قد تكون مقاطع الفيديو التي نشرتها الشابة الإيرانية مائدة حجابري وهي ترقص في غرفتها على أنغام الموسيقى الفارسية والبوب الغربي، عاديةً بالنسبة إلى الكثيرين منّا، إلا أنها أثارت "زوبعة" من الجدل إثر قبض السلطات الإيرانية عليها، بتهمة خرق القوانين السائدة في البلاد، والتي تحظر على النساء الرقص في الأماكن العامة أو الظهور من دون غطاء للرأس.
من هنا بحث موقع bbc في كيفية استخدام الرقص كقوةٍ فعليةٍ ضاغطة لتحقيق المطالب الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ.
إدانة وتضامن
https://www.instagram.com/p/Bk-Tni2lTvI/?utm_source=ig_web_copy_link لعلّ الشق المثير للانتباه في قضية "مائدة حجابري" يتمثل بالموقف الذي اتخذته الشابة الإيرانية أثناء ظهورها على التلفزيون الحكومي يوم الجمعة، مشددةً على أنها لم تنشر مقاطع الفيديو على إنستغرام بهدف جذب الانتباه أو لتشجيع النساء الإيرانيات على القيام بالمثل. فكيف جاءت الردود الفعل الإيرانية على تصريحات حجابري؟ في ظل اعتقاد البعض أن مائدة أُجبرت على الإدلاء بتلك التصريحات تحت الضغط، فإن موقفها أثار حفيظة شريحةٍ كبيرةٍ من الجمهور الإيراني ومن بعض رجال الدين، على غرار محمد تقي فاضل ميبدوي، الذي تساءل:" ما الذي يعتبر خطيئة كبرى، الرقص أو سرقة الموارد العامة؟"."اعتقلتني السلطات عندما كان عمري 23 عاماً لأنني كنت #هابي والآن تقوم السلطات نفسها باعتقال #مائدة حجابري وهي في الثامنة عشرة من عمرها! ماذا ستفعل في الجيل القادم؟"ففي الواقع تمكنت هذه الشابة الإيرانية البالغة من العمر 18 عاماً من أن تجمع آلاف المتابعين لحسابها على إنستغرام، كما شنت باسمها حملة تضامن هائلة عبر الإنترنت، إذ قامت مئات النساء الإيرانيات بكسر حاجز الخوف ونشر فيديوهات لهنّ وهنّ يرقصن، للتعبير عن تضامنهنّ مع حجابري وللمطالبة برفع القيود المفروضة على الرقص. وتعليقاً على اعتقال السلطات الإيرانية حجابري، قالت المصورة الإيرانية "ريهاني تارافاتي"، التي جرى اعتقالها أيضاً في العام 2014 مع مجموعةٍ من السيدات بتهمة الرقص في العلن على أنغام أغنية "هابي" لمغني الراب فاريل ويليامز: "اعتقلتني السلطات عندما كان عمري 23 عاماً لأنني كنت # هابي والآن تقوم السلطات نفسها باعتقال # مائدة حجابري وهي في الثامنة عشرة من عمرها! ماذا ستفعل في الجيل القادم؟".
الرقص شيطاني
على مر التاريخ، ألهبت الرقصات الدولية المشاعر وأُلحقت بها النيران الشيطانية، فبالعودة إلى القرن السابع عشر، أدان الكاتب والمحامي البريطاني "ويليام براين" الرقص، واصفاً إياه بأنه "الحرية للتطفل وصديق الأشرار واستفزاز للشهوات الجسدية... هواية لا يستحقها الأشخاص الشرفاء"."الرقص سلاح في الصراع الطبقي الثوري"يوضح موقع "بي بي سي" أن الرقص الشعبي أثار "هستيريا أخلاقية" أتى على ذكرها العديد من الكتب مثل: From the Ballroom To Hell (1894) للكاتبة "اليزابيث الدريش" التي تحدثت فيه عن "شياطين" الرقص، وكتاب The Heritage of Hell (1942) للكاتب "دان غيلبرت" الذي تناول من خلاله رقصة Jitterbug التي، وفق رأيه، "خرجت من بيت الدعارة وأثبتت هيمنتها غير الأخلاقية على حياة ومصير الشباب الأميركي". بغض النظر عن العصر أو المنطقة الجغرافية أو الإيقاع، فإن "الخطر" الأساسي المصاحب للرقص يبقى بالنسبة إلى البعض كما هو، بحيث يعتقد هؤلاء أن الرقص يعزز الحرية الجنسية و/أو يكسر الحواجز الاجتماعية خاصة أنه يشكل عملاً حيوياً للتمرد على أشكال الظلم في جميع أنحاء العالم.
الإحتجاج بالرقص
بالعودة إلى قضية مائدة حجابري وتعليقاً على مقاطع الفيديو التي انتشرت على الإنترنت وتظهر نساء إيرانيات وهنّ يرقصن تضامناً مع الفتاة، اعتبرت الصحافية الإيرانية المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية "مسيح علي نجاد" أن المسألة "ليست مجرد رقص بسيط، بل فعل احتجاج". لطالما خاض الرقص، في جميع أنحاء العالم، معارك حيوية بهدف الفوز، ففي جنوب أفريقيا مثلاً كان الاحتجاج على الفصل العنصري يتم عن طريق الرقص، وخاصة "توي-توي" Toyi-Toyi، المعروفة برقصة "حروب السود في جنوب أفريقيا"، فما يميّز هذه الرقصة هو أنها جماعية ديناميكية نشأت لدى مقاتلي الحرية في زيمبابواي، وإعتمدت بقوة في التظاهرات المطالبة بمناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. واللافت أن رقصة "تويي-تويي" التي تفسح المجال أمام المظلومين لرفع الصوت والتعبير عن احتجاجهم، تكون مصحوبة بهتافاتٍ جماعيةٍ معيّنةٍ، بما في ذلك Amandla! Awethu! (التي تعني "السلطة للشعب". فما هي القوة الكامنة وراء هذه الرقصة؟ في مقالٍ في مجلة "كايب تاون"، بعنوان:" يمكنك أن تأخذ كل شيء من جنوب أفريقيا، ولكن لا يمكنك منعنا من الرقص"، تعرب الصحافية "ليزا نيفيت" عن مدى إعجابها بمشاهدة رقصة "توي-توي"، بحيث كان الناس العزل من المال والسلاح، يرقصون وهم يرددون شعاراتٍ سياسيةٍ بغية الضغط على الحكومة من أجل تنفيذ وعودها، الأمر الذي بث الذعر في قلوب القوات المسلّحة التي حاولت احتواء هذه التحركات.الرقص في الصراعات الإجتماعية
شهد الرقص في الولايات المتحدة الأميركية منعطفاتٍ مثيرةٍ للاهتمام، مع شخصياتٍ لعبت دوراً مهماً في عالم الرقص، مثل "إديث سيغال" التي ألهمتها الاشتراكية السوفياتية فأسست شركة Red dancers في العام 1928، وانخرطت في نشاطاتٍ تدور حول الوحدة العرقية. وفي الفترة نفسها، وفي مواجهة الكساد العظيم، اعتبرت مجموعة New dance في نيويورك أن "الرقص سلاح في الصراع الطبقي الثوري"، وقد تحدثت "ستايسي بريكيت"، أستاذة في الرقص المعاصر، عن الثورة التي استخدمت الرقص لـ"فضح الحقائق القاسية للمجتمع في الثلاثينات، والانعكاسات الاجتماعية المدمّرة على إنهيار سوق البورصة عام 1929". واللافت أن مثل هذه التحركات الجذرية، شكلت خطورةً كبيرةً خلال الحرب الباردة، عندما قامت لجنة تابعة لعضو مجلس الشيوخ "جوزيف مكارثي" باعتقال أي شخص يثبت أنه متعاطف مع الشيوعية. ومع ذلك، لم يسلب من الرقص "روح المعارضة" التي تحظى بها، ففي المرحلة الحديثة التي طبعت الولايات المتحدة الأميركية، كان يعتبر الرقص جزءاً من حركة The Black lives Matter الدولية التي نشأت في كنف المجتمع الأميركي- الأفريقي لمحاربة العنف والنظام العنصري تجاه السود، وذلك بفضل بعض الفنانين والفنانات على غرار Shamell Bell التي تدافع عن رقص الشارع الذي تتخذه وسيلةً للدفاع عن المساواة والعدالة: "إنه وسيلة للتواصل بعضنا مع بعض...نحن هنا من أجل الحب... رغم الكثير من السلبية التي تحيط بنا". كذلك قامت مجموعة من الناشطين الأميركيين الذين ينتمون إلى مجتمع الميم، باستخدام الرقص للردّ على التمييز الجندري والجنسي، وهذا الأمر تجلّى بوضوح في "رقصة الكوير" التي إستقبلوا من خلالها نائب الرئيس الأميركي "مايك بنس" أثناء زيارته إلى كولومبوس في أوهايو. وعن هذا الموضوع، قال المنظم "جاي سميث":"أردنا أن نواجه المواقف المناهضة للمثلية الجنسية من خلال حفلة رقص كبيرة". هناك شيء ما حول الرقص يجعله يخفف من حدّة التوتر ويحوّله إلى طاقة، فهو قادر على تحقيق نقاطٍ جريئةٍ في الوقت المناسب وبطريقةٍ غير متوقعة، ففي العام 2012، شنّت راقصات في فيترينات منطقة الضوء الأحمر في أمستردام حملة جريئة تحت عنوان "مكافحة الإستعباد" (أي المطالبة بوقف عملية بيع وشراء الناس). كما اعتبرت مصممة الرقص اليونانية "بلانيتيا أبيرجي" أن الردّ على أزمة اللاجئين يكون عن طريق الرقص: "الجميع يتحرك، الجميع يمشي، لذلك يصبح من السهل التعاطف مع الإحساس الجسدي للهجرة". [caption id="attachment_155797" align="alignnone" width="1000"] Danseurs Citoyens dirigée par Bahri Ben Yahmed[/caption] في العالم الواقعي الملموس، بات ينظر إلى الرقص على أنه "قوة الحياة"، سواء كان ذلك ي توحيد الدبكة الشعبية الفلسطينية من خلال تشابك الأيدي، أو من خلال وجود المتظاهرين السياسيين في كرنفال ريو أو من خلال Danseurs citoyens التونسية بقيادة مصممة الرقص "بحري بن ياحمد" ومجموعتها "سأرقص رغم كل شيء". وقد سبق أن أكدت "بن ياحمد" أن "الرقص هو شكل من أشكال المقاومة ضد الدوغماتية الاجتماعية والدينية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون