أنهى وليد عبد الله، المدرس في إحدى مدارس الدمام الابتدائية، شرقي السعودية، يومه الدراسي الطويل الممتد لأكثر من سبع ساعات، وهو بالكاد يستطيع الوقوف من شدة التعب والإرهاق. توقف قليلاً، قبل أن يركب سيارته، ليقول لرصيف22 "لا أعتبر اليوم استثنائياً، هو بات كأي يوم عادي من أيام الأسبوع، نقص المعلمين يجبرنا أن ندخل 24 حصة أسبوعياً، ولا يتم احتساب حصص الانتظار أو النشاط". تابع، وهو يضع حقيبته في سيارته البيضاء الصغيرة، قائلاً "لا أتذمر من ذلك، أعتبر هذا واجبي، ولكن ما يقلقني هو أن وزارة التعليم، بدلاً من أن تدعمنا نجدها تقلّل دائماً من شأننا". وليد عبد الله، الذي رفض أن يذكر اسمه الكامل خوفاً من العقوبات التي قد تطاله لانتقاد وزارة التعليم، هو واحد من نحو 620 ألف معلم، غالبيتهم يشعرون بالغضب تجاه وزير التعليم، الذي دأب خلال العامين الماضين على إطلاق التصاريح السلبية ضدهم. ويعلّق وليد "كلنا في المدرسة مستاؤون، نعتقد أن الوزارة والوزير لا يقدرون عملنا، نشعر وكأنهم يحاربون الأساتذة وكأنهم (الأساتذة) من يضعون المناهج أو يسنون القوانين".
أكبر من قرار
الخلاف بين المعلمين والوزير، والسخط المتزايد لدى هؤلاء، أكبر بكثير من قرار وزير التعليم السعودي أحمد العيسى الأخير، بل هو نتاج لسلسة من التصريحات والقرارات التي يرون أنها كانت موجهة ضدهم. "شكاءون، بكاءون، معترضون، مهملون، لا يستحقون الإجازة، لا يستحقون رواتبهم"... هذا ملخص لبعض التصريحات التي هاجم فيها العيسى المعلمين والمعلمات في كل مرة ظهر فيها أمام وسائل الإعلام. على هذا يعلّق ماجد العتيبي، وهو مدير مدرسة متوسطة متقاعد، لرصيف22 بالقول "يبدو الأمر وكأن وزير التعليم يحاول أن يطفش (يهرّب) المعلمين، مع أنه قبل أن يجلس على كرسي الوزارة كان أكثر من يطالب بحقوق المعلمين وإنصافهم، غير أن كل شيء تغيّر وبات مصدر قلق لهم. المعلمون القدماء باتوا يتقاعدون مبكراً".قرارات ارتجالية
يرى مختصون في التعليم قرارات الوزارة ارتجالية، وكان آخرها إجبار المعلمين على الحضور للمدارس خلال أوقات تعليق الدراسة بسبب الظروف المناخية القاسية، وهو قرار لم يجد له كثير من المعلمين فائدة، حيث يتعيّن عليهم أن يذهبوا لمدارس بلا طلاب، خاصة وأن نحو 180 ألف معلم ومعلمة منهم يسافرون يومياً من مدن ومناطق نائية. قبل ذلك، بنحو أسبوع، أطلق وزير التعليم تصريحاً أغضب المعلمين، حيث قال إنهم لا يستحقون إجازه الصيف الطويلة، وإنه يجب عليهم الذهاب لعملهم خلال إجازه الصيف، أسوة بموظفي الدولة الذين لا ينالون سوى 36 يوم إجازة في السنة. "يبدو أنه لا يعلم عماذا يتحدث"... يقول معلم آخر غاضب من تصريحات الوزير هو فهد البجادي الذي يسافر يومياً مسافة 90 كلم في وسط الصحراء ليصل إلى مدرسته بالقرب من قرية أم الرجوم، شمالي العاصمة الرياض.لا يقتصر الأمر على بعض التصريحات المزعجة فقط، إذ يعتقد معلمون أن الأمر بات خارج السيطرة وأن الوزير يعتبر الأمر شخصياً، ويرد على انتقاداتهم بقرارات تهدد العملية التعليمية بمجملها
يرى مختصون في التعليم قرارات الوزارة ارتجالية، وكان آخرها إجبار المعلمين على الحضور للمدارس خلال أوقات تعليق الدراسة بسبب الظروف المناخية القاسية، وهو قرار لم يجدوا فيه أية فائدةيقول البجادي لرصيف22 "كل تصريحاته مستفزة، أعتقد أنه يتعمد ذلك لكي نستقيل، بتنا لا نأمل على مستقبلنا من قراراته الارتجالية"، مضيفاً "كيف يريد مني أن أسافر في طريق صحرواي وسط الأمطار والعواصف الرملية، للتحدث لكراسي وطاولات فارغة... هذا جنون". في المقابل، لم تستجب وزارة التعليم لاتصالات رصيف22 للتعليق حول حالة الجدل التي أثارها قرار الوزير. إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم مبارك العصيمي برّر، في بيان رسمي، قرار عدم شمول المعلمين والمعلمات بتعليق الدراسة أثناء الظروف المناخية التي تستدعي ذلك واقتصارها على الطلاب والطالبات فقط، أنه في السنوات الأخيرة كثر فيها التعليق موضحاً أنه ومن خلال دراسات ورصد قامت بها الوزارة اتضح أنه أثر سلباً على الانضباط والجدية.
مشكلة شخصية؟
لا يقتصر الأمر على بعض التصريحات المزعجة فقط، إذ يعتقد معلمون أن الأمر بات خارج السيطرة وأن الوزير بات يعتبر الأمر شخصياً، ويرد على انتقاداتهم له عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقرارات تؤثر عليهم، الأمر الذي قد يهدد العملية التعليمية بمجملها. يعتقد فهد الزيد، وهو معلم متقاعد، أن الوزارة تحاول تبرير إخفافها في بعض الملفات، على حساب المعلمين الذين باتوا الحلقة الأضعف في المعادلة، ويقول لرصيف22 "ما الداعي لأن ينتقد الوزير حصول المعلمين على إجازه الصيف، بينما كان المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه يتناول موضوع انتشار مرض الجرب في المدارس؟ في تصوري هو يريد صرف الانتباه لا أكثر". ويتساءل الزيد "ماذا فعل العيسى للمعلم وحقوق المعلمين المالية التي لم تُحلّ منذ سنوات ولم يتم تصحيح أوضاعهم بينما معاملات كثيرة لا تزال حبيسة درجه. هذه العلاقة المتوترة ستؤثر على عطاء المعلمين وبالتالي على العملية التعليمية بالكامل". يُذكر أنه خلال العامين الماضيين تقاعد أكثر من 38 ألف معلم ومعلمة، ولكن في المقابل لم تعوّض الوزارة إلا أقل من ستة ألاف معلم ومعلمة، الأمر الذي جعل هناك عجز في كثير من المدارس نتج عنه زيادة أعباء على المعلمين والمعلمات.نقاش ساخن
على "تويتر" كان الجدل أكثر حدّة، حيث واكبت مئات الآلاف من التغريدات قرارات وزير التعليم الأخيرة، فظهر وسم "#تعليق_الدراسه_لايشمل_المعلمين" في أكثر من 310 آلاف تغريدة. كما دشن ناشطون وسماً يهاجم وزير التعليم ، وظهر "#وزير_التعليم_يحارب_الحجاب" في أكثر من 180 ألف تغريدة، وعلى طرف آخر، دشن مدافعون عن الوزير وسماً مضاداً، تحت اسم "#تنظيف_المدارس_من_السروريات". وجاءت أغلب التغريدات منتقدة للوزير بشكل حاد وطالب بعضها بإقالته، ومنها ما كتبه سعد الشمري عن أن "الوزير العيسى أعطي وقت كبير لتطبيق سياسته وفكره، يتضح فيما بعد انه ليس لديه فكر أو توجه وهو رجل تتفيذي من الطراز الأول…" واستغرب جمال عبد الله الهندي أن يكون التركيز على مثل هذه القضايا، وكتب "مع الأسف الشديد أصبح شغلنا الشاغل في شؤون التعليم هو تعليق الدراسة بسبب الغبار والمطر والجرب وإجازات المعلمين، وكأننا انتهينا من حلّ مشاكل التعليم الرئيسيّة..." أما التغريدة الأكثر انتشاراً فكانت للمحلل المالي برجس البرجس، الذي انتقد النقاش في هذه المواضيع عوضاً عن "تطوير التعليم والمعلم وأدوات التعليم ومناهجه العلمية"، وحظيت بأكثر من 3000 إعادة تغريدة. من جهته، طالب الناقد والأديب عبد الله الغذامي الوزير بتغيير قراره الأخير وكتب أنه يشعر الأستاذ أنه مجرد آلة يتم تشغيلها. واعتبر كثيرون أن القرارات الأخيرة للوزارة هي محاولة انتقامية منه للحملات التي شنها معلمون ضده، وكتب وائل القاسم "أشعر بوجود استقصاد للمعلمين في كثير من القرارات والأخبار الأخيرة، وكأنّ المعلمين أعداء يقومون بعمل تافه، وحاشاهم!" وحذّر صالح الغيدان من مغبة الحوادث المرورية التي ستقع في حال إجبار المعلمين في المناطق النائية على الحضور وسط الأجواء المناخية السيئة.… والحجاب جزء من المشكلة
في الوسم الآخر الذي ظهر رداً على قرار الوزير تحويل معلمات للتحقيق لأنهم قدمن مشهداً تمثيلياً عن الالتزام بالحجاب، كتبت ندى البكر "عندما تزرع الحمية والستر والحجاب الساتر لزينة الداخل في القلب، لا أحد يستطيع تغييرها مهما حصل". وأضاف فالح منيف الحويمضي منتقداً وزير التعليم الذي "ترك ملفات التوظيف والاحتياج والجرب والفساد المنتشر بوزارته وذهب لأمور دينية..." واستغل أحمد الهاشمي الفرصة لسؤال الوزير حول ملف طالب توفي في إحدى المدارس على الطرف الآخر، كان هناك من دافع عن الوزير وكتب ناصر السهلي تحت وسم "#تنظيف_المدارس_من_السروريات" معترضاً بالقول "من سمح للمعلمة المتطرفة تصور بناتنا؟!" وأضاف الداعية عبدالعزيز الموسى "التيار السروري هو أخبث تيارات الإسلام السياسي، فهو يحمل فكر البنائية التكفيري، شراسة السلفية الجهادية، حقد الصفوية، وخباثة كل التيارات".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون