أصبحت في الـ47 من عمري، ماذا أنتظر بعد لتصوير بطولة هي الأشهر عالميًا، هذه الكلمات التي قالها المصور الصحفي وليد زين هي ما دفعته إلى السفر لروسيا لتغطية المونديال، ولكن ما زاد من هذا الإصرار هو وصول بلده، مصر، إلى المونديال بعد غياب 28 عامًا، ما جعل السفر تمامًا في التوقيت المناسب.
"وليد" وغيره من بعثة المصورين الصحفيين المصريين الذين سافروا لـ«موسكو» لم تكن مهمتهم فقط التقاط صور جيدة للبطولة العالمية، فخلف الكواليس شاهدوا الكثير من التفاصيل التي تستحق أن تُحكى.
حزن العرب
نعود لـ«زين» الذي يوضح لـ«رصيف22» أنه سافر على نفقته الخاصة من أجل تغطية هذا الحدث، ووصول مصر للمونديال ساهم كثيرًا في تسهيل إجراءات السفر التي يصفها هو بـ«الميسّرة»، في ظل تنسيق مع مسؤول الإعلام في الاتحاد المصري. "منذ اللحظة الأولى أدركت إني كنت على حق"، يكمل «وليد» في شهادته أن شعوره وهو يصور اللاعبين لا يمكن وصفه إلا بكلمتين «المستحيل يتحقق»، ورغم سفره للكثير من الدول فإن روسيا من أجمل البلاد التي زارها رغم أن معظم التحركات بالقطار وهو ما يستغرق وقتًا طويلًا. ويصحبنا «وليد» إلى رحلة التصوير لأي مباراة، فتبدأ الأمور بالوصول قبل الستاد بـ4 ساعات على الأقل ثم يبدأ تسجيل الأسماء وتحضير معدات التصوير، وأبرز التعليمات عدم الوقوف والتحرك أثناء سير المباراة وعدم الاقتراب من اللاعبين نهائيًا أو التدخين داخل أرجاء الملعب. مشاهد لا تنسى في ذاكرة وليد زين، أبرزها جماهير المنتخبات العربية التي حزنت جدًا ما عدا جماهير المغرب التي هتفت لفريقها وكانت في حالة أفضل. والمكسب الحقيقي لتلك الزيارة كانت العلاقات الدولية التي اكتسبها وليد زين من خلال احتكاكه مع مصورين من مختلف الجنسيات، واكتساب خبرة أكبر في التصوير الصحفي خاصة الرياضي منه.من يحضر مباراة لا يستطيع التحدث في السياسة "هنا المخبرون في كل مكان، ومنهم عمال في بعض الملاعب للتنصت على المشجعين الروس بالتحديد"
سان بطرسبرج ليست بهذا الجمال ولكن كل شيء تم تغييره من أجل المونديال، لعل أبرز تلك الظواهر اختفاء المشردين من الشوارع.فالجميع يبتسم لكن في نفس الوقت لا حديث أثناء العمل، فهم يقدسون ذلك جيدًا، وخلال المباراة لا تفارق أعينهم المستطيل الأخضر لالتقاط الصورة المناسبة، وخارج الملاعب يبدأ الحديث والتعرف عليهم وكان انطباعه عنهم أن الجميع يعتبر تصويره لهذا الحدث تاريخًا يصنعه، والتعارف تم من خلال تبادل حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة كل منهم عمل الآخر، ولم يكن هناك فرصة لأكثر من ذلك.
الحماس
المصور الصحفي محمود خالد يصحبنا برحلة خارج الستاد، وتحديدًا في شوارع موسكو فيقول إن هناك صعوبة في التعامل داخل البلد ذاتها، ويعود ذلك إلى اللغة، فالأغلبية ممن التقيتهم لا يتحدثون الإنجليزية، ومتطوعو الفيفا ينتشرون فقط في أماكن المرافق الأساسية مثل المطارات ومحطات القطار والملاعب، دون ذلك فإن التعامل والوصول لما تريده صعب جدًا. "هل تعرف معنى أن الكرة توحد الشعب"، يضيف «محمود» لـ«رصيف22» أن مشاهد الجماهير هي أفضل ما شاهده في البطولة، الوجوه تحمل جنسيات مختلفة وينشدون أناشيد حماسية، كل فرد يرتدي تي شيرت بلاده أو يحمل العلم الوطني الخاص به، حتى في ظل وجود جماهير لبلاد بها عداوة سواء رياضية أو سياسية يتحاشون اصطناع أي مشكلة "هم هنا فقط للتشجيع". وإذا قابلت أحدًا من نفس بلدك يتم السلام وكأن هناك معرفة سابقة، هذا سلوك لا يقتصر على المصريين أو العرب بل في بلاد العالم بأكملها، كما أن هناك جماهير تحمل أعلام بلدها رغم عدم مشاركتهم في كأس العالم."الفايك"
المصور الصحفي محمود فتيح يحكي لـ«رصيف22» عن وجه «قبيح» للمونديال، يقول إن التحدث مع المواطنين الروس أمر صعب، فقليل منهم يجيد الإنجليزية ومعظمهم متحفظون، لكن رحلة قطار من موسكو لـ«ستالينجراد» كانت كافية أن ينجح مع مواطن روسي تحدث في جرأة نادرة كما يوضح "فتيح". ويكشف المصور الصحفي أن ما يحدث في المونديال، وتحديدًا في موسكو، هو وجه احتفالي مؤقت، فملايين الروس يعانون من الفقر وكثيرون منهم لا يتحملون ثمن تذكرة لدخول أي مباراة، كما أن من يحضر مباراة لا يستطيع التحدث في السياسة "هنا المخبرون في كل مكان، ومنهم عمال في بعض الملاعب للتنصت على المشجعين الروس بالتحديد". كما يوضح «فتيح» أن المواطن الروسي روى له أنه تمت إزالة صور الرئيس «بوتين» من شوارع عديدة من موسكو قبل انطلاق البطولة حتى لا يثير ذلك سخرية بعض الدول التي لا تعترف بالقائد الواحد، كثير من الأشياء مزيف وكثير من المميزات مؤقت، هكذا يؤكد المصور الصحفي رغم تأكيده أن تنظيم المونديال جيد لكن ما يُشاهد ليس حقيقيًا 100%. المصور الصحفي سيد رجوب يكشف عن وجه آخر لرحلته بعيدًا عن المباريات واللاعبين، فهو يقضي ساعات المباراة ثم ينطلق في أحياء موسكو وستالينجراد وسان بطرسبرج، والأخيرة استطاع فيها أن يرصد الكثير من الظواهر لعل أبرزها أن هناك الكثير من المحالّ التي تبيع اللحوم على الطريقة الإسلامية، فلم تحدث أي مشكلات من ناحية الطعام، لكن ما لفت نظره أيضًا أن الروس يشربون المشروبات الكحولية بكثافة نهارًا، الفودكا ثم الفودكا. واستطاع رجوب تكوين صداقة مع إحدى الفتيات الروسيات تدعى «فيورنكا» ويوضح أنها أخبرته أن الروسيات معجبات بدول الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية والشمالية، وليست أغلبيتهن متحفظات كما يعتقد البعض، لكنهن يصطنعن ذلك حين لا يردن التعرف على أحد. "ببساطة إذا ابتسمت الفتاة الروسية لك فأنت مقبول بالنسبة لها، دون ذلك فإن تكوين صداقة معها أشبه بالمستحيل"، يقول فتيح. والفتيات يستلطفن المصريين بالإجمال كما لاحظ، أكثر من الإنجليز والأوروبيين، ربما لأنهن معجبات بالتاريخ المصري. كما أخبرته فيورنكا أن سان بطرسبرج ليست بهذا الجمال ولكن كل شيء تم تغييره من أجل المونديال، لعل أبرز تلك الظواهر اختفاء المشردين من الشوارع وهم منتشرون بكثافة ولكلم للمونديال أحكامًا."شوط بيننا وبينهم"
رحلة فريد قطب المصور الصحفي لموقع «يلا كورة» بدأت من عام 2016 حين صور أول مباراة رياضية له في الدوري المصري، ليقرر بعدها أن يكون مجاله هو التصوير الرياضي، بتعبيره هو «النداهة ندهتني»، ما دفعه للتخطيط كيف يكون مصورًا جيدًا وكانت البداية في متابعة مصورين عالميين والتعلم منهم ثم توفير الأموال لشراء معدات جيدة، وحين وصل إلى تلك النقطة كان السؤال «متى أصور بطولة قارية". في هذا الوقت، وكما يروي «فريد»، كانت بطولة الأمم الافريقية على الأبواب، وعلى نفقته الخاصة سافر إلى الجابون وصُنفت صوره ضمن الأفضل في البطولة، وكانت الخطوة التالية السفر لكأس العالم وكالعادة استعد من الناحية المالية لكن صعود مصر سهل له الكثير، فعلى الأقل وافقت مؤسسته الصحفية أن تساعده في تحمل نفقات السفر وبالفعل وصل إلى مونديال 2018. يقول: "بيننا وبينهم عقود حتى نصل إلى مستواهم، يؤكد ذلك احترامهم للقوانين والنظام وجودة المرافق وسهولة المواصلات، وبالنسبة لتنظيم المونديال فهي على أفضل ما يكون". يسخر وهو يتذكر بعض المباريات التي كان يصورها في مصر وكانت المشكلة الأكبر ضعف شبكة الاتصالات ما يجعل إرسال صوره عبر الانترنت مستحيلة، وهذا الضعف يعود لأجهزة التشويش التي تفرضها قوات الأمن في أي مباراة، لكن ذلك لا يحدث في روسيا أو كأس العالم. لكن مشكلة واحدة قابلت «فريد» مع بدء مباريات المونديال التي كانت في رمضان الماضي، يقول إن الليل في موسكو 4 ساعات فقط وهو ما يعني أن الصيام 20 ساعة، معقبًا "موسكو مدينة لا تغيب عنها الشمس تقريبًا". ويحكي: "أن المواطنين الروس عمومًا يغلب عليهم الود والابتسام ولكنهم متحفظون في الحديث، وقد تعرفت على أكثر من شخص ووجدت صعوبة في بداية الحديث ولكن لأن كثيرين منهم جاؤوا لمصر التي تعتبر قبلتهم السياحية فكانوا يتحدثون معنا بشكل أفضل من الجنسيات الأخرى سواء العربية أو الأوروبية، هم باختصار يتحدثون لكن بحدود ولا يبدؤون بذلك، وجنسيتك يتحدد على أساسها الكثير معهم". كما كشف «قطب» عن وجود سوق سوداء لتذاكر مباريات كأس العالم، وهو ما ظنه ظاهرة خاصة بمصر لكنها موجودة في روسيا أيضًا حول الملاعب من خلال أفراد يبيعون التذاكر بسعر أعلى من المتعارف عليه، ولا يبدو عليهم أي قلق، ذلك أول مظهر لخرق منظومة الأمن من وجهة نظره.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...