شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
استقرّوا في شرق وغرب القارة... عرب هاجروا إلى إفريقيا بسبب الفتن السياسية والدينية

استقرّوا في شرق وغرب القارة... عرب هاجروا إلى إفريقيا بسبب الفتن السياسية والدينية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 2 مايو 201801:29 م
عندما عانى المسلمون الأوائل في مدينة مكة من التنكيل، نصحهم الرسول باللجوء إلى الحبشة، فكان أن استقبلت الأخيرة عام 624 أول هجرة للمسلمين، بعدما رحّب ملكها المعروف في المصادر العربية باسم "النجاشي" بالفوج الأول من المهاجرين بقيادة جعفر بن أبي طالب ومصعب بن عمير، وعُرف هؤلاء في ما بعد بـ"المهاجرين الأوائل". لم يمرّ وقت طويل حتى استقبلت الحبشة فوجاً جديداً من المسلمين في ما عُرف بـ"الهجرة الثانية". ويذكر الدكتور عبد الرحمن أحمد عثمان في دراسته "الجاليات العربية والإسلامية في إفريقيا" أن الجالية المسلمة لم تترك حينذاك أثراً لانتشار الإسلام في تلك البلاد، نظراً إلى قلة أعداد المهاجرين وقصر مدة إقامتهم التي امتدت لنحو 16 عاماً.

الأخوان الجلندي من عمان

لكن الهجرتين إلى الحبشة نبهتا العرب في ما بعد إلى وجهة ممكنة للهرب عندما تقع خلافات سياسية أو فتن دينية، فكانت إفريقيا ملاذاً وملجأ للبعض من الاضطهادات المذهبية والملاحقات السياسية. وذكر أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور حسين مراد لرصيف22 أنه حين قرر الحجاج بن يوسف الثقفي (661 – 714) إخضاع عمان لسلطة الخلافة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان (646 – 705)، كان يحكمها الأخوان سعيد وسليمان، ابنا عباد الجلندي، وبعد سلسلة من المعارك سقطت عمان في يد الأمويين ففر الأخوان ومَن معهما إلى الساحل الشرقي لإفريقيا عام 695. ويرجّح الدكتور تقي الدين الدوري والدكتورة خولة شاكر الدجيلي في كتابهما "تاريخ المسلمين في إفريقيا" أن الأخوين ومَن معهما نزلوا في "باتا"، إحدى جزر أرخبيل لامو، والتي يفصلها عن الساحل الشرقي للقارة ممر مائي ضيّق، ويشيران إلى روايات أخرى تذهب إلى أنهما هما مَن أسس "باتا".

النبهانيون والهرب من اليعاربة

وكانت الأحداث التي شهدتها عُمان سبباً في هجرة سلالة أخرى إلى باتا. يروي مراد أن القبائل النبهانية حكمت عمان في أواخر القرن الـ12 بعد منازعات عديدة بين قوى متصارعة، إلا أن اليعاربة فرضوا سيطرتهم على البلاد في مرحلة لاحقة وطردوهم، ففروا إلى "باتا" بقيادة سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني الذي تزوج من ابنة ملك الجزيرة المسمى "البتاوي". وكان من عادة سكان "باتا" أن يقوم الشخص المتزوج بزيارة والد زوجته، بعد سبعة أيام من الزفاف، ليستلم هدية، وهي عادة كل السواحليين، ولما جاء سليمان لزيارة والد زوجته حاكم "باتا"، أعطاه الأخير حكم المملكة، حسبما روى الدوري والدجيلي. وبحسب المؤلفين، من المرجح أن العرب سكنوا باتا منذ القرن السابع، آتين من عمان، وبقي وجودهم فيها ينمو بشكل طبيعي ومتدرج، وتأثروا ببعض العادات التي وجدوها سائدة عند أهل تلك البلاد، و"بمرور الوقت ومع قدوم هجرات عربية أكبر من قبيلة البتاوة الحضرمية واستقرارها في باتا أيضاً، بدأت المدينة تحتل بعض الأهمية بين مدن الساحل".

مقتل زيد بن علي وهجرة أتباعه

عام 738، خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على الحكم الأموي، في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، ولكن حركته فشلت وقُتل عام 739، فتفرّق أصحابه في أماكن شتى وتوجهت مجموعة منهم إلى الشاطئ الشرقي لإفريقيا. لكن تاريخ هذه الهجرة غير محدد بدقة، فقد تكون حدثت بعد عام 739 بفترة وجيزة، وربما بعد قيام الدولة العباسية عام 749. ومن المحتمل أيضاً أنها حدثت في الفترة ما بين انقضاء الخلافة الأموية وقيام العباسية، ذكر الدوري والدجيلي. أياً تكن الحال، استقر الزيديون في ساحل بنادر (يقع في الصومال الآن بالقرب من مقديشيو)، وتجمعوا في أماكن آمنة لمدة تقرب المئتي عام. إلا أن أتباع زيد لم يستمروا هناك لوحدهم، فقد لحقت بهم مجموعة عربية جديدة مهاجرة من منطقة الإحساء القريبة من البحرين عُرفت بمجموعة "الإخوة السبعة"، فآثر الزيديون الانسحاب إلى الداخل بسبب عدم رغبتهم في الاصطدام بالمجموعة الجديدة، فاختلطوا بالسكان الأصليين للمنطقة وتزاوجوا بهم. "ومذاك عُرف هؤلاء الزيديون باسم Baduys، وهي تحريف، كما يبدو، للكلمة العربية (بدوي). ولا يُعرف سبب إطلاق هذه التسمية عليهم، وقد يكون مطلقوها هم سكان المدن ذات الحياة الحضارية، لكونهم اعتبروهم بدواً مقارنة بهم"، روى المؤلفان.

فرار الإخوة السبعة من الإحساء

بالعودة إلى مجموعة "الإخوة السبعة"، فهم مجموعة من العرب الذين هاجروا من الإحساء، عاصمة دولة القرامطة، بقيادة سبعة إخوة من قبيلة الحارث التي سكنت الخليج العربي على مقربة من البحرين. وذكر أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس عبد الباقي السيد لرصيف22 أن هؤلاء الإخوة فروا مع مؤيديهم، مستقلين مجموعة من السفن، عام 887، هرباً من اضطهاد سلطان الإحساء لهم، وعندما وصلوا إلى الساحل الشرقي للقارة عقدوا حلفاً مع أهل البلاد الأصليين، ثم أسسوا مدينتي مقديشيو وبراوا.

الشيرازيون ورؤية الفأرة

أكبر الهجرات العربية وأبعدها أثراً في تاريخ الساحل الشرقي لإفريقيا والتي نشأت عنها سلطنة بسطت سيطرتها على ذلك الساحل، من سوفالا (موزمبيق حالياً) إلى مقديشو، هي هجرة الأمير علي بن الحسن الشيرازي ابن شاه شيراز ببلاد فارس. وبحسب عثمان، تتضارب الروايات التي تتعلق بتلك الهجرة، خاصةً أن قصتها متداولة في الأدب الشفاهي وفي الكتب التاريخية التي أُلّفت في القرون الوسطى، وإنْ كان أغلبها يشير إلى أن الأمير الشيرازي رأى في منامه فأرة ذات خرطوم من حديد تقرض جدران قصره فتشاءم من هذه الرؤيا، وتحقق تشاؤمه بظهور طغرل بك السلجوقي (955- 1063) الذي وطّد أركان الدولة السلجوقية، ففر الشيرازيون في النصف الثاني من القرن العاشر خوفاً بطش الأتراك السلاجقة واتجهوا بسفنهم إلى جزيرة بالساحل الشرقي لإفريقيا حيث استقروا.
هجرتا المسلمين الأوائل إلى الحبشة نبّهتا العرب إلى وجهة ممكنة للهرب عندما تقع خلافات سياسية أو فتن دينية، فكانت إفريقيا ملاذاً وملجأ للبعض من الاضطهادات
رأى الأمير علي بن الحسن الشيرازي في منامه فأرة ذات خرطوم من حديد تقرض جدران قصره فتشاءم، وتحقق تشاؤمه، ففر الشيرازيون في النصف الثاني من القرن العاشر خوفاً بطش السلاجقة واتجهوا إلى ساحل إفريقيا الشرقي
ويقال إن الشيرازيون اشتروا هذه الجزيرة من صاحبها بأطوال من القماش الملوّن تكفي لأن تُلف حولها. وبعد مدة من الزمن تمكن هؤلاء المهاجرون من تأسيس مدينة كلوة (تتبع تنزانيا الآن) التي أصبحت مركزاً لإمبراطورية الزنج الإسلامية.

فرار الأمويين من العباسيين

شارك الأمويون في الهجرة إلى إفريقيا لأسباب سياسية عندما تجرعوا نفس الكأس التي سقوها لمخالفيهم السياسيين، مع استيلاء العباسيين (750 – 1517) على مقاليد الحكم في بغداد. وبحسب عثمان، تكوّنت الجاليات الأموية الأولى في غرب إفريقيا من مجموعات من الجنود الأمويين الذين خسروا المعارك الأولى في شمال إفريقيا. وفي مؤلفه "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، ذكر المؤرخ أبو عبيد البكري الذي عاصر نشأة إمبراطورية غانا الإسلامية تلك الهجرة قائلاً: "وببلاد غانا قوم يسمون بالهنيهيين من ذرية الجيش الذي كان بنو أمية قد أنفذوه إلى هناك في صدر الإسلام وهم على دين أهل غانا إلا أنهم لا ينكحون في السودان ولا ينكحونهم وهم بيض الألوان حسان الوجوه". وذكر أن من بين أهل ادغست (موريتانيا حالياً) جاليات عربية ومهاجرة من مفازة القيروان، وأن قوماً من بني أمية هاجروا إلى كانم (امبراطورية قدمة مكانها الآن أجزاء من تشاد ونيجيريا وليبيا) أيام محنتهم في عهد العباسيين، ومنهم جنود جاؤوا إليها عن طريق اليمن. وتشير كثير من المصادر التاريخية إلى أن أصل ملوك الفونج الذين تأسست مملكتهم في بلاد السودان عام 1504 يعود إلى بني أمية ونزحوا ابتداء إلى الحبشة، وتتبعهم العباسيون وخاطبوا في شأنهم حاكم الحبشة فاضطر للتخلص منهم وطردهم إلى المناطق المتاخمة، ذكر عثمان.

الثورة المهدية والهجرة إلى أوغندا

لم تتوقف الأسباب السياسية عن لعب دور في تدفق موجات من الهجرات العربية الجديدة إلى إفريقيا خلال القرن التاسع عشر. في عام 1858، دفعت حكومة الخديوي محمد سعيد باشا في مصر بمجموعات من الفرق العسكرية المكونة أساساً من جنود سودانيين من قبيلة الدناقلة إلى ما وراء مناطق سيطرتهم في شمال أوغندا، وتمكن هؤلاء الجنود من إنشاء مراكز تجارية في اتجاه الجنوب حتى منطقة مولارو. وجذب الربح الوفير الذي تدره تجارة هؤلاء الجنود أعداداً جديدة من تجار مدينة الخرطوم من مختلف الجنسيات العربية، مصريين وسوريين ولبنانيين، إضافة إلى أعداد كبيرة من التجار السودانيين الذين أقاموا مساكن دائمة لهم في شمال أوغندا، روى عثمان. وأثناء الثورة المهدية في السودان (1882- 1885) كان إسحاق إدوارد شنيستر المعروف بأمين باشا، الألماني الأصل، حاكماً على إقليم الاستوائية من السودان المصري بما فيه الجزء الشمالي من أوغندا، فقطعت الثورة في الخرطوم كل اتصال بينه وبين الشمال فرحل ومَن معه من جنود سودانيين وعائلاتهم إلى داخل أوغندا وقُدّر عددهم بحوالي 8029 شخصاً. وشق العديد من السودانيين طريقهم إلى ذويهم هناك بعد أن تلقوا معلومات تفيد برغد العيش ورواج التجارة هناك.

فرار اللبنانيين أثناء الحكم التركي

تسببت ممارسات الدولة العثمانية في الشام وما ترتب عليها من قلاقل سياسية وفتن دينية إلى هجرة أعداد من اللبنانيين في العقد السابع من القرن التاسع عشر إلى غرب إفريقيا. وذكر عثمان أن عدد المهاجرين اللبنانيين ظل في ذلك العهد ضئيلاً، ولم يتزايدوا إلا في بداية القرن العشرين في الفترة بين عامي 1907 و1927، عندما هاجر ما يزيد على 130 ألف لبناني لأسباب عديدة منها أن أرواحهم وممتلكاتهم لم تكن في أمان. غير أن معدل الهجرة انخفض بين عامي 1931 – 1932 بسبب الأزمة الاقتصادية القائمة في تلك السنوات، وما لبث أن تصاعد مرة أخرى لضيق العيش الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. وفي سبعينيات القرن العشرين عادت موجات هجرة اللبنانيين إلى إفريقيا من جديد بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية حتى بات اللبنانيون أكبر الجاليات العربية في غرب إفريقيا.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image