"انتزاع إرادي من إغراءات الجنون! إن ذلك بالتحديد هو ما أفعله أنا في كل لحظة. لحظات تخامرها فعلاً ميول إلى النوم (...) لعل هؤلاء المجانين المرتمين في أحضان الخرافات، والمستسلمين بكسل لقطار الحياة العادية، سعداء حقاً. لماذا لا أستطيع أن أكون مثلهم؟ لماذا اختلفت عنهم؟ ما هي الجرثومة التي أصابتني ومزقتني وقذفت بي خارج هذا القطار؟".
تقسم الكاتبة روايتها إلى أيام وليالٍ تبدأ بالنهار الأول والليلة الأولى، بدلاً من الفصول، فالشاب الذي يمارس حياته نهاراً ينقل ما يحدث معه وهو يتأمل فيه وفي معناه وجدواه، وحين يعود ليلاً إلى غرفته تطارده الذكريات.أسئلة كثيرة تؤرق شخصيات "شمس بيضاء بادرة"، رواية كفى الزعبي التي تدفعنا للتساؤل إنْ كان كل ما في هذا الكون يدعو إلى الجنون
استيلاء على الميراث، وعلاقة جنسية وإجهاض وموت في رواية "شمس بيضاء باردة"، تضع المبادئ التي نتبناها والواقع الذي نختاره في أزمة أخلاقية مستحيلةهكذا يستعيد ماضيه القريب، وأكثر ما يؤرقه في هذا الماضي هو "عائشة". الفتاة التي لديها مشكلة عقلية، والتي توفيت أمها في حادث، فسكنت الفتاة في دارهم. يستولي والد راعي على أملاك الفتاة غير عابئ بضمير أو أخلاق، ويكون هذا مثار ازدراء الشاب الكاره لتصرفات الأب. مع ذلك، حين تتسلل الفتاة إلى غرفته ليلاً، وتندس في الفراش إلى جواره، لا يتمكن "راعي" من صدها، بل يمارس الجنس معها، مدفوعاً بغريزته وحدها، ويكرر هذا الفعل مراراً رغم أنه في كل صباح يندم عليه، ويرى أنه لا يختلف عن والده الذي سرق مال الفتاة دون وجه حق. حين تحمل عائشة، ودرءاً للفضيحة، يقرر الأب أن الحل الوحيد هو إجهاضها، وفعلاً يتم ذلك دون أي نقاش من الابن الذي يريد التخلّص من ورطة. لكن "اللعنة" التي تعرف طريقها إليه، تتسبب في موت الفتاة، ليبقى حاملاً وزر خطيئته طوال السنوات اللاحقة.
"مزقت قماش المخدة بأسناني. أنا وأبي القاتلان. أنا وهو استبحنا هذه المسكينة. ما الذي يميّزني منه؟ (...) من أنا؟ ما أنا؟ 'أنت ظلي على هذه الأرض'. إنه صوت الشيطان. أنا ظل الشيطان على هذه الأرض، ظل تائهٌ مخنوق في جلده، لا يكف عن البحث عن إله ينقذه".
"فجأة يخطر في بالي أن مأساة الإنسان هي عقله، فبفضل ذكائه اكتشف الإنسان الشر وفاق بوحشيته كل الكائنات الأخرى. عقل يبرر الشر بمسوغات نكذب بها على أنفسنا كي تغدو الحقيقة قابلة للاحتمال. عقل يستثمر الغباء والبله. عقل يبتدع أوهاماً تنقذه من الموت والعدم. عقل يقتل الآخر في سبيل الوهم. عقل يمسح يديه من الدماء ثم يلقي على كتفه قماش قصيدة، يتغنى فيها بإنسانيته".
مؤلفة الرواية، كفى الزعبي، هي روائية أردنية، درست الهندسة المدنية. تقيم بين الأردن وروسيا، وهي حالياً متفرغة للكتابة. لها ست روايات، من أبرزها: "سقف من طين"، و"ليلى والثلج ولودميلا"، و"ابن الحرام"، و"س". الناشر: دار الآداب في بيروت، عدد صفحات الرواية 320، صدرت الطبعة الأولى في 2018، يمكن الحصول على الرواية من موقع النيل والفرات (الرابط).رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه