هوس غريب ذاك الذي تملّك "رضوان بن موسو اللبناني"، بطل رواية "إبرة الرعب". هوس يحقق له نشوة من نوع خاص ويشبع رغباته الجنسية، كما يتيح له الانتقام من جميع من آذاه أو آذى عائلته، بما حاكوه من قصص واختلاقات حول والده الذي عاد من لبنان بصمت حجريّ وأذن مثلومة وثلاث أصابع مقطوعة.
يتمثّل هوسه بولعه في حقن الإبر في المؤخرات، والتلذذ بلمسها، معتبراً إياها مخزن الأسرار وكاشفة الخبايا "أتعرّف إلى العالم عبر المؤخرات، أحلل نفسية كل امرئ من خلال مؤخرته، عندما أحقن الإبر، أستكشف النفسيّات وأستطلع الخبايا... تخبرني تلك العوالم بما يعترك في نفوس أصحابها، تخلق عندي الولع الذي لا يُروى إليها".
تعلّم "رضوان" حقن الإبر، أثناء خدمته الإلزامية، حيث عُيّن في مستوصف، مما ساعده على الإلمام قليلاً بالتمريض، ليعود إلى قريته بلقب "ممرض" رغم أنه لم يكمل دراسته المتوسطة، متحوّلاً في نظر الجميع إلى معالج يفهم في كل الأمراض ويشفيها بإبره. فيبدأ بمعالجة أهل القرية مخترعاً اختباراً للحساسية يستطيع من خلاله تحقيق هوسه في التلذذ باللحم الطريّ، وسرعان ما تنتشر أخبار اختباره المزعوم فتبدأ النسوة في القرية بالتمارض ليفسحن المجال لرضوان بلمسهن وليشبعن رغباتهن المكتومة في ظل الحرمان الذي يعانينه.
يسلط الكاتب الضوء على الفساد المستشري في أجهزة الدولة ومؤسساتها، ففي مستوصف خدمته الإلزامية يكون "رضوان" عوناً للضابط المسؤول عنه: "العقيد علاوي"، الذي يقوم ببيع الأدوية المخصصة للعلاج المجانيّ إلى صيدليات يتفق معها ثم يضع الثمن في جيبه. وفي المشفى الذي يعمل فيه بعد انتهاء خدمته، سيكتشف "رضوان" نوعاً آخر من الفساد، إذ يقوم الطبيب "فتّاح" بمساعدة المخدّر "محمود" بأخذ أعضاء من أشخاص مهمشين أو مساجين محكومين بالإعدام لنقلها إلى من يدفع ثمنها: "أكّد لي المخدّر أنه يختار المتبرعين ممن انقطعت بهم السبل، ويستحيل أن يتفقدهم أو يتقصى عنهم أحد، بالأحرى ممن يجدهم عالة على البشرية، وأنه يساعد في تطهير المجتمع منهم".
شخصيات متطرفة إلى الحد الأقصى، تخلق قوانينها الخاصة وتعيش وفقها، غير آبهة إلا بتحقيق نشوتها، التي قد تكون مالاً كما في حالة "المخدّر" و"الطبيب" و"الضابط"، أو انتقاماً بالتلذذ كما في حالة "رضوان"، أو اختلاق القصص وحكايتها لجذب الانتباه، كـ“ريزو" في القرية. بين هذه الشخصيات كلها، يسير السرد متداخلاً فتأتي بعض الفصول على لسان الراوي الذي يعرف بواطن شخصياته، وتأتي فصول أخرى على لسان الشخصيات نفسها، مما منح الرواية الحيوية والقدرة على التعبير عن أبطالها وسبر مكنوناتهم.
يعري "هيثم حسين" في روايته الزيف الذي يغلف المجتمع الشرقي، المجتمع الذي يرسم أطراً جاهزة لحياته ومعاشه، ويفرض قواعده، معتبراً كل مخالف لها شاذاً عن الطريق الصحيح، ومن الواجب إيقافه، وإن بالقوة. وذلك من خلال شخصية "نضال" الشاب الذي تنشأ بينه وبين "رضوان" علاقة جسدية أثناء الخدمة الإلزامية، ثم تفترق مصائرهما بعد ذلك، إلى أن يعاود "رضوان" البحث عنه، فيجده وقد أجرى عملية تحوّل جنسي، وأصبح صاحب قضية يدافع عنها، بعد أن أطلق موقعاً إلكترونياً واستطاع كسب تأييد بعض المنظمات الحقوقية، لكنه قوبل بالرفض من أهله ومن الناس، الذين حاولوا إيذاءه وقادوا ضده حرباً شعواء مستخدمين كل الوسائل الممكنة: "مجتمعي لم يتفهم كوني مختلفاً عنهم، أبحث عن ذاتي الحقيقية من دون تزييف أو مخادعة. أنت تعلم أن هناك الكثير ممن يغوصون في تلك الممارسات، لكن في الخفاء (...) التعامي هو السبيل لحماية المصالح".
يُمضي بطل الرواية حياته التي يصفها بـ "سيرة التحوّل غير المنتهي"، يغوص في العتمة، يتوهم القوة، يحاول التعرّف إلى ذاته، هارباً من الرعب المستبد به، ليكتشف أن الحياة متاهة، وأن الماضي والمستقبل كليهما غابة من الرعب لا غير.
هيثم حسين، روائي وناقد سوري، من مواليد مدينة عامودا 1978، عمل في تدريس اللغة العربية لسنوات، ثم تفرّغ للكتابة. يكتب مقالات دورية في النقد الأدبي والثقافي، كما في النقد الفني، الدرامي والسينمائي، ينشر في كبريات الصحف والمجلات العربية: صحيفة "الحياة" اللندنية، موقع "الجزيرة نت"، صحيفة "العرب" اللندنية، وغيرها.
له ثلاث روايات، هي: "آرام سليل الأوجاع المكابرة"، "رهائن الخطيئة"، و"إبرة الرعب". ترجم عن الكردية مجموعة مسرحيات، نشرها تحت عنوان: "من يقتل ممو؟ أرجوحة الذئاب". كما نشر ثلاثة كتب نقدية في فن الرواية، هي: "الرواية بين التلغيم والتلغيز"، "الرواية والحياة"، "الروائي يقرع طبول الحب"، وله كتاب نقدي رابع تحت الطبع هو: "الشخصية الروائية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع