"ياسر مصوّر وكان دائماً يقول لي إن حلمه هو تصوير الأرض من الطائرة بكاميرته، والآن أصبحت روحه في الهواء وتحقق حلمه"... بهذه الكلمات كانت والدة ياسر مرتجى تحكي عن ابنها.
تنهمر دموعها في يوم وداعه، وسط العشرات من الفلسطينيين الذين تجمعوا لوداع الصديق والزميل الذي قتل بالرصاص حين كان يغطي الاشتباكات بين المتظاهرين الفلسطينيين والجنود الاسرائيليين في "جمعة الكاوتشوك".
لا كاميرا ياسر ولا سترته الصحافية أنقذتاه من رصاص الاحتلال، الذي أصرّ على استهداف المئات برغم كل الانتقادات التي طالته، ومن بين هؤلاء كان ياسر مرتجى (30 عاماً) الذي أُصيب في بلدة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
&feature=youtu.beاستشهد ياسر متأثراً بجراحه بعدما أصابه العيار الناري الحيّ في بطنه، في وقت دان اتحاد الصحفيين الفلسطينيين في بيان رسمي"مقتل مرتجى أثناء عمله وارتدائه خوذة وسترة حماية بكلمة "صحافة" واضحة على صدره وظهره".
وقال البيان "هذا دليل واضح على أن الجنود الإسرائيليين يستهدفون الصحفيين الفلسطينيين بشكل مباشر"، داعياً الاتحاد الدولي للصحفيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية للتحقيق في "هذه الجرائم".
"المصوّر الصادق تعرفه من عينيه وأحلامه البسيطة"
كتب المصور الصحفي علاء بدارنة عن الشهيد قائلاً "المصور الصادق تعرفه من عينيه، من أحلامه البسيطة، من الرقي في صوره…". لم يكن بدارنة يعرف ياسر عن قرب، كما الكثير الذين نعوا ياسر بكلمات مؤثرة استحضرت تفاصيل شخصيته ومهنيته.
وقال بدارنة "لا أعرف ياسر عن قرب، حاله حال كل أصدقائنا المصورين في غزة، أعرفهم من صورهم، من إبداعهم ومن أحلامهم. أعرفهم من منعهم من السفر لاستلام جوائزهم، من حقهم بعرض أعمالهم في العالم، سافرت مع إياد البابا ومع وسام نصار والتقيت أحمد جاد الله وفايز نور الدين بالسفر وصابر بالقدس ودائما أقول وأكرر إذا (بدك تشوف غزه شوفها بعيون ولادها)".
وأضاف "ياسر صديق عندي في العالم الافتراضي الواسع وكنت رأيت قبل فترة صورته لغزة من الجو وحلمه أن يصورها من فوق وهو مسافر، حلمه كان أن يسافر فقط، وقلت يا ترى ممكن أن يفاجئه أحد ويأخذه إلى السماء ليصوّر هذه الصوره ويرجع. ما أصعب الأحلام البسيطة لما تكون مستحيلة ولما تحقيقها يكون مرهوناً بالموت".
وكان ياسر كتب، عبر حسابه على فيسبوك، قبل فترة على إصابته أنه لم يخرج أبداً من قطاع غزة وأن حلمه هو السفر والتجول حول العالم. وقد حاول عدة مرات تحقيق هذا الحلم، لكن إسرائيل رفضت منحه الإذن.
وانتشرت صورة للشهيد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع الطفلة بيسان، التي كانت قد ظهرت معه عندما وثّق بعدسته عملية إنقاذها من تحت ركام بيتها بعد قصفه بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوان غزة عام 2014، وتمّ إنجاز وثائقي لاحقاً حمل اسم "بيسان"، وصوّره ياسر أيضاً.
لحظات الإصابة وما تلاها
قال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، في اتصال هاتفي، إن قوات الاحتلال أطلقت النار مباشرة على الصحفيين الفلسطينيين، ما أسفر عن مقتل مرتجى وإصابة ثمانية آخرين من الصحافيين بالذخيرة الحية والرصاص المطاطي.
يُذكر أن عدد شهداء "جمعة الكاوتشوك" ارتفع إلى عشرة، بعد استشهاد ياسر وشاب آخر، حسب ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
"كنت رأيت قبل فترة صورته لغزة من الجو وحلمه أن يصورها من فوق وهو مسافر، حلمه كان أن يسافر فقط، وقلت يا ترى ممكن أن يفاجئه أحد ويأخذه إلى السماء ليصور هذه الصوره ويرجع. ما أصعب الأحلام البسيطة لما تكون مستحيلة ولما تحقيقها يكون مرهوناً بالموت"
بين "يوم الأرض" و "جمعة الكاوتشوك"... انضم ياسر إلى 30 شهيداً سقطوا برصاص الاحتلال، الذي أمعن قناصته في استهداف المتظاهرين رغم الانتقادات
ودان المكتب الصحفي للحكومة الفلسطينية في غزة، في بيان، مقتل مرتجى وإطلاق النار المباشر على الصحفيين الفلسطينيين أثناء تغطيتهم للتظاهرات والاحتجاجات التي بدأت في 30 مارس وستستمر حتى 15 مايو.
وتوفي ياسر، المولود في مدينة غزة عام 1988، بعد منتصف الليل متأثراً بجراحه إثر إصابته في بطنه بعيار ناري حي يتسلل إلى داخل الجسم وينفجر في الداخل.
وأوضح المصوّر الصحفي شادي العصار، وهو أحد أصدقاء ياسر، قائلاً "كنت واقفاً بالقرب منه، ثم سمعته يقول إنني أصبت بالرصاص وسقط على الأرض، ركضت نحوه وحملناه إلى المستشفى الأوروبي، شرقي خان يونس".
وأشار العصار، خلال مشاركته في الجنازة، إلى أنه "في البداية، اعتقدت أنه مصاب بجروح طفيفة، ولكن في طريقه إلى المستشفى كان ينزف كثيراً، وتحديداً داخل جسده، هذا ما أخبرنا به الأطباء"، مضيفاً "يبدو أنه كان نوع جديد من الطلقات النارية التي تنفجر في الجسم وتسبّب في نزيف داخلي".
من جانبه، قال محمد ماجد، الصحفي الذي يعمل لدى وكالة الأنباء التركية "الأناضول"، إن الأطباء فشلوا في إنقاذ حياته بسبب النزيف الحاد الذي أصيب به والأضرار التي لحقت بأعضاء البطن.
وأخبر ماجد أنه كان طوال الليل في المستشفى، وعندما توفي ياسر عند منتصف الليل "نقلنا جثمانه إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة لإبقائه حتى صباح اليوم للجنازة وللدفن".
وتأسف زميل ياسر قائلاً "كان محترفاً في استخدام الطائرة من دون طيار، وكان حلمه أن يكون يوماً في طائرة واحدة ويلتقط الصور من الجو".
ويتابع "كان ياسر يمسك بكاميرا عندما أطلق الجنود عليه النار ولم يكن مسلحاً، لم يكن يستخدم طائرة من دون طيار بل كان يبدو واضحاً أنه مصور، وعلى الرغم من ذلك أطلق القناصة الإسرائيليون النار عليه"، حسب ماجد.
رحل ياسر، الذي درس في الجامعة الإسلامية في غزة وحصل على درجة البكالوريوس في الوسائط المتعددة قبل سبع سنوات، سريعاً، وترك وراءه عائلة مؤلفة من زوجة وابن واحد، وسجلاً مهنياً غنياً فهو لم يكن مصوراً صحفياً فحسب بل صانع أفلام عُرضت في قنوات عدة، ومؤسس "عين ميديا" للإنتاج التلفزيوني والإعلامي في غزة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين