"عاد الكولونيل بظهره إلى الوراء قليلاً، رأى أن خطر الانشقاق الذي جعل الحركة الشعبية لتحرير السودان تتقهقر سنوات إلى الوراء بعد أن تحوّل إلى معارك دموية انتقامية بين الدينكا والنوير يُحدق بقبيلته الآن، وأن السلطة التي أصبح يراها ملكاً لقبيلته تريد أن تنزلق من بين أيديهم وتغادر بحيث يعلم الله متى تعود مرة ثانية".
تصوّر الرواية الأحداث العنيفة التي حصلت آنذاك، وكيف تحوّل النزاع إلى حرب ضروس ومجازر دموية راح ضحيتها الكثيرين، ممن ينتمون إلى القبيلتين، وصار القتل على الانتماء، دون أن يخفف من ذلك كمّ المصاهرات والتزاوج واختلاط الأنساب بينهما.حتى الصفحة الأخيرة، تظلّ محتاراً في أمر العنوان الذي اختاره الكاتب الجنوب سوداني "آرثر غابرييل ياك" لروايته الأخيرة "يوم انتحار عزرائيل"
غضب وعنف ومفاجآت في رواية "يوم انتحار عزرائيل" التي تتبع قصة قبيلتين في صراع عنيف على السلطةإذ يصل إلى مكتب الكولونيل فرانكو شريط مصوّر يوضّح كيف يقوم أفراد قبيلة النوير بقتل امرأة من الدينكا دون أن يشفع لها أنها متزوجة برجلٍ نويراني، ولا يستطيع الكولونيل حين يرى هذا الشريط إلا تخيّل أن من في الشريط هي أخته المتزوجة من القبيلة العدوة. هكذا، يبدأ بتنفيذ أقسى الإعدامات المباشرة على المتمردين، فيصوّب كلاشنكوفه على رأس ضحيته دون أن يعرف أي شيء عنها سوى أنها تنتمي إلى الطرف المقابل. غير أن فرانكو نفسه هو ضحية لعائلته، فمن خلال تقنية الفلاش باك يعود بنا المؤلف إلى طفولته ويفاعته، فنقرأ عن والدٍ سادي، يتلذذ بتعذيب الأم وضربها بالسوط قبل ممارسة الجنس معها، وبعد أن ينتهي ينهار في نوبة بكاء مرة على ما فعله. ورغم ذلك، فإن الأم تستيقظ في الصباح لتنظف أدوات تعذيبها. هكذا، نشأ الطفل في بيتٍ محكومٍ بالعنف، ويضاف إلى ذلك كراهية الأب له، ومعاملته له بشكل مختلف عن باقي إخوته، دون سبب واضح.
"بعد تلك الضحكات، كان يقوم بلعق الآثار التي تركتها السياط على ظهرها بلسانه، ككلب ضال هتك الجرب مؤخرته، ثم يأخذ وجهها المبتل بدموعها الحارة ويقبّل شفتيها الرطبتين، بينما هي تتنهد بأنفاس متسارعة مكتومة، وهو يغدق عليها بالاعتذار وطلب العفو والصفح، تماماً كما كان يفعل كل مرة، خاتماً تلك الاعتذارات ببكاء ندم وحسرة وتقبيل الصليب وصورة مريم العذراء متوسلاً وواعداً إياها بأنه لن يفعل ذلك مرة أخرى".
"وقف الكولونيل يتأمل هذا العالم الذي وُلد فيه وبدأ يحترق أمامه الآن، حاول أن يجد معنى لكل الذي يحدث حوله، فوجده عصياً على الفهم، شعر أن بطنه خاوية وتذكر بأنه لم يقتت شيئاً لأكثر من يومين، فتجاهل ذلك وهو يحدّق في الجثث المحترقة، لكنه فجأة شعر بأن خواء معدته الذي يمكن سده بوجبة واحدة فقط، لهو أقل وطأة من الخواء الذي بدأ يهد جدار نفسه بعنف".
مؤلف الرواية، آرثر غابرييل ياك هو كاتب وصحافي مقيم في جوبا، جنوب السودان. صدر له مجموعة قصصية بعنوان: "لا يهم فأنت من هناك". "يوم انتحار عزرائيل" هي روايته الأولى التي أنجزها ضمن محترف "نجوى بركات" بالشراكة مع برنامج آفاق لكتابة الرواية. الناشر: دار العين/ القاهرة، عدد الصفحات: 384، الطبعة الأولى: 2017. يمكن شراء نسخة من الرواية من موقع الفرات (رابط).رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين