في أحد النوادي الليلية في مدينة برلين، امتدّت أجواء الاحتفال حتى ساعات الفجر وبقي المئات يرقصون ويضربون بأقدامهم الأرض لساعاتٍ طويلةٍ من دون أن يشعروا بالتعب أو بالإرهاق.
بخلاف ما يعتقد البعض، فإن هؤلاء الأشخاص لم يستمدوا طاقاتهم المذهلة من حبوب الإكستازي أو من تعاطي الكوكايين، إنما لجأوا إلى مادةٍ طبيعيةٍ سرعان ما تحوّلت من كونها superfood إلى مادة تعمل على الإطاحة بعالم المشروبات الكحولية والمواد المخدرة: الكاكاو.
كيف شق هذا المكون طريقه إلى قلوب البشر وانتقل من كونه "طعام الآلهة" إلى سرّ نشوة عشاق السهر والحفلات الراقصة؟
طعام الآلهة
في اللغة اللاتينية يعرف الكاكاو بكونه "طعام الآلهة"، ومسألة إدراجه في الطقوس والاحتفالات الروحية تعود إلى حقبةٍ قديمةٍ من الزمن، إذ إن شعوب حضارة أولمك كانت تعتمد على الكاكاو كمشروبٍ مقدسٍ يرافق طقوسها وحفلاتها. كذلك كانت قبائل المايا تعتقد أنه عندما يكون هناك خلل بين البشر والطبيعة، فإن الكاكاو يأتي من الغابات لفتح قلوب الناس وإعادة الكوكب إلى حالة الوئام.مسألة إدراج الكاكاو أو طعام الآلهة في الطقوس والاحتفالات الروحية تعود إلى حقبةٍ قديمةٍ من الزمن، إذ إن شعوب حضارة أولمك كانت تعتمد على الكاكاو كمشروبٍ مقدسٍ يرافق طقوسها وحفلاتها.
تم ربط الكاكاو بفكرة التواصل العميق مع الذات والإثارة الجنسية، خاصة أن استهلاك هذا "الإكسير" الطبيعي يعزز الروابط بين الناس ويجعل مشاعر الحب تجاه الآخرين تتدفق بسهولة من دون عوائق.وعليه، واظبت شعوب المايا على غرس أشجار الكاكاو وتحضير مشروب الكاكاو الحار في المناسبات المهمة مثل مراسم الخطبة والزواج وحتى الموت، إذ كانت حبوب الكاكاو ترافق المرء في عملية انتقال روحه بعد الموت، من هنا كان يُوضع وعاء من الكاكاو بالقرب من جثة الزعيم أو الملك على اعتبار أن هذه المادة تساعد الروح الميتة على الدخول إلى الجنة. إن مثل هذه الاحتفالات الدينية المرتبطة بالكاكاو موجودة منذ آلاف السنين، خاصة أن بعض الشعوب مثل المايا والأزتيكيون اعتبرت الكاكاو هدية سحرية من الآلهة لكونها تزود المرء بالطاقة وبالوضوح العقلي وبالقوة والشجاعة. واللافت أن استهلاك الكاكاو في تلك الحقبة الزمنية كان يقتصر على العائلات الملكية والمحاربين، كون هذه المادة ترمز إلى الوجاهة والفخامة، إذ كانت النخبة تستمتع بمذاقها وهي جالسة حول النار تناقش مسائل فلسفية وهواجس سياسية، وبالتالي كان هذا المشروب يسهل عمليتي التركيز والتواصل بين الأفراد للخروج بخططٍ وحلول تنهض بالمجتمع. ومع الوقت اكتسبت حبوب الكاكاو أهمية استثنائية، وأصبح الكاكاو أكثر من مجرد شراب احتفالي، لأنه لعقود تم استخدامه في الطب وفي عملية التجارة، بحيث اعتبرت حبوب الكاكاو سلعة ثمينة ومصدراً للتبادل الاقتصادي، إضافة إلى تبادلها بين الأحباء كنوع من الولاء والإخلاص باسم الحب. وفي العام 1519، شق الكاكاو طريقه إلى أوروبا، لتنتقل لاحقاً متعة هذا الطعم إلى العالم العربي.
الحبة السحرية
يحتضن الكاكاو قوة الأنوثة والجنس والخصوبة في العديد من الثقافات في العالم. هل تساءلتم عن السبب الذي يجعل العشاق يتبادلون علب الشوكولا في المناسبات الرومانسية؟لنكن واضحين، لن يشوه الكاكاو واقعكم بل سيجعل التجربة تتضاعف بدلاً من إضعافها بالكحول والمخدراتالجواب قد يكمن في "حبة الكاكاو" التي تعمل كمنشط جنسي قوي يوقظ هرمونات الحب في الجسم مثل السيروتونين والدومابين. من الناحية الغذائية، يحتوي الكاكاو الخام على وفرة من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، كما أن "الثوبروما" في الكاكاو ينشط تدفق الدم إلى القلب والدماغ، مما يسهل عملية البوح بالمشاعر العميقة خاصة في طقوس الشفاء التي تعتمد على معالجة الأحاسيس العاطفية عن طريق مشاركتها مع الآخرين. من هنا تم ربط الكاكاو بفكرة التواصل العميق مع الذات والإثارة الجنسية، خاصة أن استهلاك هذا "الإكسير" الطبيعي يعزز الروابط بين الناس ويجعل مشاعر الحب تجاه الآخرين تتدفق بسهولة من دون عوائق، ولعل هذا السبب يفسر إقدام الأفراد على تناول الشوكولا عند شعورهم بالوحدة والاكتئاب، بعدما أثبتت الدراسات أن الكاكاو من شأنه تحسين المزاج والمساعدة على تخطي العواطف السلبية. via GIPHY في هذا الصدد، ذكر موقع soul discovery بعض "الفوائد الروحية" للكاكاو: -تجعل الاتصال مع النفس ومع الآخرين أعمق. -تساعد في جلب الوعي إلى الأشياء التي تقف بوجه تحقيق أحلامكم. -تؤمن اتصال أقوى مع النفس العليا (الحدس، الروح، الله...) مما يؤدي إلى تعزيز الاتصال مع قوتكم الخاصة وحقيقتكم خاصة أنها تجعلكم تتعمقون في آلامكم في سبيل الشفاء. -خلق مشاعر التنوير والنشوة مما يؤدي إلى اختبار مزيد من الحب في حياتكم واتصال أقوى مع قدراتكم الروحية. وتحدث موقع goddessceremony.com عن القوة السحرية لاحتفالات الكاكاو التي "تفتح قلوبكم وتجعلكم تغوصون في أعماقكم"، خاصة أن "الكاكاو يرشدكم، يحبكم ويتعاطف مع قلبكم... صحيح أنه لطيف إلا أنه حازم أيضاً إذ يشفي جروحكم ويجعلكم تشعرون بالامتنان لكل ما أنعم الله عليكم في حياتكم".
إدمان من نوع آخر؟
باتت ثورة الشوكولا الثانية تلوح في الأفق، لأننا اليوم في طريقنا إلى اختبار متعة من نوع آخر موجودة في حبة الكاكاو التي، كما أشرنا، تحمل خيرات مذهلة للجسم والعقل على السواء. هل تحولت بودرة الكاكاو إلى نوع جديد من المخدرات؟ بهدف الوصول إلى النشوة دون خرق أي قوانين أو تناول مواد مخدرة تحمل مخاطر عديدة، انتشرت موجة جديدة في بعض حفلات الرقص والنوادي الليلية في العالم وبطلها الكاكاو الخام. via GIPHY هذه "الموضة" التي بدأت في برلين، من خلال تقديم الكاكاو الخام بدلاً من الكحول والمخدرات مثل الإكستازي والكوكايين، لاقت رواجاً إذ بدأت مادة الكاكاو تنتشر على شكل مسحوق أو حبوب أو مشروب، على حدّ ما جاء في تقرير لصحيفة الديلي ميل البريطانية. فقد أوضحت الصحيفة أن مادة الكاكاو تحفز إطلاق الأندورفين، مما يمكن أن يؤجج مشاعر النشوة خاصة عندما يتم "تعاطيها" أثناء سماع الموسيقى الراقصة. من ناحية أخرى، فإن الشوكولا يحتوي على كميات كبيرة من الماغنيزيوم الذي يريح العضلات، كما أن احتواءه على مادة نباتية تعرف بـepicatechin يعطي الجسم دفعة كبيرة من الطاقة من خلال توسيع الأوعية الدموية. ونظراً للإقبال الكثيف عليه، تعمل بعض النوادي الليلية في أوروبا على تقديم مسحوق الشوكولا مع التوت أو الزنجبيل أو النعناع، إضافة إلى قيام صانع الشوكولا البلجيكي "دومينيك برسوني" بابتكار جهاز يسهل عملية استنشاق البودرة كالكوكايين. تباع الجرعة الواحدة من مسحوق الكاكاو بسعر 45 يورو، ويتم تصديره من أوروبا إلى الهند وكندا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية. ورغم الشعور بالنشوة والسعادة العارمة والطاقة المذهلة جراء استخدام الكاكاو الخام، فإن البعض يؤكد أن هذه المادة غير مضرة كسائر أنواع المخدرات: "لنكن واضحين، لن يشوه الكاكاو واقعكم بل سيجعل التجربة تتضاعف بدلاً من إضعافها بالكحول والمخدرات"، وفق ما تؤكده "روبي ماي"، منظمة حفل Lucid في برلين (وهو الحفل الراقص الذي تغيب فيه الكحول ويستعاض عنها بمشروبات الكاكاو الممزوجة مع العسل والقرفة).رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع