شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عندما يتحول مُعتقل غوانتانامو إلى درسٍ في الزواج والحب

عندما يتحول مُعتقل غوانتانامو إلى درسٍ في الزواج والحب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 يوليو 201804:51 م
لطالما اشتهر مُعتقل غوانتانامو على أنه معتقل الموت. وصلت أول دفعة من المعتقلين إليه يوم 11 يناير عام 2002، وكانوا مقنعين، مكبلين، مجهولي المصير، أغلبهم بلا تهم وبلا محاكمات، ولا يزال الظلم مستمراً حتى اللحظة رغم وعود الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن يكون إغلاق المعتقل "سيء الصيت" في سلّم أولوياته. خلف تلك القضبان، حيث يعشّش الكثير من الظلم والظلام، روى السجين اليمني منصور الضيفي عبر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قصة حب عاشها وأُخرى تعلمها أثناء اعتقاله في غوانتانامو لمدة 14 سنة، بين عامي 2002 و2016. انتقل الضيفي إلى غوانتانامو في عمر الـ19. ويقول في مطلع شهادته "إلى أن بلغت الـ35 من عمري، كانت علاقتي بـ الإغوانا (إحدى أنواع الزواحف) هي الأعظم والأكثر أهمية في حياتي كشخصٍ بالغ". عاش لسبع سنوات معزولاً في سجن انفرادي، منقطعاً حتى عن الكلام، بسبب المراوح الضخمة التي كانت تعمل ليلاً ونهاراً لخلق ضجيج يمنعه، كما يمنع غيره، من السماع، تجنباً لأي نوع من أنواع الحوار. "لم يكن مسموحاً لنا التحدث إلى المعتقلين الآخرين، حتى عند خروجنا للاستجمام. ولكن في الوقت ذاته، تعرفنا على أصدقاء جُدد: القطط، والجرذان، والطيور الصغيرة، والإغوانا التي كانت تدخل من خلال أسيجة السجن، وتطلب أن نشاركها وجباتنا". يقول الضيفي إن صداقة جيدة جمعته بالفتاة الحسناء "الإغوانا". كانت تزوره كل يوم، في نفس الوقت، ليتناولا وجبة الغداء سوياً، وعندما أَضْرَب عن الطعام، شعر بالخجل لعدم استطاعته مشاركتها الطعام، لتبقى في جوعٍ، مثله. "كان يعاقبنا الحُراس أحياناً عند مشاركة وجباتنا مع الحيوانات، ولكن لم يتمكنوا من منعي التحدث إليها. الإغوانا لم تكن متحدثة جيدة، ولكنها كانت مستمعة جيدة لي". بعد 7 سنوات من العزلة المطلقة، نُقل إلى سجن جماعي، تمكن فيه من التحدث مع "بشر". لم يكن يعرف الكثير عن العالم، لأن قريته الصغيرة في جبال اليمن، التي وُلد فيها، كانت عالمه كما يقول، وعندما انتقل إلى غوانتانامو في عمر الـ19، أصبح عالمه الجديد هو المعتقل، الذي لا يعرف شيئاً خارج أسواره. "ظننت حتى بلغت الـ12 من عمري أنني وُلدت من ركبة أمي. لقد تعلمت في المدرسة كيف يولد الأطفال، ولكن في مجتمعي اليمني لم يكن هناك أي مواعيد غرامية، ولذلك بَقِيت المعلومات نظرية، وذلك ينطبق على معتقلين آخرون أيضاً. عدد قليل منّا تزوج أو يعرف أي شيء عن العلاقات التي تجمع ما بين الرجل والمرأة". ورغم الغموض الذي يعيشه الضيفي، فيما يتعلق بالنساء، إلا أنه اعترف أن "الحديث عن النساء كان موضوعنا المفضل" في السجن، لأنه أمر أشعرهم بالارتياح والاسترخاء، ولكن ليس بطريقة سيئة لأنها محرّمة في الإسلام، حسب قوله. كشف أيضاً أنه، والمعتقلين الآخرين، كانوا يتخيلون النساء حولهم. "لم نكن الوحيدين الذين افتقدنا وجود الإناث، بل الحرس أيضاً".

"إن كنتم نساءً، كيف ستجيبون؟"

بعدما رأى أحد المعتقلين المتزوجين حماسة "العزّاب" لمعرفة المزيد عن عالم النساء، قرّر أن يعطيهم درساً في الحب. "لقد نظمنا آنذاك دروساً لنتعلم من بعضنا البعض كل ما يمكن تعليمه". "ما كيفية معاملة النساء برأيكم؟" كان السؤال الأول، في الحصة الأولى من درس الزواج والحب. الجواب الذي اتفق عليه بعض المعتقلين "المعاملة باحترام"، بينما قال آخرون إن "الرجال كانوا ويبقون قوامين على النساء". عَكَسَ معلمهم السؤال وقال "إن كنتم نساء، كيف يمكن أن تجيبوا؟ كيف تحبون أن يعاملكم الرجال؟"، ليتلقى المعلم ضحكات على الفور لأن المعتقلين لم يتخيلوا أنفسهم نساءً من قبل. "انظر إلى منصور والشعر يملأ جسده..إن كان امرأة سيُخيف كل الرجال"، هذا ما قاله أحد المعتقلين للضيفي. سخر آخر قائلاً "إن كنت امرأة، سأجعلكم تحلمون، وتبكون، وتنفقون كل أموالكم عليّ، ولكن لن أسمح لأحد منكم أن يمسّ شعرة واحدة مني". وسط أجواء المزاح والنكات، التي سادت، قال المعلم "أجبن أيتها النساء!" قال الضيفي "إن كنت سأختار شخصاً يرافقني في حياتي، سأختار زوجة أفضل مني". حاول أحد "الطلاب" إحراجه قائلاً "هل ستكون زوجتك من يتحمل المسؤولية؟ هل كُتب على الرجال أن يكونوا مثل الحمير، يخدمون زوجاتهم؟" جدالٌ بدأ بين الاثنين، ليجيبه الضيفي "يعتقد الرجال أن لهم القوامة على مر التاريخ، ولكن انظر إلى أين توصلنا مع كل تلك الحروب.. فنحن لا نمنح الحياة لروح واحدة مثل النساء، بل ننهي أرواحاً". وأضاف "جميعنا هنا، مذنبون وأبرياء، نتحدث عن الزواج، بدلاً من أن نعيشه بسبب ما فعلوه الرجال.. تخيلوا السلام الذي سيعم علينا إن كانت النساء من تتولى حراستنا في هذا السجن". "منصور متحيز للنساء" سخر أحدهم، بينما قال آخر "لو كنت امرأة لتزوجتك!"

ابنة شقراء… وأمل

أكمل المعلم درسه، وأخبرهم عن شعور الحب، وتلقي الحب في المقابل، كما أخبرهم عن المشاعر التي ترافق الرجل عند الحديث مع المرأة التي يحبها، وكيف يتصرف يوم خطوبته، ومن ثم انتقل إلى اليوم الأهم، وهو يوم زواجه. كتب الضيفي معلقاً "لم أعش قصة حب في حياتي، ولكنني شعرت بطعم لذتها.. ندمت على عدم زواجي قبل دخولي المُعتقل. أفتقد جزءاً من نفسي، وذلك الجزء هو زوجة وعائلة". رافقته في سجنه صورة لابنة صديقه الشقراء ذات الـ10 سنوات لفترة من الزمن. عند زيارة أي شخص له، كان يقول بأنها ابنته التي أطلق عليها اسم "أمل"، والتي لم يلتقِ بوالدتها بعد. بقيت الصورة في سجنه حتى أتى الحراس في إحدى ليالي غوانتانامو، ومزّقوا كل شيء في "الزنزانة"، حتى صورة "أمله". قال إنه كان من الممكن أن يتوقف عن حضور دروس الزواج، ويتوقف عن الحلم بالحب. ولكن بالنسبة له، الشيء الوحيد الأصعب من العيش بلا حب، هو العيش بلا ألم لأن الألم يذكّره بأنه لا يزال حياً، "الألم كالحب أحياناً، ولأنني أتخيل الحب، حتى من دون صورة، كان الأمل يرافقني". بعد سنوات، سُمح للضيفي الاتصال بعائلته. هاتف والدته وطلب منها تدبير زواج تقليدي له، ولكن بعد دروس الزواج، تغيرت قناعاته وقال إن "بيع الفتيات كالخرفان يؤلمه". في آخر درس، طلب المعلم منهم ألا ينسوا أول سؤال وجه إليهم، مشدداً على أن لكل منهم الآن جواب حول "كيف يجب أن يُعامل الرجال النساء".
بعدما رأى أحد المعتقلين المتزوجين حماسة "العزّاب" لمعرفة المزيد عن عالم النساء، قرّر أن يعطيهم درساً في الحب. "ما كيفية معاملة النساء برأيكم؟" كان السؤال الأول في الحصة الأولى من درس الزواج والحب.
قصة حب عاشها وأُخرى تعلمها أثناء اعتقاله في غوانتانامو لـ 14 سنة… شهادة اليمني منصور الضيفي عن الحب والعلاقات وما يمكن تعلّمه حتى في أكثر الأماكن ظلماً وبؤساً.
في عام 2016، تم الإفراج عن الضيفي، ولكن لم يُسمح له بالعودة إلى اليمن. هو اليوم في صربيا، ويقول "أعيش وحيداً، لم ألتقِ بعد بالصديقة التي ستصبح زوجتي، والتي ستعلمني فن الحب". ويعود بذاكرته إلى صديقته الإغوانا، معلقاً "لا أمتلك إغوانا للتحدث معها هنا، ولكنها علمتني في غوانتانامو كيف أعتني بالآخرين، وكيف أشعر بالحياة وأنا خلف القضبان". "الشكر أيضاً يعود إلى دروس الزواج. سأكون زوجاً صالحاً وأباً محباً يوماً ما".. هكذا تعلم الضيفي الحب، في أكثر البقع ظلماً وكرهاً. وكأن الحياة تبحث عن الأشخاص الأكثر حاجة إليها لتعطيهم بصيصاً من أمل، وقد لا يقتصر على صورة لطفلة شقراء معلقة على حائط زنزانة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image