قبل نحو أسبوعين، توفي عامل مصري وأصيب رفيقه بعدما انهار سقف السكن البدائي الذي كانا يعيشان فيه بإحدى المزارع في منطقة الأغوار الشمالية بالأردن، وهو ما سلط الضوء مجدداً على عدم أهلية وخطورة الأماكن حيث يعمل ويعيش العمال الوافدون إلى الأردن.
يُقدر عدد المصريين الذين يعملون في الأردن بشكل قانوني بنحو 170 ألفاً يشكلون النسبة الأكبر من العمال الوافدين، أي 55% تقريباً، إلا أن وزارة العمل تردد أن العدد الإجمالي للعاملين المصريين بشكل غير قانوني يفوق هذا العدد بكثير.
ويعمل معظم المصريين في القطاعين الأكثر خطراً وإهمالاً: الزراعة والإنشاءات.
تنتقد منظمات المجتمع المدني في الأردن فكرة أن يعمل العامل ويعيش في المكان نفسه، لأن ذلك يتيح لصاحب العمل التحكم به، ويستتبع سلسلة من الانتهاكات تبدأ بحجز الوثائق الرسمية للعاملين وزيادة ساعات العمل وتُختتم بالتحكم الكامل بحياتهم حتى نهاية مدة تصاريحهم.
ومع ذلك، لا يلتزم معظم أصحاب العمل بتوفير أماكن سكن لائقة للعمال.
تتباين مساكن العمال بحسب طبيعة عملهم، فكلما زادت قسوة العمل الذي يمارسونه، زادت قسوة المكان، وخاصة في فصل الشتاء.
لكن أين يعيش هولاء العمال؟ وكيف يتأقلمون مع الأماكن التي يعيشون فيها؟ وما الذي يدفعهم لذلك؟
محمود (33 عاماً) قدم إلى الأردن قبل نحو 10 سنوات من قرية بني سويف، يعمل في أحد مشاتل المزروعات بمنطقة الأغوار الوسطى التي تبعد نحو 80 كم عن العاصمة عمّان، ويعيش في المكان نفسه.
وظيفة محمود قائمة على العناية بالمشتل الذي يمتد على مساحة 10 دونمات تقريباً، عدا رش المزروعات بالمبيدات الخطيرة بدون معدات تؤمن له السلامة.
يقضي محمود معظم وقته في المزرعة لأنه يخشى من استياء صاحب العمل في حال مغادرتها. يقول إنه لا يفعل شيئاً في الغرفة التي لا تحوي إلا سريراً متواضعاً بالقرب من المبيدات، وإنه لا يملك الكثير من الخيارات "أدينا عايشين يا عم".
يحتفظ أبو أحمد بصورة أطفاله الأربعة دوماً في هاتفه المتنقل، ولسان حاله: "الحاجة هيه الي بتخلي الواحد يبعد عن عياله ويعيش هنا، هنعمل أيه"
محمود، يحيى وأحمد، عمال مصريون يعيشون في الأردن، فتحوا لنا أبواب مساكنهم... كلما زادت قسوة العمل الذي يمارسونه، زادت قسوة المكان
حال مسكن محمود يبدو معقولاً مقارنةً بحال بعض مساكن العمال القريبة منه، خاصة إذا كان المسكن يؤوي نحو 30 عاملاً يعيشون في 3 غرف متلاصقة، ينام بعضهم بجانب بعض.
يعمل العمال الذين يسكنون في هذا المكان عند عدد من أصحاب المزارع، إلا أنهم يدفعون بدل إيجار يبلغ 40 ديناراً عن كل فرد، لصاحب مزرعة يعمل فيها بعضهم. من بين هولاء العمال، يحيى (35 عاماً)، ابن محافظة الشرقية الزراعية الذي يعمل في قطاع الزراعة منذ أكثر من عشر سنوات.
يشتاق يحيى لإخوته وقد علق صورهم فوق فراشه المتواضع. يقول: "هنعمل إيه، الحياة هنا صعبة، دي مش عيشة بني آدمين، بس علشان أرجع أعيش كريم في بلدي، لأزم أتحمل ده". تتحسن أوضاع العمال الحياتية قليلاً كلما اقتربت من العاصمة عمّان، كأي مجال آخر بالأردن، لكن ذلك لا ينطبق تماماً على العمالة المهاجرة.
أحمد يعمل في "جاروشة حبوب" في عمّان وينام في غرفة متواضعة بجانبها، منذ نحو 5 سنوات.
المنطقة التي يعيش ويعمل فيها أحمد معروفة برودتها في الشتاء، ولأن غرفته من الغرف القليلة المزودة بوسائل تدفئة يزوره عمال قريبون منه في المساء، ويقضون السهرة قبالة التلفاز الذي لا يعمل معظم الوقت بسبب الرياح الشديدة. ينتظر أحمد بفارغ الصبر أن يعود إلى بلاده ليتزوج: "بكفي غربة، أنا هرجع أكمل نص ديني، بس شكلي هرجع تاني هنا، الوضع صعب بالبلد".
هذه الصورة رسمها له أحد زملائه العائدين للتوّ من البلاد.
أبو أحمد حلاق رجالي يمارس مهنته منذ أن كان طفلاً. قدم إلى الأردن أخيراً من أجل مزاولة هذه المهنة، يعمل ويعيش في المكان نفسه، فمحله مقسوم جزئين، جزء للحلاقة وجزء للمبيت.
يقول أبو أحمد إن الدافع الرئيسي للعمل والعيش في المكان نفسه هو حاجته الشديدة للتوفير، ويضيف: "البلد غالية جداً هنا، وأنا محتاج كل حاجة بقدر أوفرها".
يحتفظ أبو أحمد بصورة أطفاله الأربعة دوماً في هاتفه المتنقل، ولسان حاله: "الحاجة هيه الي بتخلي الواحد يبعد عن عياله ويعيش هنا، هنعمل أيه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...