إذا كنت تمتلك 300 ألف يورو، صار بإمكانك الآن الحصول على الجنسية المصرية خلال خمس سنوات.
فقد وافق البرلمان المصري في 16 يوليو بشكل نهائي على قانون يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجنبي مقابل وديعة مالية قيمتها سبعة ملايين جنيه، تودع في البنوك المصرية لمدة خمس سنوات فقط.
أثار القانون الجديد موجة من الاعتراضات والمخاوف في أوساط المهتمين بالشأن العام في مصر، كما قوبل بحالة تهكم ممزوجة بمرارة في أوساط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن هذا القانون مطبّق فعلياً في كثير من البلدان، ولم تخترع مصر العجلة فيه، إلا أن مخاوف وأسئلة كثيرة طُرحت بعد إقراره وعكست في عمقها أزمة ثقة بين قطاع واسع من الشعب المصري وبين النظام الحاكم، ربما استناداً على واقعة تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بتصديق من البرلمان، برغم صدور أحكام من أعلى المحاكم المصرية ببطلان اتفاق ترسيم الحدود، وهي الواقعة التي تركت شعوراً بالمهانة عند نسبة ليست بالقليلة من المصريين.
وفي ظل أزمة الثقة السائدة، طرحت أجوبة مختلفة على سؤال: لماذا الآن؟
أبرز الطروحات الذي دارت في اجتماعات بعض السياسيين وفي ندوات المثقفين، وتناثرت أصداؤها لتصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، هو الطرح الذي ربط هذا القرار المفاجئ بإشكالية اللاجئين المتفاقمة في أوروبا، والتي دفعت القارة العجوز مؤخراً للسعي إلى إقامة مراكز لاستقبالهم في بلدان أخرى، لتقليل ضغط تدفقهم عليها.
وكانت مصر من تلك البلدان، لكنها رفضت. وقد صرّح رئيس البرلمان المصري علي عبد العال بأن رفض القاهرة إقامة تلك المراكز على أراضيها سببه أنها تنتهك الدستور المصري على حد تعبيره.
هذه الفرضية التي لاقت صدى في قلوب البعض ترى أن هذا القانون سيُستخدم لتوطين عدد لا بأس به من اللاجئين القادمين من دول تشهد نزاعات مثل سوريا وليبيا واليمن، في مصر، ولكن لا أدلة ملموسة على صحتها.
وبعيداً عن تحليلات السياسيين والناشطين، كان المشهد تحت قبة البرلمان منضبطاً إلى حد بعيد. فرغم أن البعض اعتقد أن الاعتراضات على مشروع القانون، والتي صدرت من أسماء محسوبة على النظام مثل المحامي خالد أبو بكر، والصحافية ياسمين محفوظ، تعني أن هناك جناحاً ما داخل أروقة الدولة وأجهزتها يعترض على ذلك القانون، وأن هذا سينعكس على جلسة التصويت النهائية عليه، إلا أن مجريات الجلسة ونتائجها أتت بعكس تلك التوقعات.
لم يعترض على القانون الجديد ألا 11 نائباً فقط، وهم النواب المحسوبون على كتلة المعارضة بالأساس، أما بقية أعضاء المجلس فكان تصويتهم بنعم.
وعرض النائب هيثم الحريري، أحد أبرز النواب المعترضين على القانون لرصيف22 مخاوفه منه وقال: "ما المبرر من هذا القانون الآن؟ هم يحدثوننا عن أنه لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فعملياً المستثمر الذي يتحدثون عنه تهمّه سهولة الدخول والخروج من البلاد لا جنسيتها، ثم أن الامتيازات والتسهيلات التي تُمنح للمستثمر فضلاً عن الحماية أفضل بألف مرة من المواطنة، وكم من مستثمر نجح بسبب جنسيته في رفع قضايا أمام المحاكم الدولية، ولعل قضية فندق سياج أشهر تلك الأمثلة".
"مصر ليست دولة جاذبة للجنسية من حيث الحقوق والحريات والامتيازات. بالعكس. المواطن المصري مزدوج الجنسيه يفضل استخدام الجواز الأجنبي في المطار وقسم الشرطة والمصالح الحكومية، لأنه يعرف أن الجواز الأجنبي يسهّل أموره أكثر"وأضاف النائب الحريري أن "مصر ليست دولة جاذبة للجنسية من حيث الحقوق والحريات والامتيازات. بالعكس. المواطن المصري مزدوج الجنسيه يفضل استخدام الجواز الأجنبي في المطار وقسم الشرطة والمصالح الحكومية، لأنه يعرف أن الجواز الأجنبي يسهّل أموره أكثر". وتساءل الحريري عن "سر" الخمس سنوات، وهي المدة اللازمة ليأخذ صاحب الوديعة الجنسية، وقال: "لماذا خفضت من عشر سنوات إلى خمس فقط؟ هل هناك شخص أو حالة بعينها تريدون تسوية أوضاعهم ففُصّل هذا القانون على مقاسهم؟". تساؤلات ومخاوف الحريري تتفق إلى حد كبير مع المخاوف التي طرحها المشاركون في تغريدات على هاشتاغ #لا_لبيع_الجنسية والتي تحركت كلها من نفس الأرضية: فقدان الثقه في نوايا النظام، وطرح التساؤل: لماذا الآن؟ في المقابل، يستهل عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان المصري وضابط المخابرات السابق اللواء تامر الشهاوي حديثه لرصيف22 بقوله: "ليس حقيقياً أننا نبيع الجنسية كما يُشاع أو أن هناك أجندة خفية ونوايا خبيثة كما يزعم البعض". ويضيف: "الدولة منذ مدة وهي تتجه نحو تحفيز الاستثمار، وقد اتخذت عدة إجراءات، إذ سنّت قوانين في هذا المسار، وما نحن بصدده هنا هو تعديل في القانون بإضافة مادة على محفزات الاستثمار". ويستطرد الشهاوي بالقول: "لو أنك مستثمر كويتي أو سعودي مثلاً، هل تستثمر أموالك في مصر؟ أيهما أفضل لك؟ أن تعطل مصالحك ومشاريعك باستمرار انتظار تصديقات أمنية قد تطول لشهر وأكثر ربما، أم تكون لديك جنسية تسمح لك بحرية الحركة والتعامل؟". إذن، الهدف برأيه هو تحفيز الاستثمار ليس إلا، أسوة ببلدان شتى، ونظرية المؤامرة والتشكيك لا محل لها من الإعراب هنا مطلقاً. وعن المخاوف من أن يكون القانون الجديد ثغرة لنفاذ إسرائيليين إلى المجتمع المصري كما تساءل البعض، أجاب الشهاوي: "هناك ضوابط وقواعد منظمة لتلك العملية، فبعد خمس سنوات على الوديعة، لن يحصل المستشمر أوتوماتيكياً على الجنسية، بل سيقدم طلباً ومن حق الدولة رفض الطلب وهنا ترد له الملايين السبعة، أما إذا قُبل طلبه فتحوّل الأموال إلى خزينة الدولة مباشرة". بين متشكك في نوايا النظام ومتفائل بمستقبل الاستثمار، تتأرجح المواقف في مصر حيال القانون الجديد. والثابت الآن أنه إذا كنت تمتلك تلك الأموال فقد أصبح بإمكانك الحصول على الجنسية المصرية خلال خمس سنوات. فمَن سيتقدم للحصول عليها، ولماذا؟ هذا ما سيتضح قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...