شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أكثر من أربعة جدران وسقف... بيتُنا هو امتدادٌ لهويتنا وعواطفنا

أكثر من أربعة جدران وسقف... بيتُنا هو امتدادٌ لهويتنا وعواطفنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 مايو 201802:55 م
نسافر إلى أجمل البلدان ونجول في أكبر المدن، ولكننا لا نكتشف السعادة إلا حين عودتنا إلى المنزل، فما إن ندخل عتبته حتى نشعر بالأمان والراحة، ونترك خلفنا ضجيج الدنيا وهمومها. ليس البيت عبارة عن حجارة وجدران إسمنتية بل هو أعمق من كل ذلك، فكل زاوية فيه تشكل هويتنا، أسلوبنا، أذواقنا وطريقة عيشنا... حيث قلبنا وحيث تقبع ذكرياتنا.

البعد الروحي

قبل بضع سنوات جال الكاتب "مارك ماتوسيك" في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية لكتابة بحثٍ حول التشرد والأشخاص الذين يعيشون من دون مأوى. شأن "ماتوسيك" كشأن معظم الناس الذين لم يختبروا يوماً تجربة النوم في الشارع أو الحرمان من سقفٍ يؤويهم من غدر الزمان، مما جعله يعتقد لسنوات أن التشرد ما هو سوى وضع جغرافي- مالي يمكن معالجته من خلال منح المشردين مكاناً للسكن. يخبر "مارك" أنه في البداية كان يعتبر المنزل عبارة عن هيكل مادي لا أكثر ولا أقل، إلا أنه بعد التعرف على عدد من المشردين والتحدث معهم تغيرت وجهة نظره إذ لامس المعنى الروحي للمنزل وتأثيره على حياة الإنسان اليومية. يوضح "ماتوسيك" أن المنزل ليس فقط المكان الذي نعلّق فيه قبعتنا بل حيث نجد قلبنا، فبالإضافة إلى كونه يحمينا من تقلبات الطقس والعواصف، يوفر لنا ملاذاً بالمعنى الروحي، أي يجعلنا نشعر بالانتماء وبالراحة لأن نكون على طبيعتنا من دون التعرض لأحكامٍ مسبقة. INSIDE_Homes1 وعليه يقول: "أدركت أن التشرد هو حالة ذهنية، اختبرها الكثيرون منا في مرحلة ما من حياتهم، ففي فترات الشدة وخيبات الأمل، من الشائع أن نشعر بالانفصال، بمعنى أن ينتابنا شعور بأننا أصبحنا وحدنا في هذا الكون من دون مكان نعتبره لنا، فحينذاك ندرك أن المنزل هو أبعد من أربعة جدران وسقف، إنه المكان الذي نجد فيه توازننا". وقد أكد "مارك" أن "للمنزل أهمية وجودية تعكس في المقام الأول انزعاجنا من الوجود على الأرض".

البحث عن الهوية في أرجاء المنزل

عندما نلتقي بأحدهم، وبعد أن نتعرف على إسمه لعلّ أول سؤال يخطر في بالنا هو أن نسأله أين يقطن؟ هذا السؤال البديهي لا يأتي عن عبث، فمعرفة أين يسكن الآخر والإطلاع على ما في داخل منزله هو جزءٌ أساسي للتعرف إليه عن كثب ولتكوين نظرة أولية عن سلوكه وخياراته. في مقال على موقع "أتلانتيك" تخبر "جولي براك" عن تجربتها الخاصة مع منزلها، فتشير إلى أن المنزل الذي تقطن فيه حالياً تحول إلى "مزار" للأماكن التي عاشت فيها في السابق، لأنها علّقت على جدرانه لوحات تذكرها ببلدة ميتشيغان حيث ترعرعت وبالشاطىء الذي كانت تقصده لقضاء أجمل الأوقات، كما خصصت في المطبخ مساحة كاملة من الحائط لخرائط الأماكن التي قصدتها... وبالتالي أصبح ديكور منزلها يعج بالذكريات، متسائلةً عن السبب الذي يدفعها إلى تخصيص مساحات في منزلها لإظهار الأماكن التي قصدتها في حياتها. الجواب قد يكون مرتبطاً بمحاولة البحث عن الهوية الخاصة والتميّز. في هذا الشأن، توضح "سوزان كلايتون"، أخصائية في علم النفس البيئي في كلية ووستر، أنه بالنسبة إلى الكثير من الناس فإن المنزل هو جزء من هويتهم الخاصة ومساحة للتعريف عن أنفسهم، وهو السبب الذي يجعلهم يولون أهمية قصوى لتزيين بيوتهم والعناية بها إلى أقصى حد، مشيرةً إلى أن المنزل قد يكون امتداداً لأنفسنا. INSIDE_Homes3 ولكن هل يمكن أن نتخذ من كل بقعة ترعرعنا فيها "منزلاً" لنا؟ تكشف "كلايتون" أنه بالرغم من أن المنزل الذي نشأنا فيه له "مكانة أيقونية" في قلبنا، إلا أن الطبيعة البشرية تبحث دوماً عن مكان للانتماء إليه، فنحن نريد أن نكون مميزين، وبالتالي قد نختار القول بأننا اعتدنا العيش في مكان آخر لكسب امتياز معيّن:" أعرف جيداً أن العيش في باريس 3 أشهر لا يجعلني من الباريسيين، إلا أن ذلك لا يعني أنني لن أختار وضع ستارة حمام عليها طبعة برج إيفل". وتتحدث "جولي براك" أيضاً عن موضوع الذكريات التي تترجم في العادة من خلال البيئة المادية، قائلة:" عندما تزور مكاناً كنت تعيش فيه، فإن ذلك سيجعلك ترجع إلى نفسك، إلى ذلك الشخص الذي كان يعيش فيه حينذاك". وتؤكد "براك" أنه لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن البيئة الإجتماعية أو المادية، وبالتالي تشير إلى أنه "سواء كنا ندرك ذلك أم لا، فالمنزل يطمس الخط الفاصل بين الذات والعوامل المحيطة، ويتحدى الخط الذي نحاول استخلاصه بين من نحن وأين نسكن".

ماذا يقول المنزل عنا؟

في الواقع ليس البيت مجرد مساحة نعيش فيها، بل المكان الذي يجسد رغباتنا، أفكارنا، أحلامنا ونظرتنا إلى الحياة. من خلال اختيار لون طلاء الجدران، مروراً بانتقاء سجادة جديدة، طاولة، كراسي، مزهرية، وصولاً إلى تحديد نوع الزهور التي نحب وضعها في هذه المزهرية، كلها أمور نابعة عن تفضيلاتنا الشخصية وذوقنا الخاص، وبالتالي يجب أن يكون بيتنا مصدراً لسعادتنا ومرآة لأنفسنا ولتطوير أساليب عيشنا. واللافت أنه حين نجول بنظرنا في أرجاء المنزل نجد أن كل قطعة فيه تروي قصة معيّنة، تعكس شخصيتنا وكيفية تبدل نظرتنا لأنفسنا على مر السنين، فكيف يؤثر أثاث بيتنا علينا؟ إعتبر موقع Lonny أن المنزل الذي يجسد المساحة التي نعيش فيها وتننفس داخلها هو مزيج بين العلم والفن، مشيراً إلى أن اللوحات المعلّقة على الجدران وترتيب الكتب فوق الرفوف كلها أمور تجسد تطور فكرنا وقيمنا. INSIDE_Homes2 في هذا الصدد، يكشف عالم النفس "سام غوسلينغ" في كتابه snoop عن كيفية ترجمة شخصيتنا بطرق غير متوقعة وغير مخطط لها عبر مساحاتنا الخاصة، خاصة أننا وفق رأيه "نترك آثاراً عن حالتنا النفسية في جميع أرجاء بيوتنا". يوضح "غوسلينغ" أننا كبشر نبحث دوماً، ومن باب احتياجاتنا اللاوعية، عمن يفهمنا، "لذا نقوم بتزيين بيوتنا بطريقة نعكس فيها ذاتنا". وعليه يتحدث "سام" عن الفئات الثلاث التي نعبر من خلالها عن أنفسنا في منازلنا، وكيف يساعد ذلك في ترجمة التغييرات التي مرت في حياتنا: تشكيل الهوية: نستخدم منازلنا للإفصاح بشكل هادف عن أنفسنا، و"عناصر الهوية" (أي الأثاث) مصممة بحيث تعكس مواقفنا، أهدافنا، قيمنا، أدوارنا وأولوياتنا، فقد تعرض مثلاً أيقونات ثقافية أو صورك مع الشريك أو كتبك التي تريد أن يراها الناس، وكل ذلك بهدف أن تقول لاولئك الذين يزورون منزلك: "هذا ما أنا عليه وهذا ما يهم". اختيار الأفكار والمشاعر: هذا شيء يمكننا القيام به عمداً في مساحتنا الخاصة، أما الهدف فيتلخص بالتفكير في أشياء معينة وملامسة بعض المشاعر، فعلى سبيل المثال قد نرغب في أن نحول غرفة المعيشة إلى مكان يعكس الترحيب الحار بالضيوف أو قد نرتئي تحويل غرفة النوم إلى مكان يولد شعوراً بالرومانسية، واللافت أن الأولويات تتغير مع الوقت وكذلك يتغير الديكور والأثاث. آثار السلوك: هذه هي الطريقة الباطنية التي نؤثر فيها على منزلنا، فعلى غرار "شيرلوك هولمز" الذي يبحث عن أدلة على السلوك الإجرامي، كذلك يكشف منزلنا عن سلوكنا اليومي، وقد يكون ذلك عن طريق أمورٍ بسيطةٍ مثل كيفية ترتيب الكتب، أو أدوات المطبخ... لأن طريقة وضعنا وترتيبنا للأشياء تكشف عن سلوكنا وعمن نكون عليه بالفعل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image