"قامت كاثرين واقتربت من أمينة ببطء. وقفت في مواجهتها وعيناها تنطقان بالأسئلة. وأمينة تفكر أنها لا تريد أن تُسأل عن أي شيء فهي لا تعرف رأسها من قدميها. كل ما تعرفه أنها لم تزر هذا المكان منذ زمن بعيد، منذ أن توقفت الأحلام عن زيارتها، لكنها تشعر الآن كأنها لم ترحل عنه قط. لا تزال تعرف كل ركن وكل ناصية كما تحفظ آية الكرسي عن ظهر قلب. لكن الشارع يبدو مختلفاً!".
هناك سيلتقين بـ"مريم" التي تركت الطب النفسي، وجلست في بيتها تسترجع الماضي وتعيش في عذاباته، وتفرض حول نفسها عزلة قاسية، ووحدة مدمرة. تصطحب مريم المرأتين معها، وتسكنهما في بيتها بعد أن تكتشف أنهما تائهتان. تعيد الرواية رسم شخصيتي "أمينة" و"كاثرين"، فهما لا تشبهان الشخصيتين اللتين قرأناهما، وكأن الكاتبة أرادت إعطاءهما حياة مختلفة عما كانتا. فأمينة في "مسك التل" ليست ضعيفة وتابعة لرجل كما في "الثلاثية" بل هي امرأة قوية ذات إرادة، تقرأ وتكتب وتترجم عن الإنكليزية، وتخرج للبحث عن عمل كي لا تبقى عالة على الدكتورة مريم، وإن كانت تتمتع بطيبة الشخصية الأساسية وحنانها."أمينة عبد الجواد" من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة و"كاثرين إرنشو" من رواية "مرتفعات وذرنغ" لإملي برونتي تعودان في رواية جديدةأما "كاثرين" فهي تحاول الاندماج في القاهرة، تجد عملاً كمدرسة للغة الإنكليزية في إحدى المدارس، تعجب بزميلها "يوسف"، وتقرر عيش حياتها الجديدة رغم ذكريات الماضي وأشباحه التي تطاردها، وتجعلها ترى أحلاماً دائمة وكوابيس مؤرقة، فتكرر عيش ندمها على ما فعلته في المرتفعات، حين تخلت عن "هيثكليف"، وتلاحقها قصيدة "السيدة شالوت" التي لا تنفك تلحّ عليها، وتذكّرها بما تريد تجاوزه.
"هل كان زواجك من إدغار شيئاً بسيطاً أيتها البلهاء؟ هل دعوة هيثكليف عليك أن تفيقي على عذاب أليم شيء بسيط؟ وماذا عن كل تلك السنوات التي قضيتها شبحاً هائماً حول المرتفعات؟ راقبت كاثرين تتابع موجات النهر الصغيرة. لقد ماتت ليدي شالوت في مركب صغير حمله ماء نهر أصغر من هذا بلا شك. في حلمها الأخير كانت هي ليدي شالوت!".
"نظرت إلى عينيها في المرآة فلم تر شيئاً إلا خواء. مات زمنك يا أمينة، وليس هناك من وصل مع زمن تقطعت خيوطه بعد أن ظلت تبلى وتتآكل حتى إن جاءت هبة هواء جعلتها مزقاً! جلست على بلاط الحمّام وأسندت ظهرها إلى الباب. لم تتوقع أمينة أن زمانها سيعيش إلى الأبد، لكنها لم تكن لتتصور أيضاً أن تعيش لتشهد موته".
وهنا تعيدنا الرواية إلى واحدٍ من أسئلتها: الزمن، "فنحن لن نمل أبداً من محاولة فهم الزمن. الموت... هل هو زمن آخر؟ هل نعيش في الأبد المطلق دون أن ندري؟". سحر الموجي، قاصة وروائية مصرية. تعمل مدرسة للأدب الإنجليزي في كلية الآداب، جامعة القاهرة. لها مجموعتان قصصيتان، وثلاث روايات: "دارية"، "نون" التي فازت بجائزة كفافيس عام 2007، و"مسك التل". الناشر: دار الشروق/ القاهرة عدد الصفحات: 292 الطبعة الأولى: 2017رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 5 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي