"مسيرة سلميّة شعبيّة مليونيّة فلسطينية ستنطلق من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا ومصر، وستنطلق هذه المسيرة باتجاه الأراضي التي تمّ تهجير الفلسطينيين منها عام 1948".
هذه هي العبارة التي تتصدّر صفحة "مسيرة العودة الكبرى" الفيسبوكية للتعريف عنها، والتي حدّد موعدها القيّمون عليها في 30 مارس الحالي، بالتزامن مع يوم الأرض، بعدما كانوا كشفوا الشهر الماضي عن التحضير لمسيرة مليونية طالبين انتظار الحسم بشأن موعدها.
"هي ليست فكرة منفردة، بل فكرة شعبية تحوّلت إلى تيار يحظى بإجماع مكونات الشعب الفلسطيني… وهي ليست جديدة، فقد سبق تجريبها عام 2011 وحققت نجاحاً رمزياً آنذاك، تمثل في تمكن مئات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من تجاوز الحدود في مجدل شمس في هضبة الجولان"، حسب الناشط السياسي وأبرز الداعين لمسيرة العودة الكبرى أحمد أبو أرتيمة.
يقول المنظمون إن الحماسة الفائضة فلسطينياً وعربياً لهذه المسيرة ناتجة عن اجتماع الظروف لنضج الوعي الشعبي، ويعوّلون على استمرار فعالياتها حتى ذكرى النكبة في الـ15 من مايو المقبل، بالتزامن مع تحرك سياسي واسع إقليمياً ودولياً.
ولكن الأسئلة المطروحة أمام تمنيات كثيرة بأن يُترجم شعار "عائدون" التاريخي في هذا اليوم تبقى هي هي، ليعود النقاش حول مدى اعتماد نجاح المسيرة على هذه الحماسة نفسها، وما حجم هذه الحماسة أساساً في ظلّ احتكامها للظروف السياسية التي يتحدّد من خلالها حجم الضغط الشعبي على إسرائيل من عدمه.
بين "حماس" و"فتح"
في فيديو نشرته الصفحة لنائب رئيس اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى عصام حماد، يصرّ الأخير على تأكيد اختلاف المسيرة عما سبقها، متحدثاً عن "سلاح اللاعنف الذي لا تستطيع إسرائيل مواجهته"، داعياً الجميع لـ"يصنعوا التاريخ بالسلمية السلمية".
وتقدّم المسيرة شكل العودة على أنه سيكون "بطريقة سلميّة مستندة إلى القوانين الدولية، وأبرزها قانون رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يدعو صراحةً إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب وقت إلى قراهم، وذلك بمحاولة الوصول إلى أقرب نقطة من الحدود، والاحتشاد بأعداد كبيرة عبر مشاركة العائلات، ونصب الخيام قرب الحدود، أو الخط الفاصل عن الأراضي المنتزعة عام 1948".
يأمل البعض أن تكون المسيرة انطلاقة جيّدة لإثارة قضية قطاع غزة، بينما رأى آخرون فيها بداية مرحلة جديدة في مواجهة إسرائيل أعمق بكثير من حدث سياسي عابر. إلا أن التعمق قليلاً في التصريحات وردود الفعل التي تلت الإعلان عنها يدعو للتوقف عند حجم الحماسة التي يبثها المنظمون.
يأمل البعض أن تكون المسيرة انطلاقة جيّدة لإثارة قضية قطاع غزة، بينما يرى آخرون فيها بداية مرحلة جديدة في مواجهة إسرائيل... التعمق قليلاً في التصريحات وردود الفعل التي تلت الإعلان عنها يدعو للتوقف قليلاً عند حجم الحماسة الذي يزعم وجوده المنظمون
كشفت صحيفة إسرائيلية وجود محادثات سرية بين الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، للتنسيق من أجل منع التصعيد عشية مسيرة العودة المرتقبة
بات شبه واضح أن "حركة حماس" داعم رئيسي للمسيرة الكبرى، وتسعى من خلالها لتصدير الضغوط الداخلية نحو إسرائيل، والتأكيد على أنها قوة تقاوم وتساوم، بينما تستغل الحنق الشعبي على السلطة الفلسطينية في ظل وقف الرواتب وعدم تمويل الكهرباء للحشد.
من جهة ثانية، رأى محللون فلسطينيون أن الرئيس محمود عباس، وبشكل أعم "حركة فتح" التي يرأسها، يريدون المناورة. يشاركون في المسيرة لمواجهة "حماس" من جهة، والضغط الخفي على إسرائيل من جهة أخرى.
ويساعد الظرف السياسي الدولي كذلك في الحشد هذا العام، إد تأتي هذه الخطوة رداً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل سفارة إليها، وكذلك في ظلّ ما يُحكى عن"صفقة القرن"، التي يقابلها تقليص الدعم الأمريكي والدولي لـ"الأونروا".
في المقابل، فإن ما بات واضحاً من فشل المصالحة بين فتح وحماس، لن يساعد في إدارة خطوة مشتركة بين القطاع والضفة، وهو المطلوب لإنجاح تحركات من هذا النوع. والجدير ذكره، في السياق، أن التوقعات والدعوات بداية كانت إلى مسيرة "مليونية"، ولكن حتى الآن لا يبدو الاستعداد كبيراً للمشاركة، وبتنا نسمع من "حماس" حديثاً عن مشاركة الآلاف.
انعكس الأمر كذلك على مواقع التواصل الاجتماعية، إذ لا تحظى صفحة المسيرة الكبرى بتفاعل كبير، فلم يتخط عدد المعجبين بها الـ8 آلاف، في وقت بدت الحماسة محدودة في أوساط الشباب الذين يشكلون عادة أساس هكذا مسيرات.
... ولبنان، سوريا، مصر والأردن
في الدول المعنيّة بالمسيرة الكبرى كلبنان والأردن ومصر وسوريا، ما زالت الأمور غير واضحة تماماً.
"سلميّة" المسيرة وتزامنها مع الظروف السياسية الدوليّة المتعلقة بالقدس قد تسهّل قيامها في هذه الدول، كرسالة رمزيّة تسمح بها الأنظمة عادة في ما يخص القضية الفلسطينية، في المقابل، تبقى الظروف الأمنية، ومعها رغبة النظام بتوجيه رسالة سياسية، عاملاً في إعطاء الإذن من عدمه.
في سوريا، سُمح عام 2011، حين كانت الأحداث السوريّة في بدايتها، للفلسطينيين بالوصول إلى مجدل شمس وتوجيه رسالة لإسرائيل ومعها الداخل، حتى اعتُبرت تلك المسيرة تأسيسية لهذا النوع من المسيرات.
وفي لبنان، سمحت السلطات، وبشكل أساسي "حزب الله"، في تنظيم "مسيرة العودة الى فلسطين" في بلدة مارون الراس، وحين الوصول إلى هناك تمكّن المئات من المشاركين من اختراق صفوف الجيش اللبناني والاقتراب من الشريط الشائك الحدودي. أخذوا يرشقون الجانب الإسرائيلي بالحجارة، ليواجَهوا بإطلاق نار أسقط 10 منهم مع أكثر من 112 جريحاً.
بعد أيام، وفي ذكرى النكسة، أعلنت لجنة مسيرة العودة - لبنان تأجيل موعد التظاهرة والمسيرة الشعبية التي كانت مقررة الى الحدود اللبنانية - الفلسطينية، في ذكرى النكسة ضمن فعاليات مسيرة العودة، بعدما قررت السلطات الأمنية اللبنانية منع أي تحرك في المنطقة الحدودية بهذه المناسبة.
في مصر والأردن لا تبدو الأمور واضحة كذلك، بينما كشفت صحيفة إسرائيلية وجود محادثات سرية بين الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، من أجل منع التصعيد عشية مسيرة العودة المرتقبة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني فلسطيني قوله إنه "تم الاجتماع الأخير في نهاية الأسبوع الماضي في أحد مقرات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بمشاركة مسؤولين أمنيين مصريين، ومن المتوقع عقد اجتماعات إضافية في الأسابيع المقبلة".
وفي إطار السماح بالتنفيس، طُلب من أجهزة الأمن في رام الله السماح للمتظاهرين في الضفة بتنظيم مسيرات، شرط عدم السماح باقترابها من نقاط الاشتباك.
إسرائيل تتأهب بكل الأحوال
لطالما فرضت الوسائل التي ينبغي توظيفها لمواجهة إسرائيل نفسها في كل مناسبة. وبينما بقي النقاش السائد الأعم قائماً على فكرة أن ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، كان خيار اللاعنف يطلّ خجولاً بين فترة وأخرى، فيما لم تكن ردود فعل إسرائيل مرتبطة بطبيعة خيار المواجهة.
حين كان يتم التحضير في العام 2000 للانتفاضة الفلسطينية، لم يكن قد اتضح حينها ما إذا كانت سلمية أم لا، عندما بدأت إسرائيل خطة مفصلة لتجهيز جيشها للتصدي لأي رد فعل تجاه المستوطنين والجنود في غزة والضفة الغربية. وقد تحدثت التقارير حينها عن تجهيزات وصلت إلى مئات الملايين من الدولارات.
واليوم، حتى في ظلّ التأكيد المستمر على "سلميّة" المسيرة، ثارت ردود فعل إسرائيلية تُرجمت في مقالات وتصريحات تحذّر من ذاك "السيناريو الأسود" الذي تتخوّف منه إسرائيل دائماً، وبطبيعة الحال بإعلان مجموعة من التدابير الأمنية المشدّدة والرسائل الاستباقيّة ومن بينها إطلاق عدد من الصواريخ على قطاع غزة.
وقالت صحيفة "هآرتس" إن إسرائيل تستعد بشكل كبير للفترة الممتدة بين مارس ومايو، والتي تبدأ بشكل أساسي يوم الجمعة المقبل بينما تركز اهتمامها على قطاع غزة الذي يُتوقع أن يأتي المئات منه لينصبوا الخيم على الحدود، وستكون على بعد 700 متر بشكل لا يخرق التعليمات الإسرائيلية التي تفترض الابتعاد 400 متر.
وفي كل سياق مشابه، يعود الكلام عن "السيناريو الأسود"، الذي يقوم على أن ينجح الفلسطينيون في الداخل والخارج من حشد عشرات الآلاف من الذين يمتلكون حماسة غير متناهية لاجتياز الحدود والدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، فلا تستطيع القوة العسكرية وقفهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.