الذي كان يستعمل لتفتيح لون البشرة، ذلك أن معايير جمال المرأة في تلك الأيام تتلخص في بياض بشرتها وسواد شعرها.
ثلاثة أقسام تحددها الحرارة
ويتميز الحمام التركي بجمال وفرادة بنائه المعماري، ويتكون عادة من ثلاثة أقسام مختلفة تتدرج وفقاً لمراحل الاستحمام ودرجة الحرارة. القسم الرئيسي فيه عبارة عن قاعة كبيرة قبّة سقفها واسعة ونوافذها صغيرة، مصممة خصيصاً لإدخال أشعة الشمس، فيها مصطبات طويلة يستلقي عليها الزبائن للتدليك أو الراحة. بينما يتكوّن القسم الثاني من غرفة للاستحمام تتوسّطها بركة للماء الساخن وفيها أدوات الاستحمام من صابون وغيره، أما الغرفة الثالثة والأخيرة فيرتاح فيها المستحمّون وتكون حرارتها أقل درجة من سابقتيها.أشهر الحمامات العثمانية
حمام تشيمبيرلي تاش
في نهاية القرن السادس عشر، وصل عدد الحمامات في مدينة إسطنبول وحدها إلى ثلاثمئة حمام عام، وخمسة آلاف حمام خاص. ويعتبر "تشمبرلي تاش" أول حمام للعامة في تركيا. وقد بناه المعماري العثماني سنان بأمر من السلطانة "نور بانو"، والدة السلطان مراد الثالث، عام 1584. وعقب بنائه، انتشرت الحمامات في مختلف أنحاء البلاد. ويعدّ تحفة معمارية أثرية يزورها السياح ويستمتعون بطقوس الحمام التركي فيها إلى يومنا هذا. ينفصل الحمام بعد الدخول من الباب الرئيسي إلى قسمين واحد للرجال وآخر للنساء، ومن غرفة خلع الملابس يتم الانتقال إلى قاعة الاستحمام التي تحتوي على ثمانية وثلاثين حوضاً، وتتميز بقباب كبيرة بنيت بشكل مضلع لتسمح بمرور أشعة الشمس، وأسطحه من المرمر والرخام. تتفاوت أسعار الخدمات في الحمام من 80 ليرة تركية (20.1$) للحمام لتصل إلى 200 ليرة (52.4$) للحمام المشمل على طقوس المساج والتكييس.حمام "غالاطا سراي"
تم بناؤه عام 1481 وحتى يومنا هذا لا يزال المفضل لدى السكان المحليين، ويعود سبب بنائه وفقاً للأسطورة المعلقة على جدرانه إلى تحقيق السلطان بيازيد الثاني لرغبة البابا غول، أحد أشهر الدراويش والشعراء في عصره، والذي كان يعيش في كوخ وسط غابة حيث صادفه أثناء عودته من إحدى رحلات الصيد، وحدثه عن قتاله إلى جانب والده السلطان محمد الفاتح. وعندما سأله السلطان عن حاجته، طلب منه بناء مدرسة وحمام للعامة، فكان له ما أراد. ويتميز الحمام عن سواه بمياهه الساخنة التي تفوق درجة حرارتها حرارة المياه في الحمامات الأخرى. تبلغ تكلفة الايستحمام للشخص الواحد 100 ليرة تركية (26.2$) وتصل إلى 125 ليرة تركية (32.7$) مع جلسة التكييس.حمام "تشاغ أوغلو"
يُعتبر حمام تشاغ أوغلو آخر حمام تركي تم بناؤه في فترة الحكم العثماني عام 1741، ويتميز بمساحته الكبيرة وبنمطه المعماري الباروكي الذي قلما استخدم في المباني العثمانية القديمة. ويقدم لزبائنه حفلات الرقص الشرقي في ديوانه الداخلي أيام الشتاء. تبلغ تكلفة الاستحمام مع جلسة المساج في الحمام 190 ليرة تركية (49.8$).حمام "كيليك علي باشا"
بناه المعماري الشهير سنان عام 1583 بطلب من علي باشا أحد أشهر قادة الجيش العثماني. تميز بتصميمه الجميل والراقي وتفاصيله المعمارية الدقيقة ويعد جوهرة تاريخية ما زالت محتفظة بعراقتها وأصالتها إلى يومنا هذا، ويضم الحمام متجراً صغيراً لشراء لوازم الحمام التركي التقليدية. تبلغ تكلفة الحمام العثماني في الحمام 190 ليرة تركية (49.8$).
حمام "السلطانة حرم"
يعتبر هذا الحمام واحداً من أفخم الحمامات في إسطنبول، تم بناؤه عام 1565، كجزء من مجمّع السلطانة حرم، زوجة السلطان سليمان القانوني، جدرانه وأرضيّته من الرخام الفاخر وأوعية الصابون مطليّة بالذهب الثمين، ويمكن لزبائنه خلع ملابسهم في مقصورات خاصة كما يمكنهم الانتقال إلى غرف السونا والجاكوزي المتوفرة فيه بعد الانتهاء من الحمام التقليدي المعروف. تصل تكلفة الحمام العثماني التقليدي 350 ليرة تركية (91.7$).رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع