قد تكون للحبس نتائج مغايرة عن الأهداف التي ترنو إليها الدولة عند تطبيق العقوبة على المدان. فمخرجات السجن لا تنحصر بالردع والإصلاح والتأهيل كما هو مأمول. في أحيان كثيرة، تأتي المخرجات سلبية وتولد مشاعر سوداً لدى السجين بسبب نقمته على من سلبه حريته، فالسجن فعلياً حرمان الشخص من عيش الزمن وامتلاك الوقت، وغير ذلك من تفصيلات الحياة. من هذا المنطلق، تتجه وزارة العدل الأردنية إلى إحداث تغيير في فلسفة العقاب، بإحلال العقوبات المجتمعية كبديل للعقوبات السّالبة الحرية، حيث ينفّذ الشخص حكمه بتقديم خدمات اجتماعية تعود بالنفع العام على المجتمع، بما يتناسب مع قدرته ومعرفته، وفق ما جاء على لسان وزير العدل عوض أبو جراد في حديثه إلى رصيف22.
الخدمة المجتمعية وآلية التطبيق
يتمثل مفهوم الخدمة المجتمعية بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع، لمدة تحددها المحكمة بحيث لا تقل عن (40) ساعة، ولا تزيد على (200)، وينفذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة تحت الرقابة، بحسب المادة (25) مكررة من قانون العقوبات المعدل الرقم 27 لعام 2017. وبحسب ما ورد في القانون المعدل، فإن العقوبات البديلة ستطبق على القضايا التي يجوز فيها للقاضي وقف التنفيذ، وفي حالات الأحكام التي لا تزيد على سنة واحدة، إذا رأت المحكمة أن في أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد أنه لن يخالف القانون مرة أخرى. وتمهيداً لتطبيق ذلك، وقعت "العدل" 8 اتفاقات مع وزارات أخرى من أجل تهيئة المجالات والأماكن المناسبة لتنفيذ العمل المجتمعي، ويوضح الوزير أنه لمجرد أن يحكم القاضي بوقف تنفيذ الحكم يحال المحكوم عليه إلى دائرة العقوبات المجتمعية المختصة بهذا الشأن، لتقرر نوع الخدمة المجتمعية التي سينفذها، بما يتوافق مع خلفيته العلمية والثقافية، حتى تكون بدائل الإصلاح فاعلة. لن تحل العقوبات البديلة محل المقيدة الحرية في المطلق، لكن سيتم استبدال بعضها إذا قررت المحكمة وقف تنفيذ الحكم بالسجن في جناية أو جنحة، وللمحكمة بناء على تقرير الحالة الاجتماعية إلغاء العقوبة المجتمعية المحكوم بها، وتنفيذ العقوبة الأصلية إذا قصر المحكوم عليه في تنفيذ بدائل الإصلاح المجتمعية من دون عذر تقبله المحكمة، وفقاً لأمينة سر الشبكة القانونية للنساء العربيات المحامية نور إمام. تشمل بدائل الإصلاح المجتمعية المشاركة في أعمال اجتماعية تطوعية، تنموية أو بيئية أو تعليمية، حسب خبرة الشخص ومقدرته، بموافقته، وفق ما توضح إمام.الوجه الآخر للعقوبة
فكرة تقييد الحرية بعقوبة، لها تبعات قد تفضي إلى نتائج أخرى، وفق ما يوضح المختص بعلم الاجتماع والجريمة الأستاذ حسين محادين، حيث يرى أن السجن داخل مراكز الإصلاح والتأهيل لم تثبت فاعليته، لعوامل عدة أبرزها افتقار مراكز كثيرة إلى برامج تأهيلية علمية معيارية، كما أن البيئة بالمجمل يمكن أن تكسب الفرد أنماطاً سلوكية جديدة، ليست قويمة، نتيجة اختلاطه بآخرين من النزلاء. ولعل أسوأ ما يواجه المحكوم عليه بعد انقضاء مدة حبسه، الوصمة الاجتماعية من العائلة والمجتمع، وعدم قدرته على التكيف مع محيطه نتيجة التغيرات التي حصلت في غيابه. لذلك، فإن العقوبات المجتمعية تجعل الشخص أكثر احتكاكاً مع الحياة ومستجداتها، بالتالي، يصبح إمكان تعديل سلوكه أسهل، وفقاً لمحادين. وبيّن أن انغماس المدان بخدمة المجتمع وخضوعه لبرنامج تأهيل نفسي حسب الحاجة سيتركان أثراً إيجابياً على سلوكه، بدلاً من احتجاز حريته في الحبس مع أشخاص ذوي سوابق جرمية، مؤكداً الحاجة إلى حملات توعية تسبق تطبيق العقوبات المجتمعية، حتى يجد المحكوم عليه تقبلاً ولو جزئياً، ليعاود تقويم سلوكه في ظل وجود المساندة والدّعم، وسيفضي ذلك حتماً إلى تقليل نسبة الجرائم في المجتمع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...