شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مازوخية الإخوان المسلمين... ثوب كربلائي لمواجهة الخصوم

مازوخية الإخوان المسلمين... ثوب كربلائي لمواجهة الخصوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 27 يونيو 201802:19 م
ترتدي بعض الجماعات والتنظيمات الدينية، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، ثوب المازوخيّة، متماهيةً مع تاريخها وواقعها المليئين بالصراعات، وذلك في محاولة للترويج لنفسها كضحية دائماً وللاستفادة من ذلك في تجنيد الأتباع والحواريين. نرى أن هذه التنظيمات تستمتع بالحياة وسط الآلام، في محاولة منها لإنتاج واقع جديد من مخاض مصطنع يملؤه النحيب، واقع لا يختلف كثيراً عن تصورات الشيعة الكربلائية. جماعة الإخوان المسلمين تتلذذ بمتعة الشعور بالقهر، ودائماً ما تتباهى بذلك في أدبياتها المروية، منذ نشأتها عام 1928 وحتى هذه اللحظة، واستمرت في ذلك حتى عندما وصلت إلى السلطة في مصر بين عامي 2012 و2013. فهي لا ترى نفسها إلا في موضع المقموع، وتستفيد مما تخلفه حالة البكاء والنحيب والندب. والمازوخية (Masochism) هي اضطراب يشتق فيه الفرد اللذة من الألم الذي ينزله به الآخرون أو الذي ينزله هو بنفسه، وجاء المصطلح نسبة إلى الأديب "ليوبولد ساكر-مازوخ" الذي صوّر في قصصه مشاهد من الإشباع الجنسي ترتبط مع الضرب بالسياط ومحاولات الخنق أو القرص أو العض أو أية صورة أخرى من صور الأذى. ولكن المصطلح مستخدم في علم النفس لوصف خبرات قد تتضمن الجنس وقد لا تتضمنه. وفي التحليل النفسي تفسر المازوخية على أساس أنها عدوان ارتد إلى الداخل.

حالة البكاء كواقع

من خلال حالة "الانهزام النفسي"، يمكن للإخواني أن يعطي لنفسه مساحة أكبر لفعل ما يريد، ولوصف خصومة بما يشاء من أوصاف، ورسم خطوط معركته مع عدوّه بالطريقة التي تحلو له. وتفرض جماعة الإخوان على أتباعها حالة البكاء كواقع حياتي ضمن برامجها التربوية التي ترسخ للانهزام النفسي، فتنتج شخصيات مضطربة ومحبطة في ذات الوقت، وقد يكون هذا أحد أسباب تغنيها الدائم بالموت في أدبياتها. ومن السمات الأصيلة للإخوان المسلمين أنهم مصابون بما يمكن أن نسميه بـ"اضطراب الشخصية الاضطهادية"، إذ يتميز أغلبهم بالشك غير المنطقي وعدم الثقة في الناس بوجه عام، وتحقير أفعال الآخرين. ويسهل استفزاز الإخواني فيندفع في شجار لا داعي له، ولا ينسى الإساءة، ويتردد في الثقة بالآخرين لخوفه من أن تستخدم المعلومات التي يدلي بها ضده. ومن سمات اضطراب الشخصية الاضطهادية أيضاً التيقظ الدائم إلى درجة زائدة والحذر ضد أي تهديد، وتجنّب لوم النفس. تعاني جماعات الإسلام السياسي من هذا الاضطراب ليس على مستوى قادتها فقط وإنما على مستوى قواعدها أيضاً، فتجد مَن لم يتعرض لمحنة السجن بسبب أفكاره يعيش ذات المحنة فيحبس نفسه بداخلها، حتى تصبح أسوار الحاجز النفسي أعلى بكثير من واقع تجربة السجن الذي لم يدخله. فهذا الشعور داخلي ولا يستطيع التابع للتنظيم التخلص منه. تعيش جماعات الإسلام السياسي على رحيق حالة الاضطهاد، وترى صعوبة في الاستغناء عنها حتى ولو كانت على رأس السلطة، فتظل تتغنى بما حدث لها لأن ذلك صار ذلك جزءاً من تكوين شخصيتها التي تميل إلى التلذذ بالألم. تترجم هذا السلوك قصة سجين سياسي كان ينتمي إلى الجماعة الإسلامية ثم راجع أفكاره عندما خرج من السجن بعد أن ظل سجيناً فيه لقرابة ربع قرن من الزمان. قال في مقابلة خاصة إنه يشعر بمتعة يحققها لنفسه بين الوقت والآخر عندما يرتدي نفس الثياب التي كان يرتديها في السجن، وهو حر طليق، ويستحضر حالة التعذيب المعنوي والبدني التي كان يتعرض لها. وأشار إلى أنه خصص غرفة في منزلة أسماها غرفة السجن وأعطاها ذات رمزية الغرفة التي سجن فيها داخل سجن العقرب، أحد سجون مزرعة طره، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

تنظيم طريد وشريد

تكتشف عند قراءة أدبيات جماعة الإخوان المسلمين على مر العقود الماضية، أنك أمام تنظيم يهوى أن يكون مضطهداً وطريداً وشريداً، بل يسعى إلى تحقيق ذلك عبر الدروس الدينية داخل المساجد أو ضمن اللقاءات التربوية وعبر الكتب التي تغذّي قيم الانهزام والانسحاق. وتأتي الاستفادة من هذه الحالة في ما بعد، سواء من خلال حشد واستنفار طاقات الأتباع أو الظهور لدى الآخرين بثوب الضحية، وقد تكون هذه وسيلة مجدية في تجنيد الأعضاء الجدد. فأغلب الجماعات الدينية، والإخوان المسلمون على رأسها، تقتات على تصدير مفهوم المظلومية، وتربط انتشارها بوجود هذا الشعور لدى أتباعها، إذ تعتقد أنه يدفع أنصارها إلى المزيد من التمسك بأفكارها ومبادئها والموت في سبيلها. وبتصدير هذا المعنى تمنع المناقشة داخل التنظيم وتغيب الشفافية وفق قاعدة أن التنظيم يعيش ظروفاً استثنائية. كما أن ذات المعنى يدفع القاعدة العريضة إلى مزيد من التمسك بالفكرة التي يحدق بها خطر كبير، حسب اعتقادها.
تستمتع التنظيمات الدينية، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، بالحياة وسط الآلام، في محاولة منها لإنتاج واقع جديد من مخاض مصطنع يملؤه النحيب، واقع لا يختلف كثيراً عن تصورات الشيعة الكربلائية
تتلذذ جماعة الإخوان المسلمين بمتعة الشعور بالقهر، ودائماً ما تتباهى بذلك في أدبياتها المروية، منذ نشأتها عام 1928 وحتى هذه اللحظة، واستمرت في ذلك حتى عندما وصلت إلى السلطة في مصر بين عامي 2012 و2013
خاصمت جماعات الإسلام السياسي الحياة الهادئة. وهنا ليس عجيباً أن قاعدة الارتقاء داخل تنظيم الإخوان المسلمين تكون لصالح مَن قضى وقتاً أطول داخل غياهب السجون، أو ظل هارباً من تنفيذ أحكام قضائية لفترات طويلة. فمعيار أهمية الأتباع يرتبط بحجم المحن التي تعرض لها "التابع"، حتى ولو كانت مزيفة. وفي هذا السياق نرى الإخوان يتفاخرون بأن مرشدهم السابق أو الحالي صدر بحقة حكم بالإعدام أو بالمؤبد، أو وُجّه إليه اتهام ألزمه غياهب السجون لفترات ليست بالقصيرة، أو بأن أعضاء مكتب إرشاد الجماعة سُجنوا ومنهم مَن قضى عشرين عاماً داخل السجن. لا تتوقف أهمية لغة "المظلومية" على الوقوف أمام السلطة الحاكمة، وإنما تتجاوز ذلك إلى الاستمتاع بالتعرض لما تطلق عليه الجماعة مسمّى "ابتلاء الدعوة"، أو ثمن الدعوة.

ثوب المظلومية والانهزام النفسي

ترفع جماعة الإخوان المسلمين راية "المظلومية"، خاصة وأن المجتمعات العربية لديها ثقافة التعاطف مع المظلوم والمقهور، بعيداً عن حقيقة هذا الظلم أو القهر. وهذا قد يفسر إصرار التنظيم على العمل تحت هذه اللافتة واتخاذها شعاراً له. وتبحث هذه الجماعة في صراعها على السلطة عن لحظات الضعف التي مرت بها خلال تاريخها وتسلط عليها الضوء، مطلقة عليها مصطلحات مثل المذبحة والمجزرة وغيرها من مفردات المظلومية، وتستدعي من التاريخ الإسلامي ما حدث للإمام الحسين بن علي في كربلاء بالعراق، لتتماهى معه. فما أن تقرأ صفحات التاريخ التي سطرتها الجماعة عبر "أمرائها" أو مراكز أبحاثها حتى تكتشف كماً هائلاً من الدماء التي تعتبرها الجماعة دماءً معصومة.

سادو-مازوخية

ويترافق مع شعور تنظيمات الإسلام السياسي، وكلها ترتبط بفكرة العنف بشكل أو بآخر، بالمظلومية ما يمكن أن نسميه بالمتعة المتحققة من خلال إلحاق الألم أو الإذلال بالخصوم، ما يكشف عن نوع من "السادية" لديها، أي الاستمتاع بإلحاق الألم بالغير. ولكن حتى في هذه الحالة، تبقى المازوخية حاضرة. فجماعة الإخوان ترصد في ذاكرتها ما تعرضت له من قتل حتى حين كانت تنتهج العنف. ففي حين أنها كانت مسؤولة عن تفجير محكمة استئناف القاهرة في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وكان بعض أعضائها وراء اغتيال رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها محمود فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948، عدا تنفيذ اغتيالات طالت شخصيات تنفيذية، منها المستشار أحمد الخازندار الذي قُتل في 22 مارس 1948 أثناء خروجه من مسكنة في اتجاه مقر المحكمة التي كان يعمل فيها وبحوزته ملفات قضية كان ينظر فيها وتُعرف بقضية "تفجيرات سينما مترو"، وهي قضية اتُّهم فيها عدد من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين... ترصد الجماعة، رغم ذلك، في ذاكرتها ما تعرضت له هي في هذه المرحلة التاريخية من قتل. وبحسب خبير نفسي كان إخوانياً في فترة دراسته الجامعية، قبل أن يخرج منها اعتراضاً على طلب "الطاعة العمياء"، "تكون نفسية الفرد الإخواني في الأغلب مهيأة لنوعية من العلاقات تمزج بين السادية والمازوخية، فهو يتعاطف مع أغلب ما ترتكبه كثير من القوى الظلامية بحجة مقاومة الظلم، كما أن مفهوم المظلومية التاريخية الذي تبثه الجماعة في عقول أبنائها يعضد من تلك النتيجة، بما لا يدع مجالاً للشك... يغذون عقله بما يفيد بأنهم ظُلموا، وأن طريق الحق من وجهة نظرهم يحتمل التصرف بأية طريقة، على غرار نظرية (الغاية تبرر الوسيلة)". وفي سياق رواية المظلومية تبرز أهمية حوادث القتل والإعدام التي تعرضت لها الجماعة، منها على سبيل المثال قضية عام 1965 التي أعدم فيها سيد قطب ويوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل، وقضية عام 1954 التي أعدم فيها عبد القادر عودة ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمد فرغلي، بينما خفف حكم الإعدام عن مرشد الجماعة وقتئذ حسن الهضيبي إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ولعل مظلومية الجماعة كانت سبيلاً لطريق العنف، فالحديث الدائم عن القتل والإعدام والقهر يفضي إلى عقدة الاضطهاد التي تدفع إلى تحفيز غريزة الرد على هذا القتل بعيداً عن مناقشة الفعل وما إذا كان في محله أم لا. ولعل هذا يفسر خروج أمراء قتل من رحم جماعة الإخوان المسلمين بدءاً من شكري مصطفى، زعيم جماعة التكفير والهجرة أو جماعة المسلمين كما كان يطلق هو عليها، ومروراً بأيمن الظواهري وأسامة بن لادن، زعماء تنظيم قاعدة الجهاد.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image