من مكة المكرمة (غربي السعودية) لعسير وجازان في جنوبها، للرياض في الوسط، للمجمعة في الشمال، للدمام في شرقها... هذه ليست رحلة سفاري سياحية، هي رحلة داء الجرب الجلدي الذي انتشر في مدارس السعودية بشكل مفاجئ، وانتقل بسرعة كبير بين مدن يفصل بينها أكثر من ألفي كيلومتر.
آخر الأرقام، التي أعلنتها وزارة الصحة السعودية تفيد بوصول حالات الإصابة في مكة المكرمة وحدها إلى أكثر من 2156 حالة، منها 1774 في المدارس، بينما أُعلن عن حالات إصابة في كل من عسير والرياض والمجموعة والدمام.
كثرت التساؤلات بشأن سرعة انتشار هذا الوباء في السعودية وأسبابه، في وقت أصرّت وزارة الصحة على التأكيد بأن الحالات في مكة بدأت في التراجع، وأن المصابين تلقوا العلاج اللازم وشُفي الكثير منهم.
انتشار مثير للاهتمام
"ينتقل بسرعة، وليس بقاتل"، هكذا يصف الدكتور فهد المزيني، طبيب الأمراض الجلدية في مستشفى دار الحياة في الرياض، مرض الجرب، مؤكداً لرصيف22، على أن الغريب هو سرعة انتشار المرض بهذا الشكل في مختلف المدن. ويضيف قائلاً "هو مرض جلدي ينتقل بشكل سريع في المحيط الذي يعيش فيه المصاب، ولكن له مضاعفات على بقية أجزاء الجسم، ويكون أكثر سرعة في الانتشار، في المناطق المزدحمة والتي تشهد تكدساً في الأشخاص، كما هو حال المدراس، خاصة وأنه ينتقل باللمس والاحتكاك الجلدي لفترات طويلة". ويتابع "تسبب أنواع صغيرة من السوس بالمرض، بعد أن تقوم بحفر أخاديد في الجلد تسكن ضمنها، وهي تفضل الأماكن الدافئة مثل طيات الجلد والمسافات بين الأصابع والفراغات تحت الأظافر، كما يمكن لحشرة الجرب أن تتخفى أسفل حزام ساعة اليد أو الأساور أو الخواتم، دون أن يتمكن المريض من رؤيتها بالعين المجردة". وبحسب المزيني، تستغرق فترة حضانة المرض نحو الشهرين، ويوضح أن مرض الجرب لا يُعدّ وباءً خطيراً، ويمكن علاجه خلال فترة قصيرة، "ولكن المثير للاهتمام سرعة انتشاره بهذا الشكل في مختلف المناطق"، وفقاً لتعليق الطبيب. وكانت وزارة الصحة، شدّدت، في بيان لها، على أن "جميع ما يتم تداوله من أرقام إصابات بمرض الجرب والتفشيات خارج مكة المكرمة غير صحيح، ما لم يكن من مصدر رسمي"، علماً بأن حالات الإصابة خارج مكة كانت بتأكيد من وزارة التعليم.عزا مختصون في التعليم سبب انتشار المرض لوزارة التعليم، التي كانت بدأت قبل نحو عام خطة لدمج المدارس مع بعضها البعض، الأمر الذي تسبب في زيادة اكتظاظ الفصول الدراسية
حمّلت نائب رئيس اللجنة الصحية في مجلس الشورى عالية بنت محمد الدهلوي وزارتي التعليم والصحة المسؤولية عن انتشار الجرب، مكتفية بالقول "كان يجب ألا يكون في مدارس السعودية"وبيّن وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة أن وزارته مهتمة بعلاج الجرب، والدواء متوافر في جميع أنحاء البلاد. وقال، خلال حسابه على تويتر، إن "الصحة مهتمة بعلاج الجرب، والعلاج متوافر في جميع أنحاء المملكة، وأن الجرب الذي يصيب الإنسان مختلف تماماً عن الذي يصيب الحيوان وليس له علاقة".
ما سبب الانتشار؟
ترفض وزارة الصحة الإجابة على هذا السؤال، وأكد مشعل الربيعان، المتحدث الرسمي للوزارة، على أنه لا يملك معلومات عن ذلك، طالباً توجيه السؤال للمختصين، في وقت لم يتجاوب أحد مع اتصالاتنا للاستفسار عن الموضوع. من جانب آخر، عزا مختصون في التعليم سبب انتشار المرض لوزارة التعليم، التي كانت بدأت قبل نحو عام خطة لدمج المدارس مع بعضها البعض، الأمر الذي تسبب في زيادة اكتظاظ الفصول الدراسية. وقال مدير أحد المدارس، طالباً عدم ذكر اسمه لخوفه من المساءلة، إن المشكلة تكمن في أن "الوزارة زادت عدد الطلاب في الفصول لأكثر من 40 طالباً ومن مناطق مختلفة، الأمر الذي تسبب في تكدس الفصول، كما أنها عطلت عملية رش وتنظيف المدارس، الأمر الذي جعلها بيئة حاضنة للفيروسات والأمراض". وأضاف موضحاً "لم يظهر المرض إلا بعد الدمج، وانتشر بشكل واسع لأن المسؤولين في التعليم، كانوا يحاولون التكتم عليه، حتى فشلوا في ذلك". في المقابل، نفت وزارة التعليم الاتهام بأن تكدس الطلاب في مدارس تعليم مكة كان السبب في الانتشار السريع لحالات الإصابة بمرض الجرب بين الطلاب والطالبات، وقالت على لسان متحدثها الرسمي مبارك العصيمي في برنامج تلفزيوني "التكدس ليس سبباً لانتشار المرض، فقد يكون ظهور المرض بالخارج، وعدد الطلاب ملائم جداً لمساحة الفصول". مع ذلك رفض عدد من المعلمين تبريرات العصيمي، وقال الخبير التربوي عبد العزيز النميري، وهو مدير مدرسة سابق، لرصيف22، إن التكدس يتسبب في انتشار الكثير من الأمراض. وأضاف "تكدس الطلاب والطالبات في الفصول والمدارس ساعد على انتشار الجرب"، مؤكداً بدوره على أن المرض ليست بجديد، ولكن وزارة التربية كانت تحاول التكتم عليه.أكثر من متهم
حمّلت نائب رئيس اللجنة الصحية في مجلس الشورى عالية بنت محمد الدهلوي وزارتي التعليم والصحة المسؤولية عن انتشار الجرب، مكتفية بالقول "كان يجب ألا يكون في مدارس السعودية". بدوره، قال عضو مجلس الشورى أحمد بن عمر الزيلعي إن "السعودية لم تشهد من قبل تفشي هذا المرض، بالرغم من إصابة بعض الحيوانات له وقرب الرعاة وملاكها بشكل مباشر منها"، متخوفاً من أن ينتج عن ذلك "أمراض جديدة أخطر من الجرب". وكشفت مصادر في وزارة التعليم لرصيف22 أن الوزارة بدأت في محاولات إيقاف تفشي المرض، من خلال حملة رش وتعقيم لمبانيها، في وقت علقت منطقة مكة المكرمة العمل في 70 مدرسة احترازياً، ومنحت المصابين به في بقية المناطق إجازة مفتوحة لحين الشفاء منه، ولكنها رفضت تقديم اختبارات نهاية العام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...