"أدب الرعب بدأ بالنسبة لي لأني كنت طفل خوّاف جداً، والطفل واسع الخيال، فيبدأ يستكشف مخاوفه.. اكتشفت أنك عندما تكتب عن الرعب إلى حدّ ما تتخلص من مخاوفك". هكذا بدأ أدب الرعب مع الكاتب المصري أحمد خالد توفيق، الذي يُعرف بـ"العرّاب" والأب الروحي لأدب الرعب والخيال العلمي في العالم العربي، قبل أن يغيّبه الموت عن عمر ناهز 55 عاماً. ظهر توفيق في وقت كان هناك معتقد سائد يرى أن فئة الشباب تفضل الروايات البوليسية فقط. وبعناية اختار جمهور من سيخاطبهم، لأنه رأى أن "من غير المحبّب أن تلقى خطب على قبور الموتى.. أنا موجه للفئة التفاعلية المتحمسة والغاضبة". وارتبطت ذاكرة جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بكتاباته الرائعة، حلقوا معه في عالم سحري من الخيال عندما كانت الكتب وسيلة التسلية وقضاء الوقت الوحيدة. وفي إحدى مقابلاته قال "كنت أتوجه إلى جيل صغير قرأ وكبر معي في فترة من الفترات"، لافتاً إلى أنه عندما يكتب يشعر أنه "وراء المدفع مش قدامه، أنا أخيف الناس فصعب أخاف الآن... كنت أكتب لنفسي، وفي لحظة شعرت أن ذلك يكفي وأنني محتاج أن أصل للشباب...". ومع انتشار خبر رحيله، كان النبأ مُفجعاً لجمهور قرائه، فقالت إحداهن "عندما قرر أن ينهي حياة رفعت إسماعيل كانت مندبة حقيقية. طول الوقت بخاف من موت فيروز، بس موت د. توفيق مكانش في الحسبان خالص، وبالتالي عمري ما تخيلت يكون وقعه بالفداحة دي. وكإن خلاص مفروض احنا اختبرنا الفقد والموت معاك في شخصية رفعت. انت فديت نفسك بيه. هو حد يموت مرتين؟ اللي بيحصل ده بالغ القسوة. بالغ الفداحة. فوق الاستيعاب مع إنه بديهي ومتوقع وسنة الحياة يعني. يعني الواحد لا عارف يقول ايه ولا يروح فين ولا أي نيلة. ألف رحمة ونور تاني وتاني يا دكتور. السلام أمانة لرفعت يا دكتور". وركّز كثر في الحديث عن مدى تأثيره في فئة الشباب واحترامه لها. "تمنيت أن أقابله ولو مرة.. لكني قابلته مراراً وتكراراً من خلال رواياته وكتبه"، قالتها إيمان عبدالسلام، إحدى قراء الكاتب الراحل، أثناء حضورها تشييع جنازته في طنطا. وتناقل آخرون كلمات العزاء
"أفراح المقبرة"
لم يعش توفيق في كنف العاصمة الصاخبة، فمنذ بداية مسيرته ظل في موطنه الكائن في قلب دلتا مصر (مدينة طنطا في محافظة الغربية)، حيث ولد في 10 يونيو 1962، وتخرج في كلية الطب في جامعة طنطا 1985، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة 1997. إلى جانب روايات عدة، قدم توفيق سلاسل أدبية، بدأها بسلسلة "ما وراء الطبيعة" عام 1992، والتي حققت نجاحاً كبيراً لدى الجمهور، ما شجعه على استكمالها حتى العام 2014. وله سلاسل أخرى من بينها "فانتازيا" و"سفاري"."أدب الرعب بدأ بالنسبة لي لأني كنت طفل خوّاف جداً، والطفل واسع الخيال، فيبدأ يستكشف مخاوفه.. اكتشفت أنك عندما تكتب عن الرعب إلى حدّ ما تتخلص من مخاوفك"
تناقل كثر مع خبر وفاته مقتطفات من رواياته، إحدى هذه المقتطفات كانت نبوءة أحمد خالد توفيق بموعد تشييع جنازته التي حددها مسبقاً في روايته "قهوة باليورانيوم"، قائلاً "كان من الوارد جداً أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر"وخلال مسيرته قدم أحمد خالد توفيق 6 سلاسل لأدب الرعب، وترجم عدداً من الروايات الأجنبية ضمن سلسلة "روايات عالمية للجيب"، إضافة إلى ترجمته روايات "نادي القتال" (fight club) للروائي الأمريكي تشاك بولانيك. ومن أبرز رواياته "يوتوبيا"، "السنجة"، "في ممر الفئران"، فضلاً عن "إيكاروس"، الفائزة بجائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية في معرض الشارقة 2016. وصدر له بداية العام الجاري "شآبيب"، في حين سلم مسودة رواياته الجديدة "أفراح المقبرة"، التي انتهى من كتابتها قبل رحيله بشهرين، كما كان يكتب مقالات الرأي وينسج الحكايات الخيالية القصيرة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية.
توقع موعد وفاته
كادت رحلة توفيق مع الأدب تنتهي قبل بدايتها، عندما قدم أول رواياته باسم "أسطورة مصاص الدماء" ضمن سلسلة ما وراء الطبيعة، حيث قوبلت باعتراضات داخل المؤسسة العربية الحديثة عام 1992، ما أصابه بإحباط شديد بعد رفض الرواية، ونصحته اللجنة المراجعة لها بالكتابة في الأدب البوليسي. آنذاك تدخل نبيل فاروق، كاتب الروايات البوليسية، عضو اللجنة الثانية التي طالعت الرواية، إذ رأى أن قصة توفيق ذات أسلوب ممتاز وبها حبكة روائية وإثارة وتشويق. وقد حفظ الكاتب الراحل لفاروق ذلك، وقال مرة "لن أنسى لدكتور نبيل فاروق أنه كان سبباً مباشراً في دخولي المؤسسة، وإلا فإنني كنت سأتوقف عن الكتابة بعد عام على الأكثر". "الأفكار كالأشباح تخرج من مكامنها ليلاً!.. أدب الرعب طعم جديد مش مجرد ألغاز، احنا قدام قصة الكاتب يعبر فيها عن فلسلته ووجهة نظره متخذاً من الحدوتة (القصة) حجة"، كما قال توفيق في إحدى المرات. وربما لذلك لم يكن أبطال روايته شخصيات ذات قدرات خارقة، مثل شخصية الطبيب السبعيني رفعت إسماعيل، التي أحبها قراؤه في "سلسلة ما وراء الطبيعة"، والذي "لا يملك شيئاً من المواهب، ضعيف جداً، وهن جداً، ولا يملك غير عقله"، حسبما وصفه توفيق. وكما صنع شخصياته، تحوّل توفيق بعد موته إلى شخصيّة من شخصيات كتبه. وتناقل كثر مع خبر وفاته مقتطفات من رواياته، إحدى هذه المقتطفات كانت نبوءته بموعد تشييع جنازته التي حدّدها مسبقاً في روايته "قهوة باليورانيوم". ففي الصفحة 62 من الرواية، كتب "اليوم، كان من الوارد جداً أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر". وكان توفيق عانى من أزمات صحية متتابعة في القلب، إلى أن فارق الحياة في النهاية بعد اضطراب في عضلات القلب نتيجة تركيبه جهاز لتنظيم ضرباته منذ عام 2008. وحسب صحيفة "الشروق" المصرية، توقف قلبه 4 مرات من قبل، لكنه كان يعود لينبض بالحياة من جديد، وقال عن ذلك مرة "لقد عدت للحياة يجب أن أتذكر هذا ربما كانت لعودتي دلالة مهمة، لا أعرف ربما كان هناك عمل مهم جداً سوف أنجزه لكن ما هو؟ أخشى أن أكون قد عدت لأتلف ما قمت به في حياتي الأولى".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com