هي قصة الصدرية التي تستخدم أكسسواراً للإغراء لدى بعض النساء، وينظر إليها كرمزٍ لقمع المرأة للبعض الآخر. في جميع الأحوال، تعكس الصدرية تطور المرأة في المجتمع، وتغير نفسيتها، وحتى جسدها، مع تسلسل الحقبات الأساسية في التاريخ الاجتماعي. تكاثرت المعلومات حول تمييز الحقبات المختلفة التي مرّت بها الصدرية في الشكل والمضمون، إلى أن أتى اكتشاف أثري مثير للاهتمام عام 2012 قلب المعايير، وأعاد الشكل الذي نعرفه عن الصدرية إلى زمن سحيق.
بين قمع الصدر وقمع دور المرأة
بعدها انقلبت المعايير، وأصبح المشد يساعد على رفع الصدر إلى أقصى درجاته، ليجعل الحلمتين تخرجان منه. نتج عن ذلك الفائض من الإغراء مرسوم كتب في أواخر القرن الرابع عشر، يمنع المرأة من لبس الصدرية بطريقة جازمة. ربما يكون ذلك المشد الذي كان من المفترض أن ينحت جسم المرأة عبر تكبير الأرداف والصدر، من أخطر الأسلحة التي استخدمتها المرأة، لأنه سرعان ما انقلب ضدها، وأصبح يسبب حالات من التقرحات والإجهاض وتشوهات في القفص الصدري والعمود الفقري، بحسب التقارير الطبية الصادرة في تلك المرحلة.
من خلال قمع جسم المرأة بتلك الطريقة، تقلّصت حرية تحركاتها ودورها في المجتمع الذكوري، خصوصاً في أوائل القرن التاسع عشر، فكان تصميم المشد ينحدر أكثر حتى الأرداف، وهذا ما جعل مقاييس الجمال تميل إلى النساء الشاحبات اللون والحزينات، يمشين بخطواتٍ متمهلة وبالكاد يتحدثن.
حقيقة أصل حمالة الصدر
كانت يعتقد أن جذور حمالة الصدر بالشكل الذي نعرفه الآن، تعود إلى بداية القرن العشرين، إلى أن اكتشف علماء آثار من النمسا عام 2012، صدرية شبيهة جداً بالتي تستخدمها المرأة اليوم، تعود إلى القرن الخامس عشر.
لا دليل على استخدام الصدرية في القرون التي تلت، ربما لأن ذلك التصميم لم يلق شهرةً آنذاك، أو لأي سببٍ آخر. ما نعرفه أن العودة حصلت على يد الفرنسية Herminie Cadolle عام 1889، التي قدمت تصميماً كان مزيجاً بين المشد والصدرية، لكنه لم ينل الكثير من الشهرة.
انتظرت المرأة القرن العشرين حتى تكتشف الصدرية وتتبنى ميزاتها، مباشرةً قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، حين صممت الأميركية Mary Phelps Jacob الصدرية الأولى على الشكل الذي نعرفه اليوم، أي فصل الصدر عند لبس الصدرية في كوبين منفصلين أو Cups. تم تصميم الصدرية عن طريق الصدفة، وبسبب الحاجة، أي عندما تكون المرأة على عجلة من أمرها قبل الذهاب إلى حفلٍ ما، ولا تملك الوقت الكافي لتلف صدرها بالمشد، تستخدم محرمتين وشريطاً ودبوساً مشبكاً لتخرج بسرعة من غرفتها.
مرحلة "الغلامور"
حرير، أو موسلين، أو نسيج الرايون. بدأت شعبية الصدرية تكبر منذ العام 1920، وفي العام 1928 تم اختراع الأكواب لتلائم الأحجام المختلفة. شهدت الخمسينات والستينات من القرن الماضي انتقال الصدرية من مرحلة العملي إلى مرحلة الجميل والأنيق. فحملت الخمسينات الموضوع إلى ذروة الإغراء مع اختراع تصميم الصدرية المخروطة الشكل، أو Cone bras، كالتي لبستها المغنية الأميركية مادونا في الثمانينات من تصميم Gaultier. أما الستينات ففضلت الصدر الأصغر حجماً خلف صدرية دائرية الشكل. مع اندلاع الثورة الأنثوية في مايو 1968، تم إعدام الصدرية بصفاتها "الشيك"، ومالت النساء إلى عدم ارتداء أي شيء تحت القميص، بما أن ذلك الأكسسوار كان يرمز في تلك الفترة إلى القمع الذكوري، وهو ما دفع بعض النساء إلى إحراق الصدريات التي كن يمتلكنها.
حملت الثمانينات الصدرية إلى عالم للإغراء لا حدود له، فدخل الدانتيل في تصاميمها، وتكاثرت الحشوات في الكوبين، وأصبح ذلك الأكسسوار المفضل لدى النساء، كما الرجال. منذ أعوامٍ قليلة، تم انتخاب إعلان العارضة Eva Herzigova لماركة Wonderbra من التسعينات ”Hello Boys”، أكثر صور الإعلان شهرةً في التاريخ، ألا يكفي ذلك لفهم صدرية التسعينات بصورةٍ أوضح؟
أصبح الأمر رسمياً مع الـ Décolleté، فهو سلاح الإغراء الأقوى بين يدي المرأة، هل يشك أحد في ذلك؟ عبارة Victoria’s Secret تعبّر عن الكثير من الأحاسيس لدى الرجل، نتيجة تلك العروض للملابس الداخلية على أجساد مثالية للإغراء، وتلك الصدريات التي ترفع وتكبر الصدر نحو خيالٍ أوسع، خيال مختلف تماماً عن نظيره في العصور القديمة، وبطبيعة الحال عن الخيال الذي سيحكم المستقبل.
ماذا عن النساء العرب
قصة الصدرية في المنطقة العربية هي كجميع المناطق الأخرى في العالم، تبعت التطورات وفق الأنظمة المؤثرة على الصعيد العالمي والموضة الاجتماعية التي تختارها، إلا أن بعض الفتاوى صدرت في السنوات التي بدأ فيها التطرف يتغذى من نفسه، تحرم على النساء لبس الصدرية خصوصاً غير المتزوجات."أما الحمالات فلا بأس بها، فتضع المرأة شيئاً يجمل ثديها أمر حسن، إلا أنني أرى أنه لا ينبغي للمرأة الشابة التي لم تتزوج أن تلبسه، لأنها حينئذٍ ينشأ في نفسها حب الظهور والافتتان"، هكذا كتب الشيخ الراحل ابن عثيمين.
من سخرية القدر أن ذلك التغير لدى بعض الفئات في البلاد العربية، رافق تغيراً مماثلاً في الغرب، ولكن كان له أبعاد مختلفة كلياً. عدم لباس الصدرية هو الموضة التي تأخذ رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة وأوروبا، خصوصاً لدى نجمات هوليوود ونجمات التواصل الاجتماعي، Rihanna، Kim Kardashian، Rita Ora وغيرهن ممن ساهمن في نشر ثقافة "اللا صدرية"، لأنهن ببساطة لا يرغبن في حجب سلاحهن الإغرائي الأول.
للنساء فقط
تتساءلين إذا كنت ترتدين الآن الصدرية المناسبة لشكل صدرك، والتي تلائم شخصيتك؟ إليك أفضل ما يجب أن تختاريه، وفق الجدول الذي نشره موقع SHAPE العام الماضي:
Push Up: ممتازة لجعل الصدر الصغير يبدو أكبر حجماً وأكثر امتلاءً.
Demi: تظهر القسم الأعلى من صدرك، في وقتٍ تسطّح الصدر قليلاً تحت الملابس.
T-Shirt: ممتازة لإعطاء الصدر شكلاً جميلاً، ارتديها إذا كان صدرك مخروط الشكل.
Strapless: الصدرية التي تحتاجين إليها حين لا تليق أي صدرية أخرى بلباسك، كما أنها ذات سحر خاص.
Wireless: مناسبة للثدي المتهدل.
Plunge: إذا اخترت لباس Décolleté.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...