شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
يوم انتحار عزرائيل، رواية عن الصراعات في جنوب السودان

يوم انتحار عزرائيل، رواية عن الصراعات في جنوب السودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 2 يوليو 201808:32 ص
نظلّ محتارين في أمر العنوان الذي اختاره الكاتب الجنوب سوداني "آرثر غابرييل ياك" لروايته الأخيرة "يوم انتحار عزرائيل"، ونحن نقرأ الأحداث فيها، ولا ننفكّ نسأل أنفسنا مع كل شخصية جديدة تظهر إن كانت هي المقصودة بعزرائيل الذي سينتحر، نتابع القراءة ونحن نمنّي النفس بمعرفة الجواب، لكننا لن نحصل عليه إلا في الصفحة الأخيرة. تبدأ أحداث الرواية مع الكولونيل فرانكو، الذي يسمع وهو جالس في مكتبه أصوات أسلحة، وسرعان ما يأتيه الخبر: "إنهم يريدون قلب حكومتنا". هكذا يستلهم الكاتب السوداني من الصراع الذي نشأ في 16 ديسمبر 2013، بين قبيلتين من القبائل في جنوبي السودان، موضوعاً لروايته. The-day-of-Ezrael's-suicide,-a-novel-about-the-conflicts-in-southern-Sudan وأما القبيلتان المتنازعتان فهما "الدينكا" التي ينتمي إليها بطل الرواية، وقبيلة "النوير" التي تريد الاستيلاء على السلطة.

"عاد الكولونيل بظهره إلى الوراء قليلاً، رأى أن خطر الانشقاق الذي جعل الحركة الشعبية لتحرير السودان تتقهقر سنوات إلى الوراء بعد أن تحوّل إلى معارك دموية انتقامية بين الدينكا والنوير يُحدق بقبيلته الآن، وأن السلطة التي أصبح يراها ملكاً لقبيلته تريد أن تنزلق من بين أيديهم وتغادر بحيث يعلم الله متى تعود مرة ثانية".

تصوّر الرواية الأحداث العنيفة التي حصلت آنذاك، وكيف تحوّل النزاع إلى حرب ضروس ومجازر دموية راح ضحيتها الكثيرين، ممن ينتمون إلى القبيلتين، وصار القتل على الانتماء، دون أن يخفف من ذلك كمّ المصاهرات والتزاوج واختلاط الأنساب بينهما.
حتى الصفحة الأخيرة، تظلّ محتاراً في أمر العنوان الذي اختاره الكاتب الجنوب سوداني "آرثر غابرييل ياك" لروايته الأخيرة "يوم انتحار عزرائيل"
غضب وعنف ومفاجآت في رواية "يوم انتحار عزرائيل" التي تتبع قصة قبيلتين في صراع عنيف على السلطة
إذ يصل إلى مكتب الكولونيل فرانكو شريط مصوّر يوضّح كيف يقوم أفراد قبيلة النوير بقتل امرأة من الدينكا دون أن يشفع لها أنها متزوجة برجلٍ نويراني، ولا يستطيع الكولونيل حين يرى هذا الشريط إلا تخيّل أن من في الشريط هي أخته المتزوجة من القبيلة العدوة. هكذا، يبدأ بتنفيذ أقسى الإعدامات المباشرة على المتمردين، فيصوّب كلاشنكوفه على رأس ضحيته دون أن يعرف أي شيء عنها سوى أنها تنتمي إلى الطرف المقابل. غير أن فرانكو نفسه هو ضحية لعائلته، فمن خلال تقنية الفلاش باك يعود بنا المؤلف إلى طفولته ويفاعته، فنقرأ عن والدٍ سادي، يتلذذ بتعذيب الأم وضربها بالسوط قبل ممارسة الجنس معها، وبعد أن ينتهي ينهار في نوبة بكاء مرة على ما فعله. ورغم ذلك، فإن الأم تستيقظ في الصباح لتنظف أدوات تعذيبها. هكذا، نشأ الطفل في بيتٍ محكومٍ بالعنف، ويضاف إلى ذلك كراهية الأب له، ومعاملته له بشكل مختلف عن باقي إخوته، دون سبب واضح.

"بعد تلك الضحكات، كان يقوم بلعق الآثار التي تركتها السياط على ظهرها بلسانه، ككلب ضال هتك الجرب مؤخرته، ثم يأخذ وجهها المبتل بدموعها الحارة ويقبّل شفتيها الرطبتين، بينما هي تتنهد بأنفاس متسارعة مكتومة، وهو يغدق عليها بالاعتذار وطلب العفو والصفح، تماماً كما كان يفعل كل مرة، خاتماً تلك الاعتذارات ببكاء ندم وحسرة وتقبيل الصليب وصورة مريم العذراء متوسلاً وواعداً إياها بأنه لن يفعل ذلك مرة أخرى".

رغم أنّ فرانكو هو الشخصية الرئيسة أو المحورية في العمل، إلا أن هناك عدة شخصيات أخرى لها تأثيرها في مجرى الأحداث، ومنها "جرمايا" الذي تعرض للاغتصاب من قبل معلم المدرسة وهو طفل، فتحوّل حين كبر وانضم إلى الجيش إلى مغتصب للمتمردين حين يقعون في قبضته، إضافة إلى فساده الذي ذاع صيته، فصار يمتلك ثروات وأملاك وحسابات بنكية جراء استفادته من منصبه. وهناك أيضاً شخصية "وليم" صديق "فرانكو" الذي يمثّل صوت العقل في الرواية، فهو دوماً يقف ضد المجازر التي تحدث، وضد الإبادة العرقية، ولكنه، ومع نزوعه إلى العقل، نجده يتزوج بأكثر من امرأة رغم أنه مسيحي، وذلك لأنه لا ينجب، ولا يريد الاعتراف أن السبب فيه هو. كما تظهر شخصيات أخرى تضفي نوعاً من المرح على جو الرواية السوداوي، مثل شخصية "أم لادو" التي تعشق الكولونيل فرانكو سراً، وتحاول الحصول عليه عن طريق إبقاء هذا العشق سرياً حسبما أوصتها إحدى العرّافات، كما تظهر شخصية "صندوق الأسرار" الذي يتمتع بفضول شديد يجعله يحاول معرفة كل الأخبار، ويبدأ بترويج الإشاعات والحكايات المتخيّلة حين يعجز عن معرفة الأسباب الحقيقة لما يحدث. وقد ساعد تنوّع الشخصيات هذا على إعطاء الرواية أبعاداً أخرى، وجعلها تقدّم صورة عن المجتمع المحلي لجنوب السودان، وكيفية عيش الناس فيه، وما هي المعتقدات التي يؤمنون بها، خاصة في المرحلة التي تلت انفصاله عن الشمال، كما ساعدت على إضاءة جوانب جديدة في شخصية الكولونيل فرانكو، بطل الرواية. تصل الرواية واحدة من ذراها في الربع الأخير، إذ نتيجة خلاف ينشأ حول زواج أخته، يقوم أحد أعمام فرانكو بتفجير مفاجأة من العيار الثقيل أمامه: "امشي ابحث عن أهلك النوير"، لتتكشف الأحداث أن أمه كانت حاملاً من رجل ينتمي إلى قبيلة النوير قبل زواجها بمن كان يظنه والده. هكذا، يدرك أن من كان يقتلهم ويشنّع في إبادتهم بصفتهم أعداء قبيلته هم قبيلته الحقيقية التي ينتمي إليها حقاً. 

"وقف الكولونيل يتأمل هذا العالم الذي وُلد فيه وبدأ يحترق أمامه الآن، حاول أن يجد معنى لكل الذي يحدث حوله، فوجده عصياً على الفهم، شعر أن بطنه خاوية وتذكر بأنه لم يقتت شيئاً لأكثر من يومين، فتجاهل ذلك وهو يحدّق في الجثث المحترقة، لكنه فجأة شعر بأن خواء معدته الذي يمكن سده بوجبة واحدة فقط، لهو أقل وطأة من الخواء الذي بدأ يهد جدار نفسه بعنف".

مؤلف الرواية، آرثر غابرييل ياك هو كاتب وصحافي مقيم في جوبا، جنوب السودان. صدر له مجموعة قصصية بعنوان: "لا يهم فأنت من هناك". "يوم انتحار عزرائيل" هي روايته الأولى التي أنجزها ضمن محترف "نجوى بركات" بالشراكة مع برنامج آفاق لكتابة الرواية. الناشر: دار العين/ القاهرة، عدد الصفحات: 384، الطبعة الأولى: 2017. يمكن شراء نسخة من الرواية من موقع الفرات (رابط).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image