شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية

رواية "الباندا"... عن جائزة نوبل المجحفة بحق الإنسانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 13 نوفمبر 201702:42 م
ينتحر "عاصم التل" في مكتبه في ليلة شتائية ماطرة، برصاصة مسدس اشتراه للدفاع عن نفسه، مورّثاُ ابنه "عمران" مسودات كتب فيها أفكاره حول جائزة نوبل للسلام، وست رسائل بخط الممثلة "فاتن حمامة". يقتنع "عمران" بنظرية والده، وفي مرحلة ما من عمره يقرر أن الوقت قد حان ليثبت صحة هذه النظرية، فيسعى لتحقيق ذلك مدفوعاً بجنونه. هذا هو المحور الذي تدور حوله أحداث رواية "الباندا" للكاتب السوري "راهيم حساوي"، وأثناء دورانها ذاك تنسج شبكة من العلاقات القائمة بين شخصيات عابثة، متناحرة ومضطربة.

"منذ خمسة عشر عاماً مات والده. قتل نفسه برصاصة مسدس كان قد اشتراه ذات يوم للدفاع به عن نفسه وليس لقتل نفسه. اخترقت الرصاصة صدغه ليفارق الحياة التي أدهشته بكل ما فيها من دهشة وأدهشها بتلك الرصاصة بكل ما فيها من مباغتة غير متوقعة لأي أحد ما عدا أخته سعاد".

تناقش الرواية مجموعة من الأفكار المرتبطة بجائزة نوبل للسلام، على شكل نظرية قدمها الوالد المنتحر في الأوراق التي تركها، فهو يرى أن الجائزة تُقدّم لفعل كانت نتائجه واضحة قبل فعله، وهي تُقدّم لشخص واحد يكون مشهوراً بأفعاله الإنسانية قبل حصوله عليها، متجاهلة آلاف الأشخاص الذين يقومون بأفعال إنسانية كثيرة لكنهم يفعلونها في الظل دون إشهارها بالأضواء الفاسدة. كما يعتبر أن الجائزة غالباً تقدم لأشخاص لديهم كل الوسائل والإمكانيات لفعل أشياء إنسانية، ولديهم المنابر للإعلان عنها والتعريف فيها، والبعض يقوم بهذه الأعمال كجزء من واجباته في المنصب الذي يشغله. فأي اثنين أحقّ بالجائزة: شخص قام بأفعال إنسانية لأنها جزء من واجباته في المنصب الذي يشغله، أم شخص آخر قام بهذه الأفعال دون أن تكون من واجباته؟

"هذه الجائزة مجحفة بحق الإنسانية لأنها تحط من شأن كل فرد في هذا العالم لصالح فرد آخر يعيش تحت الضوء من أول لحظة ينوي فيها العمل في هذا الشأن، في حين أن هناك مليارات الناس لا يمكن لأحد أن يرصد تجربتهم الإنسانية التي تقوم على أدق التفاصيل التي قد تكلفهم سنوات عمرهم دون أن يعرفوا ما معنى نوبل للسلام أو ما معنى حقيقة الفعل الذي يقومون به سوى ذلك الإحساس بالسعادة".

يختار "عمران" لتحقيق هدفه امرأة سيئة السمعة، غير محبوبة من قبل محيطها، وتتصرف بطريقة خسيسة ووضيعة مع الناس. يطلب من صديقة لديها مشغل خياطة أن ترشح له امرأة من العاملات لديها تمتلك هذه المواصفات، فتعرّفه على "فريدة الأسعد".
"كل شيء واضح، مثل بياض وسواد وحجم دب الباندا المهدد بالانقراض"... رواية "الباندا" لرهام حساوي
هذه الجائزة مجحفة بحق الإنسانية لأنها تحط من شأن كل فرد في هذا العالم لصالح فرد آخر يعيش تحت الضوء من أول لحظة...
هكذا، يبدأ "عمران" بصناعة وجه آخر لها، ينشئ جمعية خيرية لمساعدة الناس والأطفال الأيتام، ويسلّم إدارتها لفريدة، يضع كل إمكانياته في سبيل نجاح هذه الجمعية وفي سبيل بروز اسم مديرتها كامرأة تتحدى الصعاب وتضحي بحياتها وشبابها من أجل زوجها المقعد، ومن أجل الجمعية التي نذرت حياتها لها. تتوالى نجاحاتها وتبدأ الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية بالحديث عنها وإجراء مقابلات معها، وتتعدى شهرتها الحدود لتصبح نجمة عالمية يمكن أن ترشح لجائزة "نوبل للسلام" بسبب مسيرتها الحافلة بالعطاءات والتضحيات. يشعر عمران أنه صار قريباً من تحقيق هدفه، سيثبت للناس جميعهم أن تلك المرأة التي أخذت الجائزة لديها ماضٍ ملوث، وأن الجائزة كلها يجب أن تلغى. بالتوازي مع هذه الحكاية يتتبع "حساوي" مسيرة باقي أفراد عائلة "عمران" وحكاياتهم: العمة زائدة الوزن ذات الساق المبتورة بسبب داء السكري، وعلاقة الكراهية المرّة التي تربطها بزوجة أخيها. وهناك أيضاً الأخت "جيداء" التي تربطها علاقة عاطفية ما مع سكرتيرتها في عيادة طب الأسنان التي تملكها. إضافة إلى العائلة هناك شخصيات أخرى مثل الفنانة التشكيلية "سارة الزين" التي اشترت مكتب الوالد المنتحر وأقامت فيه مرسمها، وهناك "كلودين" الشابة الفرنسية التي تلتقي بعمران في بيروت لتأخذ منه الرسائل التي كانت والدتها ترسلها لفاتن حمامة شاكية لها عن حبها، والتي وصلت إلى والد "عمران" بطريقة ما. علاقات كثيرة متشابكة ومعقدة تنشأ بين هؤلاء جميعهم، حتى لتبدو الرواية أنها ما كتبت إلا لتحكي عن هذه الشخصيات وعن أزماتها النفسية، في عالمٍ يتجه إلى الفناء بخطى وئيدة، لكن مع ذلك يصرّ كل شخص منهم أن يبقى على قيد الحياة بكل غرابتها وفوضاها ومصيرها المجهول وقسوتها... أن يبقى على قيد حياة لوّثها هو، ولكنه يسعى جاهداً لهندستها وتنظيمها متناسياً مصيره الحتمي نحو الزوال. عمران وحده بجنونه وهستيريّته يدرك هذه الحقيقة فـ"كل شيء واضح، مثل بياض وسواد وحجم دب الباندا المهدد بالانقراض"، ولهذا فإنه يتخذ أكثر القرارات جنوناً وغرابة مطلقاً عبارته الأثيرة "فقد صدقوني بهذه" للمرة الأخيرة ربما! راهيم حساوي، كاتب سوري من مواليد 1980. يكتب المسرح والرواية. صدرت له روايتان: "الشاهدات رأساً على عقب"، و"الباندا". الناشر: دار نوفل – هاشيت أنطوان/ بيروت عدد الصفحات: 170 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image